يتجه العراق نحو خطوة جديدة في تطوير القطاع المالي، إذ يخطط البنك المركزي لإطلاق عملة رقمية وطنية، وسط مطالبات بتحركات أكبر لتطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز إجراءات الأمن السيبراني وزيادة الوعي المالي بين المواطنين لضمان انتقال سلس نحو عصر مالي جديد.
وفي نهاية مارس، كشف محافظ البنك المركزي العراقي، علي العلاق، أن العملة الرقمية المزمع إطلاقها تهدف إلى تعزيز الشفافية في التعاملات المالية، والحد من تسرب النقد خارج المصارف، مما يسهم في تحقيق انضباط مالي أكبر.
العلاق أكد أن تبني العملة الرقمية سيمكّن من تتبع حركة الأموال، مما يساعد في مكافحة الفساد، وتسهيل عمليات التحليل المالي، إلى جانب تقليل التكاليف المرتبطة بطباعة العملة الورقية وإدارتها.
كما أوضح أن البنك المركزي بدأ بالفعل باتخاذ خطوات ملموسة، بالتنسيق مع منظمات دولية، للاطلاع على التجارب الأولية في مجال العملات الرقمية، حتى لا يتأخر العراق عن هذا التحول.
هذه الخطوة تحمل انعكاسات إيجابية على الاقتصاد العراقي وفق خبراء اقتصاديين، خاصة في ظل السعي نحو تقليل الاعتماد على النقود الورقية، وحوكمة حركة النقد، وتحقيق كفاءة أكبر في النظام المالي.
وخلال الربع الثالث من العام الماضي، شهد عرض النقد في العراق نمواً ملحوظاً، حيث ارتفع عرض النقد بالمعنى الضيق بنسبة 4.1% ليصل إلى 158.6 تريليون دينار (121.1 مليار دولار)، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، وفقاً لبيانات البنك المركزي العراقي.
وفي المقابل، سجل عرض النقد بالمعنى الواسع نمواً بنسبة 3.3%، ليبلغ 179.8 تريليون دينار، مقارنة بـ173.9 تريليون دينار خلال الربع الثالث من العام الماضي.
ويعتقد الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي خلال حديثه مع «إرم بزنس» أن العملة الرقمية سوف تسرع من المعاملات المالية، وتخفض تكاليفها، فضلاً عن توسيع نطاق الشمول المالي، بما يتيح لفئات واسعة من المواطنين إمكانية الوصول إلى الخدمات المصرفية بسهولة عبر المنصات الرقمية.
وسجل الشمول المالي في العراق قفزة ملحوظة، حيث ارتفع إلى 48% حالياً مقارنة بـ20% في السنوات السابقة، وفقاً لتصريحات سابقة لمستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، مظهر محمد صالح.
وعلى مستوى الجهاز المصرفي، يرى المرسومي أن البنوك العراقية قد تواجه تحديات كبيرة مع هذا التحول، إذ سيتوجب عليها تطوير أنظمتها الرقمية لاستيعاب العملة الجديدة، وتعزيز إجراءات الأمن السيبراني، لضمان حماية بيانات العملاء والتعاملات المالية.
وشهدت الودائع لدى المصارف العاملة في العراق ارتفاعًا بنسبة 4.2% خلال الربع الثالث من عام 2024، لتصل إلى 127.6 تريليون دينار، مقارنة بـ122.4 تريليون دينار خلال الفترة ذاتها من عام 2023.
ويمتلك العراق عدداً كبيراً من أجهزة الصراف الآلي تجاوز 4 آلاف جهاز، ونحو 17 مليون بطاقة مصرفية، فيما بلغ عدد المحافظ الإلكترونية 1.2 مليون محفظة، وفق تصريحات محافظ البنك المركزي أدلى بها في فبراير الماضي.
بدوره، يعتبر الباحث الاقتصادي في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية حامد الجبوري أن العملة الرقمية قد تمثل فرصة مهمة للمصارف العراقية في حوكمة حركة النقد ومكافحة تسرب النقود خارج القنوات الرسمية.
وتقدر نسبة تسرب النقود في العراق بنحو 70% من إجمالي إصدار النقود بما يتجاوز 70 تريليون دينار عراقي، بحسب تصريحات سابقة لمستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية.
ويرى الجبوري، خلال حديثه مع «إرم بزنس»، أنه من خلال تحويل المعاملات إلى نظام رقمي، يصبح تتبع تدفق الأموال أكثر سهولة، مما يقلل من فرص التهرب الضريبي والأنشطة المالية غير المشروعة.
وفيما يتعلق بالنظام المالي، يشير الباحث العراقي إلى أن اعتماد العملة الرقمية يحسن من كفاءة النظام المالي، وتسهيل تنفيذ السياسات النقدية، إذ يمكن للبنك المركزي مراقبة العرض النقدي بشكل أكثر دقة، والتدخل عند الحاجة إلى ضبط التضخم أو تحفيز النمو الاقتصادي.
وانخفض التضخم السنوي في العراق إلى 2.8% خلال الربع الرابع من العام الماضي مقابل 4% في الفترة ذاتها من العام 2023، بحسب بيانات البنك المركزي.
ومع ذلك، يتطلب هذا التحول – وفق الجبوري - تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز الوعي المالي بين المواطنين لضمان نجاح الانتقال إلى النظام الرقمي، بالإضافة إلى الحاجة إلى توفير شبكة إنترنت موثوقة لضمان سهولة استخدام هذه العملة في مختلف أنحاء البلاد.
وفي إطار هذا التطور، تعمل الحكومة العراقية والبنك المركزي على دعم الاقتصاد الرقمي، من خلال إنشاء مركز بيانات متطور، يعمل كقاعدة أساسية لإنجاح التحول الرقمي في البلاد. كما يجري التعاون مع مؤسسات دولية، وصندوق النقد العربي، لوضع إطار تنظيمي يضمن إطلاق العملة الرقمية بشكل آمن وفعال.