تشهد الليرة السورية تذبذباً حاداً في قيمتها، حيث ارتفعت في السوق الموازية يوم أمس، الثلاثاء، إلى 7800 أمام الدولار، لتتراجع، اليوم الأربعاء، إلى 9000. في المقابل، بقي السعر الرسمي ثابتاً عند 13,000 للشراء، و13,130 للبيع.
هذا التفاوت الكبير بين الأسعار الرسمية وغير الرسمية يثير تساؤلًا: هل هذه التغيرات ناتجة عن عوامل اقتصادية حقيقية، أم أنها مجرد تقلبات وهمية لا تعكس الوضع الفعلي للاقتصاد؟
وقد يُنظر إلى التذبذب في السوق الموازية على أنه نتيجة لعوامل حقيقية مثل التضخم المرتفع، الذي سجل 238% في العام 2023، والعقوبات الاقتصادية المستمرة التي تحد من تدفق العملة الصعبة إلى البلاد. هذه العوامل تؤثر، بشكل مباشر على قيمة الليرة، مما يزيد من الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق غير الرسمية.
على الرغم من التذبذب الكبير في السوق الموازية، يمكن أن تكون الزيادة في قيمة الليرة السورية أمام الدولار في بعض الأوقات مؤشراً إيجابياً على تحسّن مؤقت في الوضع الاقتصادي وفق التحليل، أو على تحركات ناتجة عن تقليل الطلب على الدولار في السوق السوداء. ففي حال شهدت الليرة السورية ارتفاعاً ملموساً في سعر صرفها، قد يكون ذلك دلالة على تحسن في المعروض من العملة الصعبة أو تحسن محدود في الثقة بالاقتصاد.
في الجهة المقابلة، يعاني الاقتصاد السوري من مشاكل هيكلية عميقة، مثل ضعف الإنتاج المحلي، وهيمنة السوق السوداء، ما يضاعف من تعقيد الوضع المالي والاقتصادي. وعلى الرغم من أن المصرف المركزي يحدد سعر الصرف الرسمي، إلا أن السوق الموازية تظل تتحكم في جزء كبير من المعاملات التجارية. وفي حين أن التقلبات في السوق الموازية قد تكون ناتجة عن عوامل اقتصادية حقيقية، إلا أنه من الصعب الجزم بأنها تعكس الوضع الفعلي للاقتصاد السوري.
وقد ينسب أيضاً ارتفاع سعر الليرة في السوق الموازية، رغم التحديات الاقتصادية إلى بعض العوامل المفترضة، مثل تحسين العلاقات الاقتصادية مع بعض الدول، ما يخفف الضغط على العملة المحلية.
لكن من ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل تأثير الواقع الاقتصادي المرير على تذبذب قيمة الليرة السورية. فقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 64% منذ العام 2011، مما يبرز حجم الانكماش الاقتصادي الحاد الذي تعيشه سوريا. كما أن معدلات البطالة المرتفعة التي بلغت 52%، وزيادة معدلات الفقر لتصل إلى 90% من السكان، تضاعفان من الأعباء الاقتصادية على المواطنين، وتزيدان من ضعف الطلب على العملة الوطنية، مما يساهم في تقلبات سعر الصرف.
وتظل السوق الموازية هي المسيطر الأساس في تحديد الأسعار الحقيقية، وهذا الواقع يعكس ضعف قدرة المصرف المركزي على ضبط السوق، وتثبيت استقرار الليرة.
ويؤدي تداخل العوامل الاقتصادية الحقيقية مع العوامل النفسية، إلى حالة عدم يقين ما يزيد من تعقيد القدرة على التنبؤ بالتحركات المستقبلية للعملة السورية.