أدت الحرب الأوكرانية الروسية إلى تحول اقتصادي في بعض المناطق الفقيرة في روسيا، إذ وفرت النفقات المخصصة لعائلات الجنود القتلى زخماً اقتصادياً واضحاً، ما انعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي ورفع معدلات الادخار والإنتاج في تلك المناطق، وأدى إلى انخفاض غير مسبوق في معدلات الفقر، وفقاً لتقرير صحيفة وول «ستريت جورنال» الأميركية.
وأظهرت إحصاءات رسمية أن نسبة الفقر في روسيا وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ بدء جمع البيانات في عام 1995، وتحديداً في المناطق النائية مثل توفا وبورياتيا وألتاي، حيث أدت هذه المدفوعات دوراً رئيساً في تعزيز الاقتصاد المحلي.
ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، شهد الإنفاق العسكري في روسيا ارتفاعاً إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحقبة السوفيتية، فقد زادت مصانع الأسلحة من إنتاجها على مدار الساعة لتلبية الطلب المتزايد على الذخيرة والمعدات.
أدى هذا الارتفاع في الإنتاج إلى توفير فرص عمل بمرتبات مجزية، مما ساعد على تحسين الأوضاع الاقتصادية، ليس فقط في المناطق الحضرية، بل أيضاً في الأقاليم البعيدة التي لطالما عانت ارتفاع معدلات الفقر.
وتركز الحكومة الروسية جهودها في تعزيز دور الجنود اجتماعياً، إذ أطلقت برنامجاً جديداً تحت عنوان «زمن الأبطال» يُخصص لتدريب الجنود على شغل مناصب حكومية بعد انتهاء خدمتهم العسكرية.
وساهم ذلك في تغيير النظرة التقليدية لخدمة الجيش، التي كانت تُعتبر سابقاً خياراً لمن لا تتوفر لديهم كفاءات مهنية. ومع التوسع في البرامج التي تكرّم الجنود، أصبحت اليوم مدارس روسية تخصص مقاعد فارغة لذكرى «الأبطال» الذين سقطوا على الجبهة، ما يضيف قيمة معنوية لتضحياتهم أمام المجتمع.
ولم تقتصر المدفوعات على الجنود فقط، بل شملت عائلاتهم أيضاً، حيث تصل التعويضات لأسر القتلى إلى أكثر من 150 ألف دولار، وهو مبلغ كبير يعزز القدرة الشرائية للأسر في المناطق الفقيرة.
هذا التدفق المالي رفع من معدلات الادخار بشكل ملحوظ، فقد سجلت توفا زيادة في الودائع المصرفية بنسبة 151% منذ يناير 2022، وارتفعت معدلات البناء السكني بشكل غير مسبوق، مما يعطي انطباعاً بأن الأموال بدأت تتدفق وكأنها تحويلات مالية من الخارج. وعلى الوتيرة نفسها، شهدت منطقة ألتاي ارتفاعاً في إيرادات المطاعم والحانات بنسبة 56%، مما يشير إلى تزايد الإنفاق المحلي المدعوم بمدفوعات الحرب.
وفي بورياتيا، التي تعد واحدة من أفقر مناطق روسيا، ارتفعت نسبة الودائع البنكية بنسبة 81% منذ بداية الحرب، كما زادت مشاريع البناء السكني بنسبة 32%، وهو نمو يفوق المتوسط الوطني البالغ 2%.
ويُعد هذا التطور جزءاً من التحول الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، إذ زاد عدد الرجال الذين أرسلوا للقتال في أوكرانيا من هذه المنطقة، وتزايد عدد القتلى مما شكل تضحيات أثرت في نظرة المجتمع المحلي إلى الحرب ومآلاتها.
من جانب آخر، لا تخفي الحكومة الروسية الأبعاد القاسية لهذا الوضع، فقد صرّح الرئيس فلاديمير بوتين بأن الموت على الجبهة له قيمة أفضل من عيش حياة بائسة، في محاولة لتعزيز الروح الوطنية لدى الجنود وعائلاتهم. ويرى البعض أن هذا التوجه يعزز التماسك الاجتماعي ويقلل التوترات المرتبطة بالفروقات الاقتصادية.
ورغم هذا التأثير الإيجابي على المناطق الريفية، فإن هناك آثاراً اقتصادية سلبية أخرى على الاقتصاد الوطني ككل، إذ ساهمت مدفوعات التعويضات العسكرية - التي بلغت حوالي 8% من إجمالي الإنفاق الحكومي - في توسيع عجز الموازنة وزيادة معدلات التضخم، مما اضطر البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية بلغت نحو 21%.