logo
اقتصاد

الاتحاد الأوروبي في مأزق.. من ينصت لـ«دراغي» و«ماكرون»؟

الاتحاد الأوروبي في مأزق.. من ينصت لـ«دراغي» و«ماكرون»؟
الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، في 21 يونيو 2019.المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:21 أكتوبر 2024, 03:41 م

في السنوات الخمس الماضية، تعرّض الاتحاد الأوروبي لسلسلة من الأزمات، من وباء كوفيدـ19، إلى الحرب في أوكرانيا وما خلفته من أزمة طاقة وتضخم جامح. تلك الأوقات المضطربة كشفت عن نقاط ضعف في النموذج الاقتصادي الأوروبي، وحوّلت الوضع إلى لحظة حاسمة بالنسبة لمستقبل الاتحاد، وتحدٍّ حقيقي للبقاء على الساحة العالمية أمام منافسة شرسة من أميركا والصين.

في رسالة حملت نبرة حادة، قال ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، والذي يعكف على دراسة حول القدرة التنافسية لأوروبا: «لقد صُمّم تنظيمنا وصنع القرار والتمويل لـ ‘عالم الأمس: ما قبل كوفيد، وأوكرانيا، والحريق في الشرق الأوسط، وما قبل عودة التنافس بين القوى العظمى».

الرجل الذي كان له الفضل في إنقاذ «اليورو» من أزمة الديون السيادية في عام 2012، أشار بإصبعه إلى الهاوية، مشدداً على الحاجة إلى «اتحاد أوروبي قادر على الارتقاء إلى مستوى المهمة في عالم اليوم، وغداً»، داعياً إلى «تغيير جذري.. لأن التغيير الجذري ضروري»، وفق تعبيره.

أما الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، فذهب أبعد من ذلك حين وصف أوروبا بـ«المقبلة على الموت»، قائلاً: «يجب أن نكون واضحين بشأن حقيقة أن أوروبا اليوم تحتضر، وقد تموت.. وهذا يعتمد فقط على قراراتنا».

أخبار ذات صلة

لماذا يدعم ماكرون "دراغي" لشغل أعلى مناصب الاتحاد الأوروبي؟

لماذا يدعم ماكرون "دراغي" لشغل أعلى مناصب الاتحاد الأوروبي؟

النموذج الأوروبي في عصر جيواقتصادي جديد

منذ إنشائه في عام 1993، واجه الاتحاد الأوروبي أحداثاً شكلت ما يعرف اليوم بالمشروع الأوروبي ومعاييره وقِيمه ونموذجه الاقتصادي والاجتماعي. كانت الصين والهند حينها لا تشكلان معاً سوى جزء بسيط من الاقتصاد العالمي، وكان تكتل «البريكس» غير موجود بعد. لقد جاء المشروع في وقت كان العالم «أبسط وأقل تكاملاً»، حين لم يكن الكثيرون قد دخلوا المشهد بعد.

في ذلك الوقت، كانت أوروبا، إلى جانب الولايات المتحدة، في قلب الاقتصاد العالمي وفي الطليعة من حيث الوزن الاقتصادي والقدرة على الابتكار، ما شكل أرضاً خصبة للنمو. وقد تم إنشاء السوق الموحدة لتعزيز التكامل الأوروبي عن طريق إزالة الحواجز التجارية وزيادة التعاون بين الدول الأعضاء، فسهلت حركة السلع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال، ما حسّن المنافسة وشجع على الابتكار.

اليوم، وبعد مرور أكثر من 30 عاماً على إنشائها، تظل السوق الأوروبية الموحدة حجر الزاوية في التكامل الأوروبي، ومحفزاً قوياً للنمو؛ فالاتحاد الأوروبي أكبر تكتل تجاري موحد في العالم بنحو 447 مليون مستهلك، وفي عام 2021، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للسوق الأوروبية الموحدة 14.5 تريليون يورو، أي ما يعادل 18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفق آخر بيانات مجلس الاتحاد الأوروبي.

لكن السياق الأوسع تغيّر بشكل عميق، وأطلت الحاجة الماسة إلى تحديث النموذج وتطوير سوق موحدة جديدة تتناسب وعالم اليوم، فبرزت الدعوات للنظر إليها كمشروع مستمر بدلاً من عمل منجز، في ظل اقتصاد عالمي لم يعد كما كان من قبل.

الآن، بات يُنظر إلى ضمان الأمن الاقتصادي، واستقلالية الطاقة، ومرونة سلاسل التوريد، والتفوق التكنولوجي، على أنها أهداف أكثر أهمية من الحفاظ على نموذج الأسواق المفتوحة. وقد فتح هذا الباب، خاصة في الولايات المتحدة، أمام سياسة تجارية جديدة أقرب للحمائية، وضوابط على الصادرات، ومتطلبات في الإنتاج الوطني والاستثمار في التكنولوجيا، ما جعل أوروبا ملزمة بإعادة صياغة إستراتيجيتها الاقتصادية لتتكيف مع العصر الجيواقتصادي الجديد.

أزمة التنافسية

يعاني الاتحاد الأوروبي من تراجع حاد في الاستثمار والدخل والإنتاجية، وقد بدأت حصته في الاقتصاد العالمي تتقلص، فيما تتزايد المخاوف من أنه لن يكون قادراً على مجاراة أميركا والصين.

قائمة الأسباب وراء ما أطلق عليه أوروبياً «أزمة القدرة التنافسية» تطول، فالاتحاد الأوروبي مكبّل بعدد أكبر مما ينبغي من التنظيمات، ولا يتمتع قادته في بروكسل إلا بقدر ضئيل من السلطة.

وإلى جانب شيخوخة السكان، والعجز النسبي في تكوين رأس المال البشري، فضلاً عن ضعف رقمنة الاقتصاد وسياسة الابتكار؛ تبدو الأسواق المالية الأوروبية مجزّأة، وسط انخفاض في الاستثمارات العامة والخاصة وصغر الشركات الأوروبية التي تفتقر للقدرة على المنافسة على نطاق عالمي.

على سبيل المثال، كانت استثمارات الشركات الأوروبية الكبرى في عام 2022 أقل بنسبة 60٪ من نظيراتها الأميركية، وفقاً لتقرير صادر عن «معهد ماكينزي العالمي» (McKinsey Global Institute). في المقابل، تستثمر بكين وواشنطن مئات المليارات في توسيع صناعاتهما الخاصة بأشباه الموصلات والطاقة البديلة والسيارات الكهربائية.

أميركا، على سبيل المثال، استجابت للمنافسة الشرسة بين اللاعبين العالميين بمبادرات مثل «قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف»، و«قانون خفض التضخم»، و«قانون الرقائق»، والتي تستلزم مجتمعة استثماراً عاماً بقيمة تريليوني دولار تقريباً، لتعزيز قدرتها التنافسية في المجالات الرئيسة.

وفي الآونة الأخيرة، دخلت الصين بقوة إلى سوق التكنولوجيا الخضراء سارقة الحصة من الأوروبيين، بينما تعيد حالياً تعريف قطاع السيارات العالمي من خلال تطوير المركبات الكهربائية التي بدأت تزاحم عمالقة أوروبا في عقر دارهم، حتى أنها تحوّلت في عام 2023، ولأول مرة، إلى أكبر مُصدّر للسيارات، متجاوزة اليابان وألمانيا.

هذا، إلى جانب فجوة الدخل في أوروبا مقارنة بأميركا، والإنتاجية الأبطأ مما هي عليه في بقية الاقتصادات الكبرى، وتكاليف الطاقة المرتفعة التي أرهقت الشركات والأفراد.

سبل العودة

تحتاج أوروبا للتمويل العام المشترك وإنشاء سوق رأسمالية موحدة، لكي تتمكن من القيام بالاستثمارات المطلوبة في مجالات حيوية مثل الطاقة والدفاع والتكنولوجيا والحوسبة الفائقة للمنافسة بفعالية. وإذا لم تعمل على دمج الشركات الأصغر حجماً، فلن تتمكن من مجاراة الشركات الأجنبية العملاقة التي تتمتع بوضع أفضل يسمح لها بالاستحواذ على حصة كبيرة من السوق والأرباح.

لفت دراغي في رسالته، على سبيل المثال، إلى أن أوروبا لديها ما لا يقل عن 34 شبكة رئيسة للهاتف المحمول، في حين أن الصين لديها أربع شبكات، والولايات المتحدة ثلاث فقط.

وعلى صعيد التصنيفات العالمية، يبدو الحضور الأوروبي باهتاً، فمن بين شركات التكنولوجيا الـ50 الأكثر قيمة في العالم، هناك شركتان أوروبيتان فقط هما: (ASML) الهولندية (284 مليار دولار)، وSAP الألمانية (269 ملياراً)، بحسب «كومبانيز ماركت كاب» (CompaniesMarketCap).

ويرى دراغي أن الاستثمار العام والخاص في الاتحاد الأوروبي يجب أن يزيد بمقدار نصف تريليون يورو سنوياً في مجال التحول الرقمي والأخضر فقط، من أجل اللحاق بالركب العالمي. كما نصح بإنشاء صندوق جديد يمكنه ضخ ما يصل إلى 800 مليار يورو سنوياً في استثمارات لاستعادة المكانة الدولية.

أخبار ذات صلة

الصين تدرس زيادة التعريفات على المركبات المستوردة من أوروبا

الصين تدرس زيادة التعريفات على المركبات المستوردة من أوروبا

الحرب التجارية مع الصين

خلال زيارته لمعرض باريس للسيارات قبل أيام، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «إننا نمر بوقت عصيب.. السوق الأوروبية تنكمش والمنافسة من الصين قوية للغاية. لذلك؛ في مثل هذه الأوقات، من الضروري أن نحمي أنفسنا لتطبيق قواعد عادلة».

كلام ماكرون أتى في وقت بدأت السيارة الكهربائية المصنوعة في الصين تثير صراعاً تجارياً بين بكين والأوروبيين، وهو صداع قد يزيد العبء على الاقتصاد الأوروبي في ظل الوضع الراهن.

ففي أوائل الشهر الجاري، قررت المفوضية الأوروبية فرض تعريفات إضافية قاسية على السيارات الكهربائية صينية الصنع، بتأييد كبير من فرنسا ورفض ألماني يتيم؛ وذلك وسط مزاعم بتلقي الشركات الصينية دعماً حكومياً تَضعف معه قدرة تلك الأوروبية على منافستها.

ردّت بكين بفتح تحقيق من جانبها حول دعم الاتحاد الأوروبي لمنتجات الألبان ومواد استهلاكية أخرى تشكل عنصراً تصديرياً هاماً للشركات الأوروبية، خاصة الفرنسية والإسبانية، استعداداً لفتح دوامة من التعريفات المتبادلة قد تؤدي إلى حرب تجارية حقيقية في الأشهر القادمة.

وفي ظل هذا الوضع، يطغى التوتر على الشركات الأوروبية، التي تشعر بالقلق إزاء إثارة نزاعات تجارية واسعة النطاق أو حتى حرب تجارية شاملة، ستكون أضرارها أكثر من فوائد الجهود الحمائية. 

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC