logo
اقتصاد

أوروبا غاضبة من سياسات أميركا الحمائية

أوروبا غاضبة من سياسات أميركا الحمائية
تاريخ النشر:30 يناير 2024, 01:23 م
رحب المسؤولون الأوروبيون الحريصون على تجاوز مشاكلهم التجارية مع إدارة ترامب السابقة، بإعلان الرئيس بايدن عام 2021 بأن "أميركا عادت".

ولكن بدلاً من عكس سياسات دونالد ترامب الحمائية، قام بايدن بتطوير العديد منها، حيث أبقى الرئيس الأميركي الحواجز التجارية قائمة، وترك الشركات الأوروبية خارج برامج الإعانات المصممة لتعزيز التصنيع الأميركي، وفاجأ الحلفاء بقيود أكثر صرامة على وصول الصين إلى التكنولوجيا الأميركية.

ويخشى العديد من الأوروبيين أن يتخلى ترامب، وهو في طريقه على ما يبدو إلى الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، عن أوكرانيا ومنظمة حلف شمال الأطلسي، فضلاً عن الدفع بالفوضى في التجارة العالمية. ومع ذلك، أصبحوا يعتقدون أنه بغض النظر عن الفائز في مباراة العودة المتوقعة بين بايدن وترامب، فإن السياسات الاقتصادية الأميركية ليست في صالحهم، حيث قال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين: "لقد انتهى شهر العسل".

ويتساءل الدبلوماسيون والمسؤولون في جميع أنحاء أوروبا، عما إذا كان بإمكان الكتلة الاعتماد على الولايات المتحدة لمواصلة دعم النظام التجاري "القائم على القواعد" - أو إذا كانوا يواجهون احتمال نشوب صراع اقتصادي بين الحلفاء القدامى.

واتخذ الاتحاد الأوروبي بعض الخطوات لدعم صناعاته المحلية، حيث خفف بعض قواعد الدعم، لتسهيل تنافس الحكومات الأوروبية مع حوافز التكنولوجيا الأميركية. لكن مسؤولي الاتحاد الأوروبي، ما زالوا متمسكين إلى حد كبير بمثل التجارة الحرة التقليدية، ويظهرون تردداً في تبني النهج الأميركي، الذي يقولون إنه يذكرهم بالتكتيكات التي تفضلها بكين، كما حذر المسؤولون الأوروبيون واشنطن، من أن التحركات الأميركية للتنافس مع الصين، تتسبب في أضرار جانبية عبر المحيط الأطلسي.

وقال أوليفييه بيشت، وزير التجارة الخارجية الفرنسي في ذلك الوقت، للممثلة التجارية الأميركية كاثرين تاي، الشهر الماضي خلال زيارة لواشنطن، "نحن شريكان قديمان، ولدينا مشاكلنا"، "لكن علينا أن نكون حذرين في إدارة خلافاتنا التجارية".

وسيتعين على الرئيس الأميركي المقبل، أن يتابع جميع المناقشات الاقتصادية الشائكة للحفاظ على الشراكة سليمة. ويمكن أن تثير كل قضية مشاحنات دبلوماسية أو تعريفات جمركية أو قيود تجارية أخرى، وتضعف الوحدة الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأوروبا، كما أن المخاوف بشأن عدوانية موسكو والقوة الاقتصادية للصين، جعلت أوروبا مترددة حتى الآن في التصدي بقوة أكبر للولايات المتحدة، التي يُنظر إليها على أنها أقوى زعيم في الغرب.

ويرفض كبار المسؤولين في إدارة بايدن فكرة أن أجندتهم أحدثت شرخاً مع أوروبا، قائلين إن الحليفين متفقان بشأن القضايا الاستراتيجية الرئيسية، ولم يستجب المتحدث باسم حملة ترامب لطلب التعليق.

وقال فالديس دومبروفسكيس، المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، إن إدارة بايدن ومسؤولي الاتحاد الأوروبي عملوا معاً بشكل فعال، بما في ذلك بشأن المشاحنات التجارية، التي ورثها البيت الأبيض، لكنه كان يأمل في مزيد من المرونة.

ماذا يجري؟

حضر بريندان بويل، عضو الكونغرس الأميركي عن الحزب الديمقراطي في ولاية بنسلفانيا، الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس الناتو في عام 2019. وقال في الحفل الذي أقيم في لندن، إنه كان هناك شعور بأن التحالف قد لا ينجو من انتقادات الرئيس ترامب آنذاك للتحالف، وركز على مطالبة أوروبا بإنفاق المزيد على دفاعها.

وأضاف بويل: "النكتة التي ظلت تتكرر، وكانت تلك دعابة سوداء، هي: "دعونا نستمتع بهذه الحفلة هذا العام، لأن هناك تساؤلا وشكا حول ما إذا كنا سنقيم حفل الذكرى السنوية الخامسة والسبعين".

وسرعان ما أعاد بايدن احتضان الناتو بعد توليه منصبه في عام 2021، ورحب بتوسيع التحالف بعد الغزو الروسي لأوكرانيا بعد عام، وأعطى التزامه بأمن أوروبا القادة الأمل في أن الولايات المتحدة قد تغيرت.

لكنهم شعروا بخيبة أمل عندما اكتشفوا أنه في مسائل الاقتصاد الدولي، كان بايدن يشارك ترامب بعض وجهات نظره العالمية. لقد اعتبر الرئيس ومستشاروه التجارة العالمية غير المقيدة بمثابة تهديد للأمن القومي، محذرين من أنها أدت إلى تفريغ القاعدة الصناعية الأميركية، وأضرت بالعمال الأميركيين وسمحت للصين بالسيطرة على الصناعات المهمة.

وكان أحد الاختبارات المبكرة لإدارة بايدن هو كيفية التعامل مع الرسوم الجمركية، التي فرضها ترامب على الصلب والألومنيوم الأوروبيين، ومع أن الرئيس أوقفهم بعد توليه منصبه، لكنه لم ينهِ الرسوم المفروضة على المعادن بشكل دائم، بل فرض رسوماً كلفت مصدري المعادن الأوروبيين مئات الملايين من الدولارات في العام الماضي.

وسعى القادة الأوروبيون مراراً وتكراراً إلى إقناع بايدن بإلغاء الرسوم الجمركية. وفي أكتوبر/تشرين الأول، وصلت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، ومسؤولون آخرون في الاتحاد الأوروبي، إلى واشنطن لحضور قمة، حيث كانوا يأملون في وضع هذه القضية موضع التنفيذ.

وفي المحادثات التي سبقت القمة، حث المسؤولون الأميركيون الاتحاد الأوروبي، على فرض رسوم جمركية على المعادن الصينية كجزء من الصفقة، وهي خطوة يخشى بعض الأوروبيين أنها قد تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية. وفي الليلة التي سبقت اجتماعات البيت الأبيض، استعرض دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي بياناً مشتركاً مقترحاً، والذي كان نتاج مفاوضات اللحظة الأخيرة بين الولايات المتحدة والذراع التنفيذية للكتلة. وبعد المراجعة، قال بعض الدبلوماسيين إن البيان بدا وكأن الكتلة ستكون على استعداد، لدعم تلك التعريفات كجزء من اتفاق نهائي.

وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين: "كان هناك الكثير من الدول الأعضاء تتساءل: ماذا الذي يجري؟".

وتضمن البيان الختامي للقمة أربع جمل فقط حول هذه القضية، قائلاً إن الجانبين سيواصلان الحديث. وعمل دومبروفسكيس لاحقًا مع وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو، لمحاولة تخفيف تأثير الرسوم المتبقية. وفي ديسمبر/كانون الأول، تم تمديد تعليق التعريفة الجمركية لمدة عامين آخرين.

طاقة البطارية

وفي القمة نفسها، حاولت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضاً، تجاوز الإحباط الناجم عن قانون بايدن لخفض التضخم. ومنح هذا التشريع إعفاءات ضريبية لصناعات الطاقة النظيفة، سعياً إلى جذب الشركات الأجنبية لفتح مصانع في الولايات المتحدة، وشراء المواد المحلية. وتمنح هذه الأحكام قوة لقانون الضرائب الأميركي الذي سعى إليه ترامب خلال ولايته، لإنشاء متاجر في الولايات المتحدة.

ورحب الزعماء الأوروبيون بجهود أميركا في مكافحة تغير المناخ، لكنهم يشعرون بالقلق من أن القانون، قد يضع صناعات الطاقة النظيفة الخاصة بهم في وضع غير مواتٍ، ويبعد أموال الاستثمار عن الاتحاد الأوروبي.

وخلال عشاء رسمي في البيت الأبيض بعد أشهر قليلة من توقيع بايدن على مشروع القانون ليصبح رسمياً، واجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السيناتور جو مانشين (ديمقراطي من فرجينيا الغربية)، الذي وضع جزءاً كبيراً من القانون، وقال ماكرون، وفقاً لأشخاص مطلعين على الحديث: "أنت تضر بلدي".

ولم يعجب الأوروبيون الشروط المرتبطة بالائتمان الضريبي الأميركي، الممنوحة لشراء سيارة كهربائية جديدة، حيث لا يمكن للأميركيين الحصول على الائتمان البالغ 7500 دولار ما لم يتم تجميع السيارة في الولايات المتحدة أو المكسيك أو كندا. ويجب أن يشتمل جزء كبير من بطارية السيارة أيضاً على معادن وأجزاء من الولايات المتحدة أو أحد شركائها في التجارة الحرة، في محاولة لكسر هيمنة الصين على صناعة المعادن العالمية.

ليس لدى أوروبا اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، والتي قال مانشين إنه لم يكن يعرفها عندما كتب البند.

وفي أوائل العام الماضي، اشتكى المستشار الألماني أولاف شولتز إلى مانشين، من أن الدعم الأميركي يضر بصناعة السيارات الألمانية، وكان مانشين رافضاً، وعلى هاتفه، قدم نتيجة بحث إلى الزعيم الألماني، أظهرت أن التعريفات الجمركية على السيارات في الاتحاد الأوروبي، كانت أعلى من الرسوم الأميركية، وفقاً لشخص مطلع على المحادثة، ورفض متحدث باسم الحكومة الألمانية التعليق على محتوى المحادثة.

وأطلقت إدارة بايدن محادثات العام الماضي للتوصل إلى اتفاق تجاري جديد بشأن المعادن، والتي قد تساعد منتجي البطاريات الأوروبيين على التأهل بموجب قواعد الدعم. وتعثرت هذه المحادثات منذ ذلك الحين، لكن مسؤولي إدارة بايدن يقولون، إنها ساعدت في تخفيف المخاوف الأوروبية بشأن قانون خفض التضخم.

وقال جون بوديستا، المسؤول في البيت الأبيض الذي يقود العمل بشأن الإعانات، في أكتوبر/تشرين الأول: "نعم، هناك قدر معين من التذمر، لكنني أعتقد في الواقع أن ما تم فعله هو تحفيز العمل".

ويجتمع مسؤولون من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء في واشنطن، لحضور اجتماع لمجلس التجارة والتكنولوجيا، وهو منتدى بدأ خلال إدارة بايدن لمساعدة الحلفاء، على التنسيق بشأن القضايا التجارية والاقتصادية والتكنولوجية. وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي، إن المجموعة تخطط لمناقشة التكنولوجيا النظيفة والذكاء الاصطناعي، من بين موضوعات أخرى، لكن من غير المتوقع اتخاذ أي إجراء.

صندوق باندورا

ودخلت الولايات المتحدة وأوروبا في كل من إدارتي ترامب وبايدن، في مشاحنات مع دول العالم حول القواعد الدولية لمنع التهرب الضريبي، التي وافق عليها الاتحاد الأوروبي. ولفرض الحد الأدنى من الضرائب على الشركات المتعددة الجنسيات، يمكن للدول الأوروبية أن تفرض رسوما جديدة على الشركات الأميركية، ويهدد الجمهوريون في الكونغرس بفرض ضرائب على الشركات الأوروبية، رداً على ذلك.

وقال النائب رون إستس (جمهوري، كانساس): "إذا سلك الناس هذا الطريق، فإن ذلك يفتح صندوق باندورا". وسافر هو ومشرعون جمهوريون آخرون إلى باريس في سبتمبر/أيلول، لتحذير وزير المالية الفرنسي برونو لو مير من تنفيذ الصفقة. وأعاد لو مير جدولة الاجتماع، ثم قال إنه لا يستطيع التحدث مع المجموعة، وفقًا لأشخاص مطلعين على الاجتماع. وقالت متحدثة باسم لو مير إنه كان خارج البلاد، وأن المشرعين من الحزب الجمهوري التقوا بموظفيه.

وإذا انهار الاتفاق الضريبي، يهدد الأوروبيون بفرض ضرائب جديدة، على الخدمات الرقمية على شركات التكنولوجيا الأميركية، مقابل العمل الذي تقوم به في الاتحاد الأوروبي، وهي الضريبة التي أثارت غضب المسؤولين الأميركيين.

وقال بول تانغ، العضو الهولندي في البرلمان الأوروبي الذي يرأس لجنة الضرائب: "يجب أن تكون لدينا ورقة ضغط حقيقية على الطاولة".

وخلال حملته الانتخابية، طرح ترامب تعريفة بنسبة 10% على جميع الواردات. وقالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، في مقابلة تلفزيونية فرنسية، إن إعادة انتخاب ترامب كانت "تهديداً واضحاً" لأوروبا، مشيرة إلى الرسوم الجمركية وهجمات الرئيس السابق على الناتو.

وقال باسكال لامي، المسؤول التجاري السابق في الاتحاد الأوروبي، الذي قاد منظمة التجارة العالمية من عام 2005 إلى عام 2013، إنه على الرغم من أن إدارة بايدن كانت حمائية ومتشككة في التجارة، إلا أنها تشترك مع الاتحاد الأوروبي في الاهتمام بمعالجة تغير المناخ.

وعملت إدارة بايدن أيضاً بشكل وثيق مع الاتحاد الأوروبي، بشأن العقوبات الروسية بعد غزو أوكرانيا، وساعدت الشركات الأميركية في إيصال الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، عندما واجهت ضغطاً على الطاقة من روسيا.

ويقول العديد من الأوروبيين إن أكثر ما يخشونه من فوز ترامب في الانتخابات، هو احتمال تخلي الولايات المتحدة عن أوكرانيا، ووصول القوات الروسية إلى حدودهم.

ويقول إريك براتبيرغ، من المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث غير حزبي في واشنطن: "إن انهيار العلاقات عبر الأطلسي، من شأنه أن يترك العالم أكثر انقساماً وأن يعزز التحدي الاستبدادي للنظام العالمي القائم على القواعد التي نشهدها من روسيا، وبشكل متزايد، من الصين".

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC