تعمل الصين على دراسة تفصيلية لاستراتيجيات روسيا في الالتفاف على العقوبات الغربية، كجزء من جهودها للتحضير لأي مواجهة اقتصادية محتملة مع الغرب في حال تصاعد التوترات بشأن تايوان. هذه الجهود، التي كشفت عنها صحيفة «وول ستريت جورنال»، تأتي في إطار استراتيجية أوسع لضمان استقرار الاقتصاد الصيني والتكيف مع أي تحديات مستقبلية مشابهة لتلك التي واجهتها موسكو.
في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، شكّلت الصين فريقاً مشتركاً من وكالات حكومية مختلفة تشمل مجالات الاقتصاد والأمن والشؤون المالية. يتولى هذا الفريق إعداد تقارير دورية تُقدَّم للقيادة الصينية، تتضمن دراسات وتحليلات عن كيفية تعامل روسيا مع العقوبات، بما في ذلك تأثيرها في الاقتصاد الروسي وأبرز التدابير المستخدمة للتخفيف من آثارها.
وأفادت مصادر للصحيفة بأن هذه التقارير تهدف إلى تهيئة الصين للتعامل مع عقوبات مشابهة لتلك التي فرضها الغرب على روسيا، خاصة أن أي صراع محتمل حول تايوان قد يستدعي استخدام أدوات اقتصادية عقابية مماثلة ضد بكين.
كجزء من هذه الاستعدادات، يجري مسؤولون صينيون زيارات منتظمة إلى موسكو للتشاور مع البنك المركزي الروسي ووزارة المالية، إضافة إلى جهات أخرى مسؤولة عن إدارة العقوبات.
وأكد التقرير أن العلاقات الاقتصادية بين الصين وروسيا تعمقت منذ بدء الحرب الأوكرانية، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية مستوى قياسياً وصل 240 مليار دولار في عام 2023، مدفوعاً بصادرات النفط الروسية إلى الصين.
مع ذلك، تبقى العلاقة غير متوازنة، إذ تعتمد روسيا بشكل كبير على الصين لتخفيف آثار العقوبات، بينما تظل مساهمتها في الاقتصاد الصيني محدودة. دفع هذا التفاوت الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى دعوة المسؤولين لتعزيز التعاون الاقتصادي مع موسكو لتحقيق منافع متبادلة أكبر.
تركز الصين أيضاً على حماية احتياطياتها من النقد الأجنبي، التي تُعتبر الأكبر في العالم، وتُقدَّر بنحو 3.3 تريليون دولار. دفعت العقوبات الغربية على روسيا وتجميد أصولها في الخارج الصين إلى التفكير في تنويع احتياطياتها بعيداً عن الأصول المقومة بالدولار. وفي زيارة غير معتادة لإدارة الدولة للنقد الأجنبي، أكد شي جين بينغ أهمية تأمين هذه الاحتياطيات من أي تداعيات محتملة.
بحسب التقرير، ترى الصين في روسيا "مختبراً" لتجربة تأثير العقوبات وتطوير استراتيجيات لمواجهتها. على سبيل المثال، نجحت روسيا في استخدام شبكة سفن غير غربية لتجاوز سقف أسعار النفط، فيما يُعرف بـ "أسطول الظل"، الذي ينقل أكثر من نصف النفط الروسي المنقول بحراً. كما لجأت موسكو إلى الجمهوريات السوفييتية السابقة للحصول على سلع غربية محظورة، مثل السيارات الفاخرة والرقائق الدقيقة المستخدمة في التطبيقات العسكرية.
رغم نجاح بعض هذه التدابير، عانت روسيا نقاط ضعف كبرى؛ بسبب ارتباط اقتصادها بسلاسل التوريد العالمية. على سبيل المثال، أدت العقوبات إلى نقص حاد في قطع الغيار، ما تسبب بتوقف إنتاج السيارات. هذا الدرس يُعد تحذيراً للصين، التي تُعد مركزاً صناعياً عالمياً، من أن أي عقوبات مشابهة قد تُسبب اضطرابات كبرى في سلاسل التوريد الخاصة بها.
في حين أن الولايات المتحدة فرضت بالفعل عقوبات على الصين، مثل قيود التصدير على أشباه الموصلات المتقدمة وإجراءات ضد شركات مثل هواوي، فإن تصعيد الأزمة بشأن تايوان قد يؤدي إلى حرب اقتصادية أوسع نطاقاً. تشير تقارير إلى أن عقوبات شاملة قد تعرقل النظام المالي الصيني، وتُهدد أصولاً بقيمة 3.7 تريليون دولار في الخارج.
كشفت العقوبات الغربية على روسيا أهمية التنسيق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا في فرض العقوبات، لكنها أيضاً أظهرت بعض نقاط الضعف. تعمل الصين على دراسة هذه النقاط، مثل الخلافات حول عقوبات النفط، لتحديد الثغرات المحتملة في أي نظام عقوبات مستقبلي قد يستهدفها.
تشير هذه الجهود إلى أن الصين تتبنى نهجاً استباقياً لحماية اقتصادها وتأمين مصالحها الاستراتيجية. ومن خلال دراسة تجربة روسيا، تسعى بكين إلى بناء دفاعات اقتصادية قادرة على مواجهة أي عقوبات مستقبلية، مع الاستفادة من الدروس المستخلصة لضمان استقرار اقتصادها ومكانتها العالمية.