logo
اقتصاد

مدن المستقبل.. كيف تعيد التجارة العالمية رسم خريطة النفوذ الاقتصادي؟

مدن المستقبل.. كيف تعيد التجارة العالمية رسم خريطة النفوذ الاقتصادي؟
جانب من الأبراج في منطقة مركز دبي المالي العالمي في الإمارات ـ 19 يونيو 2024المصدر: غيتي إيمجز
تاريخ النشر:7 مارس 2025, 03:54 م

في عالم مضطرب ومليء بالتغيرات الجيوسياسية، والتحولات الاقتصادية، تعيد التجارة العالمية رسم خريطتها. المراكز التقليدية لم تعد تحتكر النفوذ، فالشركات تعيد حساباتها، والفرص تزدهر حيث لم تكن متوقعة.

من طنجة إلى هو تشي منه، ومن بوغوتا إلى أديس أبابا، وصولاً إلى دبي التي تثبت أنها أكثر من مجرد مركز تجاري، بل نموذج للاستدامة والابتكار، مدن تتسابق على الصدارة، مدفوعة بإستراتيجيات صناعية ذكية، وسلاسل توريد أكثر مرونة.

أخبار ذات صلة

حروب التجارة.. كيف يمكن للشركات تحويلها إلى فرص؟

حروب التجارة.. كيف يمكن للشركات تحويلها إلى فرص؟

صعود الأسواق الناشئة

بحسب «صندوق النقد الدولي»، تشكل آسيا، وإفريقيا، وأميركا اللاتينية، والشرق الأوسط الآن 45% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنة بـ33% في العام 2004، كما تضم هذه المناطق 85% من سكان العالم. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن هذه المناطق ستضيف 1.1 مليار نسمة إلى سكان المدن بحلول عام 2040، وهو ما يمثل 95% من النمو السكاني العالمي.

وتستفيد العديد من المدن في هذه المناطق من هذا التحول لتصبح مراكز تجارية وصناعية رئيسة. ويقيّم تقرير حديث لـ«أوليفر وايمان» بعنوان «المدن التي تشكل المستقبل» جاذبية الأعمال في 1,500 مدينة يزيد عدد سكان كل منها على 250,000 نسمة.

أنماط تجارية جديدة

شهدت ديناميكيات الأعمال العالمية تحولات على مدار السنوات، لكن نطاق الفرص اليوم أصبح يمتد إلى ما هو أبعد من المدن الكبرى التقليدية. وتسعى الشركات إلى تنويع سلاسل التوريد عبر إستراتيجيات مثل «الصين +1»، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الصين من خلال إنشاء مصانع في دول أخرى إلى جانبها، و«إعادة التوطين القريب» (Near-shoring)، حيث تنقل الشركات عمليات التصنيع إلى دول قريبة من أسواقها الرئيسة لتقليل التكاليف اللوجستية، وزمن التسليم.

أسهم هذا التحول بشكل كبير في تعزيز مكانة مدن في المكسيك وفيتنام، حيث تستحوذان معاً على ثلث أهم المراكز التصديرية وفقاً لتقرير «أوليفر وايمان»، كما برزت مدن أخرى، مثل: دكا، وبانكوك، وطنجة، كلاعبين رئيسين في التجارة العالمية. وتمثل المدن الـ 1,500 المشمولة في المؤشر، حالياً، 51% من إجمالي الصادرات العالمية، مقارنة بـ 37% في العام 2003.

الميزة الإستراتيجية للموقع

يشكل القرب من الأسواق الكبرى عاملاً حاسماً في نجاح المدن الناشئة. فعلى سبيل المثال، تصل السلع المشحونة من المكسيك إلى الولايات المتحدة قبل 20 يوماً مقارنة بفيتنام، مما يمنح المصنعين المكسيكيين ميزة تنافسية.

وبالمثل، أصبحت طنجة، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة فقط، إحدى أهم مراكز التصدير في إفريقيا بفضل قربها الجغرافي من أوروبا. وقد جذبت المدينة استثمارات كبيرة من شركات أميركية، وأوروبية، وصينية، لا سيما في قطاع السيارات، حيث دعمت هذه الاستثمارات تطوير ميناء طنجة المتوسط، وهو الأكبر في إفريقيا، إلى جانب استثمارات في الطاقة المتجددة لجذب المستثمرين الباحثين عن مصادر طاقة مستدامة.

كما يلعب التمركز الصناعي دوراً رئيساً في نجاح التجارة. وكمثال على ذلك، استحوذت مدينة «هو تشي منه» (Ho Chi Minh)، المصنفة ثاني أكبر مركز تصديري والمرتبة 26 في الاتصال التجاري، على حصة كبيرة من الإنتاج الذي كان يتم في الصين. ويوفر قربها من المراكز الصناعية، مثل: «بين هوا» (Bien Hoa)  و«تو داو موت» (Thu Dau Mot) للشركات إمكانية الوصول إلى عمالة ماهرة ومجموعة متنوعة من المكونات المنتجة محلياً، مما يقلل الاعتماد على الواردات الصينية.

