كشف التهديد بإضراب عمال السكك الحديدية هذا الشهر ضعف شبكات النقل الأميركية، والمخاطر المحتملة لاضطراب سلسلة التوريد بينما تتلاشى تداعيات توقفها خلال الوباء.
وقد وقع الرئيس جو بايدن الجمعة على مشروع قانون يُجبر خطوط السكك الحديدية للشحن ونقابات العمال على قبول اتفاقية العمل، لتجنب إضراب قد يعطل الركيزة اللوجستية الأساسية للاقتصاد، وتسبب ذلك رغم حل الخلاف في زيادة الوعي باحتمال أن يصبح اختلال العرض سمة أساسية ومستمرة في المشهد التجاري بالولايات المتحدة.
وتنقل السكك الحديدية نحو 30% من البضائع الأميركية وفقا لمؤشر الوزن والمسافة المقطوعة طن/ميل، كما تعتمد بعض المنتجات مثل الفحم أو الأسمدة أو الحبوب أو المواد الكيميائية بشكل خاص على السكك الحديدية.
تكلفة باهظة
قدرت شركة "أندرسون إيكونوميك غروب" للخدمات الاستشارية تكاليف الإضراب بنحو 60 مليون دولار في اليوم الأول، على أن ترتفع في حالة استمراره.
بلغت تقديرات أخرى للتكلفة النهائية مليارات الدولارات في حالة نقص الإمدادات لأجل أطول، في ظل الافتقار لقنوات بديلة يمكنها نقل السلع الأساسية، وقالت جمعيات الشاحنات الأميركية إن نقل الشحنات من عربات السكك الحديدية إلى الشاحنات يتطلب أكثر من 460 ألف شاحنة وسائق إضافي، في الوقت الذي يواجه القطاع نقصًا حادًا في السائقين.
تحرك الكونغرس بسرعة لتجنب الإضراب وقام الأربعاء بتمرير مشروع قانون مدعوم من الحزبين لمجلس النواب ثم مجلس الشيوخ الخميس قبل أن يُطرح الجمعة على مكتب بايدن، ويظهر التعاون النادر بين الحزبين الوعي بحجم مخاطر الإضراب، وما قد ينتج عنه من نقص في السلع من شأنه زيادة التضخم بالولايات المتحدة في الوقت الذي بدأ فيه بالتراجع من أعلى مستوياته في 40 عام.
وضع دائم
قال مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي، الذين كانوا ينظرون في السابق لمشكلات سلسلة التوريد على أنها آثار جانبية مؤقتة للوباء، إن المشكلات قد تستمر طويلا، حيث حذر نائب الرئيس، لايل برينارد الاثنين من "هشاشة سلاسل التوريد العالمية"، وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول الأربعاء إن قيود العرض قد تُصبح "وضعًا طبيعيًا جديدًا" للاقتصاد الأميركي.
وتساءل باول خلال فعالية لمعهد بروكينغز: "هل نذهب لوضع يشبه إلى حد ما السبعينيات، حيث الصدمات المتكررة والمستمرة التي من شأنها زيادة الضغط التصاعدي على التضخم بمرور الوقت؟"
وقال بالاجي غونتور، رئيس العمليات في شركة "هوبتك" للتقنيات اللوجستية، إن التهديد بالإضراب سلط الضوء على شبكة توزيع سعت فيها الشركات إلى خفض تكاليف التسليم من خلال تقليصها قدر الإمكان، وقد تسبب ذلك النهج في نمو الأرباح لكنه زاد أيضا من صعوبة الاستجابة لصدمات مثل الوباء العالمي.
أضاف غونتور: "نستكشف الآن تصدعات بقدرة سلاسل التوريد لدينا على تلبية كافة احتياجاتنا، حيث اعتادت قبل ذلك التحرك ببطء ووافق ذلك بطء في النظام وفر لها بعض المرونة".
رغم ذلك، يتسبب مزيد من ركود النظام في ارتفاع التكاليف بالأجل الطويل وسوف يتحملها الشركات والمستهلكون.
قال غونتور: "قد أرغب في الحصول على أفضل سعر لكيس الشييس التالي، لكنني إذا أردت الحصول عليه غدًا أو في اليوم الذي يليه، فقد أضطر للدفع".
ضربات متتالية
امتصت سلسلة التوريد العالمية على مدى السنوات الثلاث الماضية الضربات التي رفعت أسعار السلع الاستهلاكية، بدايةً من الإغلاقات بسبب كوفيد إلى خفض إنتاج المصانع بكافة أنحاء العالم، وخصوصًا في الصين، في الوقت الذي عززت فيه برامج الدعم الحكومي بالولايات المتحدة وأماكن أخرى من الطلب على السلع رغم قيود العرض.
ارتفعت أسعار الشحن البحري 8 أضعاف بين مارس 2020 ومايو 2021، لكنها انخفضت منذ ذلك الحين بالقرب من مستوياتها في الجائحة، وفقًا لمؤشر "شحنات البلطيق".
وقد عطل الغزو الروسي لأوكرانيا مطلع هذا العام تدفقات الطاقة العالمية مع تقلص إمدادات النفط والغاز الطبيعي الروسي بسبب العقوبات الغربية، كما واجه قطاع الشحن صعوبات بدايةً من الصيف بسبب الطقس الجاف الذي أدى إلى انخفاض مستويات المياه بالممرات المائية الداخلية الرئيسَةِ في الصين وأوروبا والولايات المتحدة.
