يعد الأمن السيبراني جزءاً لا يتجزأ في بناء الشركات، أو المؤسسات الوطنية أو الخاصة، إذ يبحث الجميع عن جدار حماية قوى لتأمين معلومات عملائها، والتصدي لأي هجمات سيبرانية.
وشهدت قارة إفريقيا ارتفاعاً في عدد الهجمات الإلكترونية بنسبة 35% خلال العام الماضي، بحسب تقرير للبنك الدولي، فيما تشير دراسة حديثة لمؤسسة (IDC) إلى أن الإنفاق على الأمن السيبراني في إفريقيا سيصل إلى 2.3 مليار دولار أميركي بحلول عام 2026.
وتتلخص تدابير الأمن السيبراني (cybersecurity measures) المعروفة الخاصة بحماية المؤسسات والأفراد من الهجمات السيبرانية، في 6 أنواع هي أمان الشبكة، وأمان التطبيقات، وأمان المعلومات، وأمان السحابة، وأمان إنترنت الأشياء، وإدارة الهوية والوصول.
عمرو صبحي، خبير الأمن السيبراني والاستشارات الرقمية وأمن المعلومات، أكد لـ«إرم بزنس»، أن الاستثمار في الأمن السيبراني بشكل منهجي ومدروس، لا يحمي المؤسسات من الخسائر المالية فقط، بل يساهم أيضاً في تعزيز الثقة وجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة في الأسواق الناشئة مثل مصر وإفريقيا، وهي تمثل الأسواق الواعدة في مجال التحول الرقمي.
وأطلقت الحكومة المصرية الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني (2022_2026)، بهدف تعزيز قدرات المؤسسات الحكومية والخاصة على مواجهة التهديدات الإلكترونية.
ومن المتوقع أن يرتفع حجم سوق الأمن السيبراني في مصر إلى حوالي 500 مليون دولار أميركي بحلول عام 2027، بحسب تقرير لموقع «موردر إنتلجنس» (Mordor Intelligence).
واحتلت مصر المرتبة الثالثة على مستوى القارة من حيث التعرض للهجمات الإلكترونية، مع زيادة سنوية تقدر بنحو 25%.
وفي مقابلة مع مجلة «غلوبال إيكونوميك» رأت نينا إيفياني أستاذة قانون وتكنولوجيا في جامعة «ليدز بيكيت» بالمملكة المتحدة، وهي في الوقت نفسه نائبة رئيس مجموعة خبراء الأمن السيبراني التابعة للاتحاد الإفريقي (AUCSEG)، أن الوضع الراهن للأمن السيبراني في إفريقيا نحو نهج العسكرة السيبرانية.
مع الزيادة الكبيرة في مراكز البيانات في إفريقيا، والتي تُقدر بحوالي 700 منشأة جديدة في إفريقيا، خلال سنوات قليلة مقبلة، أوضحت إيفياني أن هذه الزيادة تمثل مرحلةً من «رأسمالية البيانات»، التي تعكس بدورها توجه القارة الرقمي.
وأشارت إلى أن حماية البيانات أقل اتساقاً بكثير في إفريقيا، إذ لا يوجد سوى اتفاقية «مالابو» التي لم يُصادق عليها أخيراً إلا عدد قليل من الدول.
ولفتت إلى غياب القوانين الإقليمية الشاملة لحماية البيانات، وافتقار العديد من الدول الإفريقية إلى تشريعات قوية لحماية البيانات.
ولا شك في أن نهج القوى العظمى الأخرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي تعهدت أيضاً بأموال كبيرة للتنمية الرقمية في إفريقيا، يثير تساؤلات حول سبل تنفيذ هذه التعهدات، كما تشير الخبيرة الإفريقية.
وفي نهاية المطاف، تلعب ديناميكيات التعاون الدولي، والعلاقات التاريخية، وإمكانية الوصول إلى الموارد، ومصالح الدول أدواراً حاسمة في تشكيل رحلة التحول الرقمي في إفريقيا.
ومن أبرز جوانب الاستثمار في مجال الأمن السيبراني في مصر، كما يوضح الخبير عمرو صبحي، الاستثمار في مراكز البيانات الثلاثة الكبرى التي تم تأسيسها مؤخراً، والتي تمثل نقلة نوعية في البنية التحتية الرقمية المصرية.
هذه المراكز، الواقعة في العاصمة الإدارية الجديدة والقرية الذكية ومنطقة برج العرب بالإسكندرية، تُعد ركيزة أساسية للأمن المعلوماتي، وتوفر حماية عالية المستوى للبيانات الحكومية والخاصة، ما يعزز قدرة الدولة على مواجهة التهديدات السيبرانية بشكل فعال وسريع، وتسمح بتبادل المعلومات بأعلى معايير الأمان.
ورغم تراجع مركز مصر في مؤشر الجاهزية الشبكية لتحتل المركز الـ85 عام 2024 من أصل 133 دولة، فإنها حققت المركز الـ30 في الأمن السيبراني، وتقدمت 5 مراكز في قطاع الوصول إلى الحساب المالي عبر الإنترنت وهي قدرة الأشخاص والمؤسسات على الحصول على الخدمات المالية عبر الإنترنت، إذ حققت المركز الـ 120، طبقاً لمؤشر الجاهزية الشبكية الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي.
ومن المتوقع أن تصل إيرادات قطاع الأمن السيبراني في مصر إلى 100 مليون دولار عام 2025، مع استمرار نمو إيراداته تدريجياً لتصل إلى 192 مليون دولار نهاية 2029 وفقاً لمؤسسة «ستاتيستا» لأبحاث السوق.
ويوضح صبحي الخطوات العملية لتعزيز الاستثمار في الأمن السيبراني في مصر وإفريقيا، من خلال تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير البنية التحتية الأمنية، وكذلك زيادة الوعي بأهمية الأمن السيبراني من خلال الحملات التوعوية والتثقيفية، وبناء كوادر بشرية متخصصة من خلال البرامج التدريبية الدولية، وتشجيع ريادة الأعمال في مجال الأمن السيبراني من خلال دعم الشركات الناشئة.
لا شك في أن الاستثمار في الأمن السيبراني في إفريقيا أصبح ضرورة اقتصادية وأمنية، تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار في عصر تزداد فيه المخاطر الإلكترونية يوماً بعد يوم.