أدت التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في بداية ولايته الثانية إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية، لكن عدة اقتصادات آسيوية بدأت في الاستفادة من التغيرات في المشهد التجاري.
وفي حين زادت المخاوف بشأن التضخم وتقلبات العملات من اضطرابات الأسواق المالية، دفعت الرسوم الجمركية الأميركية المستهدفة الاستثمارات نحو التنويع في آسيا، لا سيما في فيتنام وماليزيا وسنغافورة والهند، وفقاً لصحيفة «فاينانشال تايمز».
تعد الولايات المتحدة أكبر مستورد للسلع والخدمات في العالم، حيث بلغت وارداتها 4.1 تريليون دولار في عام 2024، وقد فرضت واشنطن تعريفات جمركية على مجموعة من السلع، بما في ذلك رسوم بنسبة 25% على الألمنيوم والصلب.
ومع ذلك، جاءت هذه الرسوم أقل حدة من التعهدات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية، إذ لم تتجاوز الرسوم المخطط لها على الواردات الصينية 10%، مقارنةً بالـ 60% التي كان قد هدد بها سابقاً، ورغم تصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، لم تصل العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مرحلة الانهيار الكامل.
وسط هذه الاضطرابات، تستغل بعض الاقتصادات الآسيوية التحولات التجارية لصالحها، وتبرز فيتنام كمصدر رئيس للمنتجات المصدَّرة إلى الولايات المتحدة، حيث عززت حصتها السوقية في عدة قطاعات، وبين عامي 2017 و2023، توسعت الصادرات الفيتنامية إلى أميركا، مستفيدةً ليس فقط من إعادة توجيه التجارة الصينية، ولكن أيضاً من التطورات الهيكلية التي حققتها البلاد.
كما عززت فيتنام روابطها التجارية مع الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و«رابطة دول جنوب شرق آسيا - آسيان»، إلى جانب استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة من دول مثل كوريا الجنوبية، واليابان، وسنغافورة، وهونغ كونغ، وتايوان، والولايات المتحدة.
استفادت ماليزيا وسنغافورة أيضاً من التحولات التجارية، حيث ركزت ماليزيا على القطاعات التكنولوجية المتقدمة مثل أشباه الموصلات ومراكز البيانات، بينما توسعت سنغافورة في الخدمات المالية وجذب مقرات الشركات الكبرى.
وفي خطوة استراتيجية لتعزيز الاستثمار وتوفير فرص العمل، أطلقت الدولتان منطقة اقتصادية خاصة بين جوهور وسنغافورة في عام 2024، ووفقاً للتطورات الأخيرة، أصبحت دول «آسيان»، التي تضم فيتنام وماليزيا وسنغافورة، أكبر متلقٍ للاستثمارات الأجنبية المباشرة في آسيا.
شهدت الهند أيضاً زيادة في حصتها من الصادرات إلى الولايات المتحدة منذ عام 2017، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ، وساهمت مبادرة «صنع في الهند»، إلى جانب التخفيضات الضريبية والحوافز الإنتاجية، في جذب الاستثمارات، خاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات.
ومع ذلك، لم يواكب قطاع التصنيع النمو الاقتصادي للبلاد، حيث تراجعت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 16.5% في 2014 إلى 14% في 2024.
ولتعزيز مكانتها، خفّض رئيس الوزراء ناريندرا مودي الرسوم الجمركية على بعض المنتجات الأميركية، في إطار سعيه لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية والأمنية مع واشنطن. كما تستهدف الهند جذب المزيد من الاستثمارات في قطاعات مثل الألعاب والأحذية وتكنولوجيا المعلومات، مع العمل على تحسين البنية التحتية وتخفيف القيود التنظيمية.
وأعلن وزير الخارجية الهندي، فيكرام ميسري، قبل أيام أن الهند والولايات المتحدة تخططان لزيادة حجم التبادل التجاري بينهما ليصل إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2030، في إطار تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
وتظهر بيانات 2023 أن الهند سجلت عجزاً تجارياً بقيمة 110 مليارات دولار مع الصين، يشمل السلع التكنولوجية العالية والمنتجات المصنعة كثيفة العمالة، ما يبرز الحاجة إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتوسيع نطاق الوصول إلى السوق الأميركية.
ورغم تصاعد حدة النزاعات التجارية، تستغل عدة اقتصادات آسيوية هذه التحولات لتعزيز مرونتها الاقتصادية وتحسين قدرتها التنافسية، ومع بحث رؤوس الأموال عن وجهات استثمارية جديدة، تتجه فيتنام وماليزيا وسنغافورة والهند إلى ترسيخ موقعها كلاعبين رئيسين في المشهد التجاري العالمي المتغير.