شائعة بيع الدولة المصرية لقناة السويس التي انتشرت قبل أيام، ليست الأولى من نوعها، وعلى الأرجح، لن تكون الأخيرة. هذا على الأقل ما تؤكده مراجعة الشائعات المماثلة التي جرى تداولها على مدى السنوات العشر الأخيرة، وإن كانت الحكومة المصرية تؤكد في كل مرة سيادة الدولة المُطلقة على القناة في جميع جوانب إدارتها وتشغيلها وصيانتها.
خلال الأيام الماضية، تداولت بعض الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي مقطعاً صوتياً يزعم اعتزام الحكومة المصرية بيع قناة السويس مقابل تريليون دولار، بهدف سد العجز في الموازنة وتمويل مشروعات تنموية.
الجهات الرسمية المصرية سارعت إلى نفي الشائعة، وأكد المركز الإعلامي لمجلس الوزراء أنّ المقطع الصوتي المتداول "مفبرك"، وأنّ المعلومات الواردة فيه مُزيّفة تماماً، ولا تمتّ للواقع بأي صلة. وشدّد على أن القناة ستظل مملوكة بالكامل للدولة المصرية، وتخضع لسيادتها المُطلقة، مضيفاً كذلك أن كامل طاقم هيئة القناة من موظفين وفنيين وإداريين سيظلّون مصريين، وأنّه لا يمكن المساس بالقناة أو أي من مرافقها.
الشائعات التي تتعلق بالمؤسسات الحيوية كقناة السويس، تعتبر من أخطر العوامل التي تؤثر على الاقتصاد الوطني وفق ما أكده الخبير الاقتصادي المصري، مصطفى بدره، والذي اعتبر أنها تؤدي إلى إضعاف الثقة في قدرة مصر على تشغيل القناة بفعالية، وهو ما يؤثر سلباً بالتالي على الاستثمارات والتجارة.
وأضاف: "يمكن أن تؤدي هذه الشائعات إلى تقلبات في قيمة العملة المحلية، أو قد تدفع المستثمرين إلى سحب استثماراتهم أو التريث في ضخ الأموال في مشروعات مرتبطة بالقناة، ما يؤثر بالتالي على الجنيه المصري". وقال إنّ أي شائعات من هذا النوع يمكن أن تتسبب في تأخير تدفق السفن عبر القناة، مما يؤثر على العبور السريع والكفاءة التشغيلية، فضلاً عن ارتفاع تكاليف التأمين على السفن والحاويات، خصوصاً أن الأسعار ترتبط عادة بالمخاطر المتوقعة.
يمكن كذلك أن تكون للشائعات انعكاسات مدمرة، كما تقول أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، علياء المهدي، لا سيما إذا لم يتم التصدي لها بفاعلية. وقالت: "نشر أخبار كاذبة حول بيع القناة قد يؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء". أما التصدي لهذه الشائعات، فيكون بحسب المهدي عبر تعزيز الشفافية وزيادة التواصل مع المواطنين، وتنظيم المؤتمرات الصحفية الدورية لتقديم تحديثات حول الأوضاع الاقتصادية، وتعزيز دور وسائل الإعلام الرسمية في نقل الأخبار بدقة وموضوعية، وهو ما تقوم به الحكومة المصرية بالفعل.
خلال السنوات العشر الماضية، طالت القناة شائعات عديدة. ففي 2015، أشيع عن صفقة تأجير طويل الأمد، إذ زعمت إحدى الشائعات أن الحكومة المصرية تعتزم تأجير قناة السويس لشركات أجنبية لمدة 99 عاماً، وهو ما نفاه مجلس الوزراء رسمياً، مؤكداً أن القناة ستظل دائماً وأبداً مملوكة بالكامل للدولة المصرية.
وفي 2017، ظهرت شائعات حول نية الحكومة خصخصة جزء من قناة السويس لصالح مستثمرين أجانب، ليرد وقتها مجلس الوزراء نافياً هذه الادعاءات، ومؤكداً أن أي استثمارات أجنبية في القناة ستكون تحت سيطرة الدولة بالكامل.
ومع الإعلان عن خطط توسعة قناة السويس في 2019، انتشرت شائعات مفادها أن تمويل المشروع سيكون عبر قروض من دول أجنبية بشروط مجحفة. وقوبلت تلك الشائعات بنفي أيضاً من الحكومة التي أكدت أن تمويل التوسعات سيتم بموارد داخلية وبالتعاون مع شركاء دوليين بشروط مواتية.
ثم في عام 2021، واصلت الشائعات استهداف قناة السويس، إذ زُعم أن الحكومة المصرية قد رهنت القناة بالفعل مقابل قروض من مؤسسات مالية دولية. وكانت تلك الشائعة الأكثر إثارة للجدل، إذ دعا العديد من الشخصيات العامة والخبراء الاقتصاديين الحكومة إلى توضيح الحقائق، ليأتي الرد الرسمي سريعاً بأن القناة "ليست ولن تكون أبداً رهينة لأي قروض أو ديون".
بعد ذلك، انتشرت شائعات حول "تدويل" القناة من قبل دول أجنبية، خصوصاً بعد أزمة جنوح سفينة "إيفر غيفين" (Ever Given) عام 2021. إلا أن الحكومة المصرية، وكالعادة، أكدت أن القناة مملوكة بالكامل للدولة، وأنه لا يمكن المساس بها.
يذكر أن إيرادات القناة خلال العام المالي 2022-2023، سجلت أعلى مستوى لها على الإطلاق عند نحو 9.4 مليار دولار، بنمو 35% مقارنة بالعام المالي السابق، بحسب ما أعلنته هيئة قناة السويس. وقد مرّ عبر القناة خلال تلك الفترة نحو 26 ألف سفينة، وهو رقم قياسي جديد أيضاً، بما يؤكد أهمية القناة كأحد أهم الممرات المائية العالمية لتجارة الشحن والنقل البحري.
لكن، وخلال عام 2024، تراجعت الحركة عبر القناة نتيجة الهجمات الموسعة التي شنّها الحوثيون في اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر. وذكر البنك الدولي في تقرير أصدره في أبريل الماضي حمل عنوان "الصراع والديون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، أن استمرار الأزمة وانخفاض حركة عبور قناة السويس 40% خلال 2024، "يعني خسائر بقيمة 3.5 مليار دولار، والتي تمثل 10% من صافي الاحتياطيات الدولية في البلاد".