التنقل والربط يعززان النمو

تتميز المدن الناجحة أيضاً بقدرتها على توفير شبكات نقل فعالة تدعم حركة البضائع والخدمات والمواهب. فعلى سبيل المثال، احتلت بوغوتا الكولومبية المرتبة 37 كمركز تجاري والمرتبة 36 كمركز للنقل، وأصبحت الرائدة في مجال الشحن الجوي بأميركا اللاتينية، مستفيدة من موقعها الإستراتيجي بين أميركا الشمالية والجنوبية. كما طورت المدينة قطاعاً سياحياً قوياً.

وبالمثل، برزت أديس أبابا في إثيوبيا كمركز نقل رئيس، حيث توفر رحلات جوية إلى أكثر من 90 مدينة دولية. ويعزز قطاع الشحن الجوي المتنامي في المدينة ربط إفريقيا بالأسواق العالمية. ووفقاً لمجموعة «البنك الأفريقي للتنمية»، فإن تحسين القدرة الاستيعابية للرحلات الجوية داخل القارة يعد أولوية لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.

أخبار ذات صلة

الأسهم البريطانية تتراجع وسط ضبابية التجارة الأميركية

الأسهم البريطانية تتراجع وسط ضبابية التجارة الأميركية

تطور المراكز التجارية

لم تعد المراكز التجارية الناجحة مقتصرة على التصنيع، بل أصبحت موطناً لكبرى الشركات والفنادق وقطاعات البيع بالتجزئة، مما يعزز التنويع الاقتصادي.

وتجسد إسطنبول، المصنفة ثالثة كمركز للنقل والمرتبة 11 كمركز تجاري، هذا الاتجاه. ففي العام 2023، استقبلت المدينة 55 مليون زائر، مما دعم قطاع الضيافة الذي يضم العديد من الفنادق الفاخرة. كما يعد مطار إسطنبول من بين الأكثر ازدحاماً عالمياً، متجاوزاً مطارات هونغ كونغ وسنغافورة من حيث عدد الركاب. ويبلغ عدد سكان المدينة 16 مليون نسمة، مما يدعم سوقاً تجارياً نشطاً يضم علامات تجارية فاخرة.

إلا أن الحكومات تواجه تحدياً في توزيع النمو الاقتصادي خارج المراكز التجارية الرئيسة. فبينما تهيمن إسطنبول على الاقتصاد التركي، تساهم مدن مثل أنقرة، وإزمير، أيضاً في النمو. أما في إندونيسيا، فتستحوذ جاكرتا على نسبة كبيرة من النشاط الاقتصادي، مما دفع الحكومة إلى تطوير مدن متوسطة الحجم، بما في ذلك نوسانتارا، العاصمة المستقبلية للبلاد.

المرونة المناخية كميزة تنافسية

تواجه العديد من المدن الكبرى مخاطر مناخية، حيث تتعرض ثلث المراكز التصديرية والتجارية الرائدة لمخاطر بيئية مرتفعة. ووفقاً للبنك الدولي، فإن سكان شرق آسيا من بين الأكثر عرضة للكوارث المناخية، مع تحديات مماثلة في جنوب آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء.

وتواجه دبي، المصنفة ثامنة كمركز تجاري ورابعة كمركز للنقل، تحديات مناخية مثل درجات الحرارة المرتفعة، لكنها نجحت في تحويل هذه التحديات إلى فرص من خلال الاستثمار في استعادة غابات المانغروف الساحلية وتطوير تقنيات تبريد متقدمة، مما يعزز استدامتها وجاذبيتها كمركز عالمي للأعمال.

أما شنغهاي، المصنفة الأولى كمركز للنقل، والثانية كمركز تجاري، والثالثة كمركز تصديري، فتواجه تهديدات الأعاصير، وارتفاع مستوى سطح البحر. وللتصدي لهذه التحديات، طورت المدينة نظاماً شاملاً لإدارة الفيضانات، يشمل الحواجز البحرية، وشبكات الصرف.

مستقبل مراكز التجارة العالمية

مع استمرار حالة عدم اليقين الجيوسياسي والتغيرات في السياسات التجارية، تمتلك المدن فرصاً لتصبح مراكز اقتصادية رئيسة. إلا أن تحقيق النجاح طويل الأمد يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية، بما في ذلك شبكات النقل والمرافق اللوجستية.

وتعد المدن التي تركز على تطوير البنية التحتية للنقل، مثل دبي، أكثر قدرة على جذب الشركات متعددة الجنسيات التي تسعى إلى تنويع وجودها العالمي. وبالإضافة إلى ذلك، على المدن الناشئة الاستثمار في تنمية القوى العاملة الماهرة لدعم الصناعات المتنامية.

وتوقع التقرير اتساع الفجوة، في السنوات المقبلة، بين المدن المتقدمة، وتلك التي تتأخر في مواكبة التغيرات، مشدداً على أهمية تعامل الحكومات مع تحديات المناخ، والتطورات في اللوائح التجارية، واحتياجات الاستثمار لضمان نمو مستدام. وفي ظل المشهد المتغير للتجارة العالمية، تمتلك المدن الطموحة فرصاً غير مسبوقة لتعزيز مكانتها الاقتصادية.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC