تتحرك الحكومة المغربية صوب توسيع سبل استيراد اللحوم الحمراء من خارج البلاد، في سعيها لكبح ارتفاع الأسعار التي سجلت حديثاً ما بين 100 و120 درهماً (11 -12 دولاراً) للكيلوغرام الواحد مقابل 70 أو 75 درهماً (7 - 7.5 دولار) قبل أشهر، وسط سجالات حديثة تحت قبة البرلمان بشأن إمكانية تحقيق تراجعات حقيقية قريباً.
خبراء اقتصاد تحدثوا لـ«إرم بزنس»، يرون أن توسيع قائمة الموردين الدوليين للحوم الحمراء، وتجديد الإعفاءات الجمركية حديثاً، خطوات حكومية لتعويض العجز الموجود في القطاع الحيواني بسبب دخول الجفاف عامه السادس في 2024، وتقلّص المراعي، وارتفاع أسعار الأعلاف المحلية، مما أدى لاضطراب بالأسواق المحلية، منذ عدة أشهر، وارتفاع أسعار اللحوم بشكل لا يجاريه محدودو الدخل، أو الطبقات المتوسطة.
المغرب الذي شهد سجالاً برلمانياً لافتاً، الاثنين، تحت قبة البرلمان بين رئيس الحكومة عزيز أخنوش والنواب بسبب أسعار اللحوم والاستيراد، شهد تراجعاً في حصيلة القطاع الحيواني من نحو 6.2 مليون رأس في العام 2000 إلى أقل من 3.2 مليون رأس في العام 2020 وفقدان 150 ألف رأس من الأبقار الحلوب بين عامي 2020 و2022، بخلاف تواصل ارتفاع أسعار العلف لنحو 70%، وفق تقديرات غير رسمية.
وتختلف تقديرات الخبراء في أحاديث لـ«إرم بزنس»، بشأن عودة أسعار اللحوم لاستقرار نسبي قريباً، بين من يدعو للانتظار لتقييم حقيقي، وآخر يرجّح حدوث ذلك في الربع الأول من 2025 مشترطاً الحد من أضرار الجفاف وتوسيع دائرة الاستيراد لتشمل بجانب كبار المستوردين صغار ومتوسطي المستثمرين في هذا المجال لتعزيز المنافسة، وإنهاء أي تحكم بالأسواق.
وسبق أن قدّر وزير الفلاحة المغربي السابق محمد صديقي، في مايو 2023، أن نسبة استهلاك المغاربة للحوم الحمراء 17 كيلوغراماً للفرد سنوياً (و55.8 كليو غرام متوسط الاستهلاك السنوي للأسر)، بينما كان الإنتاج من اللحوم الحمراء خلال 2022، بلغ 510 آلاف طن، في إشارة لعجز كبير، مع تقديرات رسمية تشير إلى أن عدد سكان المغرب، العام 2024، بلغ نحو 37 مليون نسمة.
وقرر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية في المغرب (حكومي) في بيان منتصف أكتوبر الماضي، توسيع قائمة بلدان الموردين الدوليين للحوم الحمراء الجاهزة للاستهلاك، وتمت إضافة بلدان بينها البرازيل والباراغواي، إلى دول، منها: ألبانيا، الأرجنتين، أستراليا، كندا، تشيلي، بريطانيا، نيوزيلندا، صربيا، سنغافورة، سويسرا، الأوروغواي، وأندورا.
وجاءت الخطوة عقب 5 أيام من إعلان وزير الفلاحة السابق، محمد صديقي، في 10 أكتوبر الماضي، أن الاجتماع الذي ترأسه رئيس الحكومة عزيز أخنوش مع مهنيي قطاع الفلاحة، بالرباط، ناقش الإجراءات ذات الأولوية الرامية للحد من ارتفاع أسعار اللحوم، وكان على رأسها فتح الأسواق للاستيراد، لافتاً إلى أن كمية المياه التي تُستعمل، حالياً، في سقي الأراضي الزراعية لا تتجاوز 700 مليون متر مكعب، مقابل 3.5 مليار إلى 4 مليارات متر مكعب في المواسم العادية من قبل، في إشارة لتداعيات الجفاف التي تشهده المملكة منذ سنوات.
وانضمت لخطوة توسيع قائمة بلدان الموردين الدوليين، مصادقة الحكومة، في 18 أكتوبر الماضي، على مشاريع مراسيم تتعلق بوقف استيفاء رسم الاستيراد على لحوم الأبقار والضأن والماعز والجمال إلى 31 ديسمبر المقبل، ويشمل مشروع قانون المالية الجديد استمرار الإعفاءات حتى نهاية العام 2025.
وعدّ الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، مصادقة الحكومة على مشاريع المراسيم بشأن استيراد جميع الأبقار والأغنام، وإتاحة إمكانية استيراد اللحوم اللحوم بأنها «تهدف إلى توفير العرض من اللحوم الحمراء وتخفيض أسعارها»، لافتاً عقب اجتماع حكومي، في 24 أكتوبر الماضي، أن «الحكومة واعية لتلك الإشكالية، وتشتغل بمنهجيتين بهدف التحكم في تلك الأسعار، تتمثل في الحفاظ على القطيع من الأبقار والأغنام وبنائه من جديد، وكذلك توفير العرض»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء المغربية الرسمية وقتها.
وأكد أحمد البواري، وزير الفلاحة المغربي بعدها بأيام تحت قبة البرلمان، أن «ارتفاع أسعار اللحوم في الأسواق راجع إلى انخفاض العرض، وتراجع عدد رؤوس الماشية الوطنية بسبب تراجع الغطاء النباتي نتيجة قلة التساقطات، وارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة».
وأضاف الوزير أنه «لمواجهة موجة غلاء اللحوم الحمراء، فإن الحكومة اتخذت عدة إجراءات من بينها دعم الأعلاف باستمرار، وكذلك منع ذبح إناث الأبقار الموجهة للتوالد من أجل المحافظة على القطيع الوطني، وتعليق رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة المطبقة على استيراد العجول والأغنام، لضمان تموين عادل للسوق المحلية، وتحسين العرض في الأسواق، والدفع بالأسعار نحو التراجع».
ولم تهدأ قضية أسعار اللحوم واستيرادها، وكانت حاضرة في سجالات الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة عزيز أخنوش مع النواب، الاثنين، وقالت البرلمانية سلوى البردعي: "نبّهناكم لخطورة الإعفاء من رسم الاستيراد وتحملها من جانب ميزانية الدولة دون أي أثر يذكر على أسعار لحوم الأبقار والأغنام التي عرفت -ومازالت- ارتفاعاً مهولاً»، لافتة إلى أن الميزانية فقدت نحو 13 مليار درهم (1.3 مليار دولار) نتيجة إعفاءات استيراد الأبقار والأغنام، بينما كانت الأولى دعم تربية المواشي والفلاحين الصغار والمتوسطين.
في المقابل، أشار رئيس الحكومة المغرب، عزيز أخنوش، الاثنين، أمام أعضاء مجلس النواب، إلى تمكن حكومته من تسجيل انخفاض ملحوظ في معدلات التضخم حيث بلغ 1.1% خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2024، مقابل 6.1% في نهاية 2023.
وتراجع معدل التضخم في المغرب إلى 1.6% على أساس سنوي في أكتوبر من 2.3% في سبتمبر نتيجة تباطؤ وتيرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وعن أزمة أسعار اللحوم، أضاف أخنوش: «يتحدثون على أن اللحم سجل 120 درهماً و(إعفاءات) الاستيراد، لكن يجب أن نقول الحقيقة، ونكون صرحاء، لدينا أزمة كبيرة متعلقة بالجفاف، والإنتاج بالقطاع الحيواني هبط مستواه، وما كان هناك حل إلا (بالاستيراد) من الخارج، وسنرى كيف سينعكش على الأسواق مع مواصلة دعم القطاع الحيواني، وتربية الماشية».
ونهاية أكتوبر الماضي، كشفت وزارة الاقتصاد والمالية أن قرار وقف استيفاء رسم الاستيراد، والإعفاء من القيمة المضافة عند الاستيراد، المتعلقين برؤوس الأبقار والأغنام، كلّفا خزينة الدولة حوالي 13,135 مليار درهم (1.3 مليار دولار)، خلال الفترة الممتدة ما بين 21 أكتوبر من سنة 2022 و22 أكتوبر الجاري.
الخبير الاقتصادي والأكاديمي بالمعهد العالي للتجارة في المغرب، الدكتور المهدي فقير، قال لـ«إرم بزنس»، إن توالي سنوات الجفاف يقف وراء ارتفاعات الأسعار الحالية والقرارات الحكومية مؤقتة تنتهي بسد العجز، لافتاً إلى أنه عندما يكون هناك وفرة في المعروض قد يكون هناك استقرار بالأسعار.
ويرى أن أسعار اللحوم المعقولة للكيلو بين 70 إلى 80 درهماً بدلاً من 100 و120 درهماً، مستبعداً إمكانية حسم التوقيت الذي يمكن فيه الوصول لنتائج بشأن تأثير الاستيراد على الأسعار قريباً، وقال: «سنرى هل ستسمر موجة الجفاف أم لا، وحجم التفاعل مع ما تم استيراده لنرى إمكانية تحقيق ذلك الاستقرار، والتراجع أم لا، لكن إذا استمر الجفاف سيكون لقرارات الحكومة باستيراد اللحوم ما يبررها».
الاقتصادي المغربي محمد الجدري، في حديث لـ«إرم بزنس»، قال إن «المملكة عملت بشكل كبير على مدار 25 عاماً الماضية لتحقيق أمنها الغذائي، لكن مع حدوث مشكلة الجفاف السنوات الأخيرة وما تلاها من ارتفاع أسعار الأعلاف والأسمدة والمدخلات الفلاحية (الزراعية) تأثر القطاع الحيواني بشكل كبير بالبيع أو الذبح، مما أدى إلى أن المعروض من السلع، خاصة من اللحوم الحمراء، لا يوازي الطلب على المستوى المحلي».
وجراء ذلك الواقع «انتقلت أسعار اللحوم الحمراء التي كانت في 2019 قبل جائحة كورونا لا تتجاوز 65 أو 70 درهماً مغربياً (6 و7 دولارات) إلى أن تفوق 100 درهم، وتحقق بين 10 إلى 12 دولاراً، مما جعلها ليست في متناول محدودي الدخل والطبقة المتوسطة، خاصة أن القطاع الحيواني لن يعود لمستواه قبل 2026 و2027 حال تراجع الجفاف»، يضيف الجدري، وهو مدير مرصد مراقبة العمل الحكومي في المغرب.
ويرى أن الخطوات الحكومية بشأن استيراد اللحوم من شأنها «التخفيف نوعاً ما من ارتفاع الأسعار على المستوى المحلي مع محاولة تعويض النقص الحاد في العرض على المستوى المحلي بالاستيراد لتحقيق توازن بين العرض والطلب لتعود أسعار اللحوم مثلاً لمستويات مقبولة».
ويرجح الجدري أن تعود أسعار اللحوم لاستقرار نسبي خلال الربع الأول من 2025 شريطة توسيع دائرة المستوردين لتشمل صغار ومتوسطي المستثمرين بهذا المجال لزيادة التنافسية، وعدم وجود احتكار في الأسواق، بجانب تراجع الظروف المناخية الصعبة.
كما يتوقع المحلل الاقتصادي المغربي إدريس العيساوي، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن تسهم خطوات الحكومة بشأن استيراد اللحوم الحمراء في تخفيض الأسعار بالسوق المحلي، محملا الجفاف السبب الرئيس فيما تعيشه الأسعار، حاليًا، مما أدى لارتفاع أسعار الأعلاف، ونقص المراعي.
ويعتقد أن خطوات الاستيراد ستكون مؤقتة ومسألة ظرفية مرتبطة بالظروف التي يواجهها المغرب بسبب الجفاف وتداعياته على القطاع الزراعي والحيواني، متوقعاً مع تحسن الأمور أن ترفع تلك الخطوات، خاصة وهناك خطة حكومية مغربية لتعزيز إنتاج اللحوم، وتنمية الثروة الحيوانية لا يمكن التراجع عن تحقيقها.