كما اندلعت نزاعات عمالية مع زيادة نفوذ النقابات العمالية نتيجة نقص العمال بسبب بالوباء، وأعاقت الإضرابات والاحتجاجات موانئ في المملكة المتحدة وفرنسا، كذلك تسببت حالة عدم اليقين بشأن المحادثات مع العمال في موانئ جنوب كاليفورنيا في تحويل بعض شركات الشحن البضائع لموانئ الساحل الشرقي.
وقال نيك فياس، الأستاذ في كلية مارشال لإدارة الأعمال بجامعة جنوب كاليفورنيا: "لم تتعرض شبكة سلسلة التوريد ككل، محليًا وعالميًا، لأي انقطاعات".
جودة الخدمة
حتى قبل النزاع العمالي الأخير، اشتكى مستخدمو السكك الحديدية للشحن في الولايات المتحدة من تراجع الخدمة بسبب تراجع معدلات التوظيف، ما دفع الجهات التنظيمية الفيدرالية إلى التدقيق في الأمر.
منذ عام 2016 خفضت أكبر سبع خطوط سكك حديدية للشحن في الولايات المتحدة القوى العاملة لديها بنسبة 29% وفقًا لمجلس النقل البري، الهيئة الحكومية التنظيمية للسكك الحديدية، ونتج عن تقليص الموظفين أن أصبحت الشركات أكثر رشاقة، لكنها فرضت مزيدًا من الضغط على العمال وحدت من فرص حصولهم على إجازات، ما ينبئ بتعثر في الجولة الحالية من المفاوضات.
قال مستخدمو السكك الحديدية إن نقص عدد الموظفين زاد خلال الوباء بشكل حاد، وعانت الخطوط لإعادة توظيف العديد من العمال، الذين تخلت عنهم مع تفشي الفيروس. وتسبب أيضًا توقف تقديم الدعم للسفن قبالة موانئ جنوب كاليفورنيا في انتشار المشكلة بنظام نقل البضائع بالكامل.
تقول شركات السكك الحديدية إنها اشترت قاطرات جديدة كما وظفت آلاف العمال لتحسين الخدمة، حيث قال روبين تايسفير، المتحدث باسم "يونيون باسيفيك كورب": "ندرك مخاوف عملائنا ونتخذ إجراءات صارمة للحد من الازدحام".
كما قال زاك أندرسن، المتحدث باسم "بي إن إس إف ريلواي": "أجرينا تحسينات في الخدمة على مدار العام، ونراقب باستمرار المعايير الرئيسية لجودة الخدمة".
تعكس المؤشرات المبكرة إعادة الشركات التفكير بعملياتها في ظل مشاكل الإمداد المستمرة.
مركز صناعي
يمنح مشروع القانون الذي تم تقديمه الصيف الماضي حوافز لفتح مصانع أشباه الموصلات بالولايات المتحدة، ضمن الجهود للحد من اعتماد الدولة على الواردات، وفي سبتمبر الماضي أسست شركة "إنتل" مصنعًا بقيمة 20 مليار دولار في كولومبوس بولاية أوهايو، كما تفكر بعض الشركات في نقل الإنتاج من الصين إلى فيتنام ودول أخرى بسبب عمليات الإغلاق الصارمة للحد من انتشار كوفيد.
في الولايات المتحدة، تضع الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على السكك الحديدية خططًا في حالة حدوث مزيد من الاضطرابات، حيث قالت إميلي ريغيس، رئيسة الاتحاد الوطني لنقل الفحم، الذي يضم منتجي الفحم ومحطات الطاقة وشركات الشحن، إن محطات الكهرباء تفكر في الاحتفاظ بمخزونات أكبر من الفحم لتتمكن من الاستمرار في إنتاج الكهرباء في حالة تعطل شحنات الفحم بالسكك الحديدية، وأضافت ريغيس: "يعني ذلك مزيد من الأموال للاستثمار لمواصلة الأعمال ولن تحصل على عائد حتى تحرق المزيد وتولد الكهرباء".
قال سكوت جنسن، المتحدث باسم مجلس الكيمياء الأميركي، إن بعض شركات الكيماويات تتطلع أيضًا إلى الانتقال للاعتماد على وسائل نقل أخرى.
البديل صعب
لكن الحصول على بدائل يستغرق وقتًا طويلًا، فعلى مر السنين أصبحت شبكة السكك الحديدية متشابكة مع انتشار وأداء العديد من الصناعات، في ظل إنفاق شركات الكيماويات ومحطات الكهرباء مليارات الدولارات على عربات السكك الحديدية والبنية التحتية الأخرى بما يضمن نقل شحناتها.
وقال مايك ستينهوك، المدير التنفيذي لاتحاد نقل الصويا، إن خطوط السكك الحديدية مهمة للغاية بالنسبة للمزارعين الأميركيين.
وأضاف ستينهوك: "القدرة على نقل فول الصويا في سيارة شحن لمسافة 1500 ميل إلى محطة تصدير من بورتلاند في أوريغون أحد الأسباب الرئيسَةِ التي تجعل مزارعًا في ولاية مينيسوتا الغربية يزرع حبوبًا تستهلكها الماشية في الصين بنهاية المطاف، وتابع قائلًا "نعم، نحاول دائمًا تنويع سلاسل التوريد، ولكن هناك سبب يجعل السكك الحديدية جزءًا مهمًا من صناعتنا وأتوقع أن يظل الحال هكذا".
المصدر: وول ستريت جورنال