من التوسع في البطولات الرياضية الاحترافية إلى برامج تنمية المواهب الشابة، أصبحت الرياضة محركاً رئيساً لمستقبل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يشكل شبابها أكثر من 60% من تعداد سكانها.
تقرير لمؤسسة «أتلانتيك كاونسل» (Atlantic Council) استعرض الطفرة غير المسبوقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) في الاستثمار الرياضي، خاصة دول الخليج، ما يعكس أهمية الرياضة كأداة للتحول الاجتماعي والاقتصادي.
ومع وجود ما يقرب من 60% من سكان المنطقة تحت سن 30 عاماً، تدرك الحكومات بشكل متزايد الحاجة إلى استغلال الرياضة كوسيلة للتعليم والنمو الاقتصادي والتنقل الاجتماعي.
وفقاً للتقرير، استثمرت العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كبير في تطوير الرياضات للشباب، إذ تعد دول الخليج من الرواد في هذا المجال.
اجتذبت التعاقدات الطموحة في الدوري السعودي مع نجوم كرة القدم الدوليين مثل كريستيانو رونالدو، ونيمار جونيور، وكريم بنزيما انتباه العالم، بينما يعكس توسع سباقات الفورمولا 1، عبر دول الخليج التأثير المتزايد للمنطقة في عالم الرياضة.
وفي 2016، حددت السعودية هدفاً لزيادة نسبة المشاركة في الرياضة من 13% إلى 40% بحلول عام 2030، وهو هدف تجاوزته في 2022، حيث بلغت نسبة المشاركة 48%.
كما شهدت مشاركة النساء السعوديات في الرياضة نمواً ملحوظاً، مع انضمام أكثر من 50 ألف فتاة للبرامج الرياضية منذ عام 2015، مما يمثل زيادة بنسبة 149%. كما تضاعف عدد الاتحادات الرياضية في المملكة من 32 في 2015 إلى 97 في 2023.
على غرار ذلك، نفذت دولة الإمارات العربية المتحدة تشريعات لتشجيع الرياضة الأساسية، بهدف فتح آفاق أمام الشباب الإماراتي للانضمام إلى الفرق الرياضية المحترفة والوطنية.
بينما أعلنت البحرين عن خطط لإنشاء مجمع رياضي ضخم يسمى «المدينة الرياضية»، ليكون مركزاً للتدريب الرياضي ومشاركة الشباب.
إلى ذلك، أُطلقت عدة برامج عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتمكين الشباب من خلال الرياضة، وتوفير بيئات آمنة للشباب لتطوير مهارات الحياة، وتعزيز القدرات القيادية.
في مصر ولبنان، أسست المنظمات برامج رياضية تهدف إلى تمكين الفتيات الشابات، وتعزيز ثقتهن بأنفسهن، وتوفير مساحات شاملة للمشاركة.
وفي المغرب وتونس، تُسْتَخْدَم الرياضة لمعالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية من خلال برامج تدريبية مدمجة تجمع بين تطوير المهارات الرياضية والمهنية.
وفي العراق، نظمت المنظمة غير الربحية الدولية «كروس كالتشرز» (Cross Cultures) مدارس كرة القدم المفتوحة، لتعزيز الفهم الثقافي والاندماج.
وضمت إحدى هذه المخيمات في أربيل 200 طفل ومراهق من خلفيات دينية وعرقية متنوعة، بهدف توفير «ملاذات آمنة للأطفال للتعبير عن أنفسهم، وبناء الثقة، والتوحد عبر الفجوات الدينية والثقافية».
بالنسبة للشباب في المناطق المتأثرة بالصراعات، اعتبر التقرير أن الرياضة تعد أداة حاسمة لتعزيز المرونة والتماسك الاجتماعي، وبناء الثقة، وتحسين الصحة النفسية.
في سوريا، أنشأت المبادرة المدعومة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» مساحات آمنة للشباب للمشاركة في أنشطة رياضية تشمل كرة القدم والجمباز واليوغا.
وتشير الأبحاث إلى أن مثل هذه المبادرات قد تساعد على ردع الشباب عن الانضمام إلى الجماعات المتطرفة من خلال توفير بدائل إيجابية والانخراط الاجتماعي المنظم.
فيما أشار التقرير إلى استمرار وجود تحديات قائمة، إذ تفتقر العديد من حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى السياسات الشاملة الموجهة نحو الشباب، حيث تُهَمَّش الرياضة في استراتيجيات التنمية الوطنية، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
علاوة على ذلك، تحتاج المناطق المتأثرة بالصراعات إلى جهود موجهة لضمان أن يحصل الشباب على نفس الفرص المتاحة لنظرائهم في المناطق المستقرة.
ووفقاً للتقرير، يمكن للشركاء الدوليين ودول الخليج، أن يؤدوا دوراً محورياً في دعم هذه المبادرات، من خلال الاستثمار في برامج الرياضة للشباب، ما يساهم في استقرار المنطقة على المدى الطويل.
وفي حين تقوم الحكومة الأميركية بمراجعة أولويات مساعداتها الخارجية، يبرز التقرير ضرورة أن يدرك صانعو السياسات التأثير الكبير الذي يمكن أن تحدثه البرامج الرياضية في تعزيز الاستقرار والتنمية والمشاركة الفعالة للشباب.