حظيت قمة مجموعة «بريكس»، التي اختتمت اليوم في مدينة قازان عاصمة تترستان في روسيا، بمتابعة حثيثة في ظل اكتساب المجموعة مزيداً من الثقل، ووسط تزايد الدعوات إلى إعادة تشكيل النظام العالمي القائم. كما أنها تأتي بينما تقترب الانتخابات الرئاسية في أميركا وتتصاعد التوترات الجيوسياسية.
مجموعة «بريكس»، التي ضمّت 4 أعضاء جدداً إلى جانب البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، استطاعت لفت الأنظار إليها كرمز لنظام دولي جديد متعدد الأقطاب وأكثر تنوعاً وعدلاً، خاصة مع فتحها الأبواب أمام مزيد من الأعضاء وضمها أخيراً بلداناً ذات ثقل جيوسياسي كبير. وبينما تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الهيمنة على صنع القرار داخل المجتمع الدولي، برزت «بريكس» كبديل يسعى إلى تعزيز التنوع والمساواة في صنع القرار العالمي.
وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، تمثل دول المجموعة الآن نحو 37% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بالنظر إلى تعادل القوة الشرائية، متجاوزة «مجموعة السبع» التي تراجعت مساهمتها إلى قرابة 30%. ويسلط هذا التغيّر في المشهد الاقتصادي العالمي الضوء على النفوذ المتنامي للاقتصادات الناشئة.
في 16 من يونيو 2009، أطل تحالف «بريكس»، الذي كان يتألف آنذاك من البرازيل وروسيا والهند والصين فقط، لأول مرة على الساحة الجيوسياسية العالمية. حينها، اجتمع الأعضاء في روسيا في قمة تحدّت الدولار وسط دعوات قوية من الكتلة الناشئة لـ«تغيير الطريقة التي يُحكم بها العالم».
كان الاقتصاد في ذلك الحين يتعافى بالكاد من الأزمة المالية العالمية، ما حث زعماء الكتلة الجديدة على المطالبة بإصلاحات في المؤسسات المالية الدولية، وكذلك في منظومة الأمم المتحدة، لكي تعكس التغيرات في الاقتصاد العالمي ولمواجهة التحديات العالمية بشكل أكثر فعالية. واختصر البيان المشترك للكتلة في ذلك الوقت المطلب الأساسي في «أن يكون للاقتصادات الناشئة والنامية صوت أكبر».
هذا الأسبوع، استضافت روسيا مرة أخرى القمة السنوية للمجموعة، ولكن في ظروف مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في عام 2009، ليس فقط بسبب الحرب في أوكرانيا وغزة ولبنان، بل وأيضاً بسبب الثقل الذي اكتسبته الكتلة في الأعوام الخمسة عشر الماضية.
في عام 2011، انضمت جنوب إفريقيا لـ«بريكس»، ومنذ يناير من هذا العام، تمت إضافة علامة «+» لاسم المجموعة حتى تعكس التوسع الجديد بعدما ضمت كلاً من الإمارات، ومصر، وإيران، وإثيوبيا، في انتظار الانضمام الرسمي للسعودية. وباتت تشكل كتلة بشرية هائلة بـ3,6 مليار شخص أي ما يقرب من نصف سكان العالم.
في المقابل، عدد سكان «مجموعة السبع»، أو نادي الدول الغنية المتمثلة في الولايات المتحدة، وكندا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، لا يكاد يصل إلى 780 مليون نسمة.
وبينما تشكل دول «بريكس+»، التي تضم الاقتصادات الرئيسة في ما يسمى «الجنوب العالمي»، ثلث اقتصاد العالم، فهي تهيمن على أكثر من 40% من إنتاج النفط العالمي، إذا تم تضمين السعودية، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، كما يتركز بها جزء كبير من الإنتاج الصناعي العالمي، وتسيطر دولها معاً على نحو 20% من التجارة الدولية وفق أرقام «ستاتيستا»، إلى جانب كونها مصدراً لما يقرب من نصف الأرز والقمح المنتجين عالمياً.
ومن شأن توسيع عضوية المجموعة أكثر أن يعزز ثقلها السياسي والاقتصادي، لكنه قد يبطئ التقدم في عملية صنع القرار، في كتلة يتم فيها اتخاذ القرارات بالإجماع، لذلك أعلن في القمة الأخيرة إنشاء فئة «الدول الشريكة»، في ظل إبداء 30 دولة اهتمامها بالانضمام إلى التكتل، من بينها تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وإندونيسيا، أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، ونيجيريا، ثاني أغنى دولة في إفريقيا، إلى جانب دول مستبعدة حالياً من التجارة العالمية بسبب العقوبات الأميركية، مثل كوبا وفنزويلا.
دعا تكتّل «بريكس» إلى إصلاحات من قبيل توسعة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي تهيمن عليه بوضوح القوى الغربية، وإنشاء بدائل لصندوق النقد الدولي الخاضع للقرار الغربي والمتّهم بعدم منح مساحة أكبر لدول الجنوب.
كما يسعى التكتل إلى تشكيل جبهة يمكن أن تشكل ثقلاً موازناً للغرب، الذي تمثله تقليدياً مجموعة السبع والمؤسسات التي ولدت من رحم اتفاقية «بريتون وودز».
وقد أحرز التكتل تقدماً في هذا الإطار، من خلال إنشاء مؤسستين، الأولى هي «بنك التنمية الجديد» (NDB)، بقيادة رئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف، كأول بنك للاقتصادات الناشئة وشركائها، يُغني عن الحاجة إلى البنك الدولي. ومنذ عام 2016، وافق البنك على تمويل 96 مشروعاً بما يقرب من 32.8 مليار دولار، بحسب ما نشر من بيانات على موقعه الإلكتروني.
أما المؤسسة الأخرى فهي صندوق احتياطي الطوارئ (CRA)، كبديل لصندوق النقد الدولي، والذي يسعى إلى مساعدة دول «بريكس+» التي تعاني من مشاكل متعلقة بالسيولة الدولارية، بتعهدات مبدئية قدرها 100 مليار دولار.
ومن أجل مواصلة تطوير التعاون، اقترحت موسكو إنشاء منصة استثمارية مستقلة، وإطلاق بورصة للحبوب ومنصة مخصّصة لسوق المعادن الثمينة والماس.
وفيما لا يزال الدولار الأميركي العملة الرئيسة للمعاملات الدولية، ما يضبط اقتصادات العالم على إيقاع السياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي الأميركي، دعت موسكو إلى إنهاء هيمنة الدولار وعدم استخدامه «كسلاح للابتزاز»، وشجعت على استخدام العملات الوطنية في التجارة العالمية، فضلاً عن استخدام أنظمة دفع ومراسلة بديلة، حيث يعمل تكتل «البريكس» على إنشاء نظام للمراسلات المالية على غرار نظام «سويفت» (SWIFT) محصن ضد العقوبات الغربية، وكذلك على استخدام "العملات الرقمية الوطنية”.
وتشكل هذه البنية الموازية ضرورة أساسية خاصة بالنسبة لروسيا، التي تعد من بين أكثر الدول تضرراً من العقوبات الأميركية والأوروبية.