27.5 مليار دولار إيرادات ضريبية خلال العام المالي الماضي
وسط تحديات اقتصادية متزايدة، تسعى الحكومة المصرية لتقنين ما يعرف باسم «اقتصاد الظل»، عبر إطلاق حزمة من الحوافز والتسهيلات الضريبية، بهدف إدماجه في الاقتصاد الرسمي والقضاء على مخاطره الاقتصادية والصحية.
ويعرف «اقتصاد الظل» أو الاقتصاد غير الرسمي بأنه أي نشاط اقتصادي يتم خارج إطار القوانين والأنظمة التي تفرضها الدولة، حيث لا يسجل في السجلات الحكومية، ولا يخضع للرقابة الضريبية أو القانونية، ما يحد من قدرته على التوسع، ويحرمه من فرص الدعم الحكومي.
في شهر سبتمبر الماضي، قال شريف الكيلاني نائب وزير المالية المصري للسياسات الضريبية في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن الاقتصاد غير الرسمي يمثل نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
في موازنة العام المالي الجاري، توقعت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية، وصول الناتج المحلي الإجمالي إلى 17.3 تريليون جنيه (338.6 مليار دولار)، في مقابل 11.9 تريليون جنيه خلال العام الماضي، ويبدأ العام المالي في مصر من يونيو، وينتهي في 31 يوليو من العام المقبل.
يضم الاقتصاد غير الرسمي نحو مليوني منشأة، تشكل 53% من إجمالي المنشآت الاقتصادية في البلاد، ويعمل فيها 4 ملايين عامل، ما يمثل 31.4% من إجمالي العمالة، كما تشير بيانات التعداد الاقتصادي لعام 2018.
وتظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن معظم هذه المنشآت صغيرة ومتناهية الصغر؛ وتصل نسبة ما يزيد رأسمال المستثمَر فيها على 100 ألف جنيه (1965 دولارا) إلى 81%.
من أبرز الأمثلة على أنشطة الاقتصاد غير الرسمي في مصر، هو ما يطلق عليها «مصانع بير السلم» التي يعمل بعضها في إنتاج السلع الغذائية كمنتجات الأجبان والزيوت دون خضوعها لأي رقابة أو مواصفات قياسية.
وفي حديث لـ«إرم بزنس»، يحذر نائب رئيس شعبة الزيوت بغرفة الصناعات الغذائية عطية شعبان، من توسع هذه المصانع التي تنتج مواد غذائية، مستشهداً بظاهرة تكرير الزيوت المستعملة وإعادة تعبئتها وبيعها بأسعار منخفضة.
هذه المصانع، وفق شعبان، تجمع الزيوت المستعملة من المنازل، ومن مصانع إنتاج المقرمشات الرسمية بأسعار مخفضة، ثم تعيد تكريرها وتعبئتها مرة أخرى وبيعها بعد إضافة زيوت جديدة عليها، مؤكداً أن هذه الممارسات تمثل مشكلة كبيرة تؤثر في صحة المواطنين، وتضر بسمعة الشركات الأخرى.
نائب رئيس شعبة الزيوت شدد على أهمية التصدي لهذه الممارسات غير الصحية، من خلال تعزيز الرقابة على المنتجات الغذائية، وتطبيق المواصفات المصرية والعالمية على السلع لضمان سلامتها.
مع تصاعد الخطر الذي تشكله هذه المصانع، كان لدار الإفتاء المصرية دور أيضاً في مواجهة هذه الظاهرة، إذ سبق وأشارت في فتوى لها قبل عامين إلى أن هذه الأنشطة محرمة شرعاً لما تنطوي عليه من غش تجاري، بالإضافة لأضرارها الصحية والبيئة نتيجة لعدم اتباع المواصفات القانونية.
ووفق دراسة برلمانية في 2023، فإن النسبة الأكبر مـن العاملين في القطاع غير الرسمي تتركز في 3 محافظات هي القاهرة والجيزة والقليوبية، وتستحوذ أربعة أنشطة اقتصادية على 84.2% من إجمالي المشتغلين بالقطاع غير الرسمي، وهي تجارة الجملة والتجزئة والصناعات التحويلية والزراعة والصيد وخدمات الغذاء.
وفق العضو المنتدب لشركة ألفا لإدارة الاستثمارات المالية محمد حسن، لـ«إرم بزنس»، فإنَّ المشكلة لا تتوقف عند عدم التسجيل أو التهرب من الضرائب، بل تمتد إلى أنها تشكل خطراً يهدد صحة المواطنين.
وتتطلب الأنشطة التي تُمارس ضمن الاقتصاد غير الرسمي، مثل الورش الصناعية الصغيرة والمطاعم والكافيهات غير المرخصة، رقابة صناعية وصحية؛ لأنها لا تخضع لأعمال مصلحة الرقابة الصناعية، لعدم إدراجها في سجلاتها التي تضم 42 ألف مصنع رسمي، وفق حسن.
ويضيف أنَّ غياب الرقابة على هذه الأنشطة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، مثل بيع أطعمة أو مشروبات فاسدة، ما يعرِّض حياة المواطنين للخطر، مشدداً على ضرورة تقنين الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، لتجنب المواطنين التعرض للأضرار الصحية. كما أنَّ عدم توثيق هذه الأنشطة يحرم الدولة من موارد مالية كبيرة، ويُضعف قدرتها على تقديم خدمات أفضل للمواطنين.
ويوضح أنَّ دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية يحقق مجموعة من الفوائد المهمة، أبرزها تعزيز الرقابة الصحية والصناعية على مختلف الأنشطة الاقتصادية، إلى جانب تمكين المشروعات الصغيرة من التوسع من خلال الحصول على التمويلات اللازمة، والتأمين، وفرص الدخول في شراكات استثمارية.
كما يساهم هذا الدمج في إدخال الأنشطة غير الرسمية ضمن المنظومة الضريبية؛ مما يعزز موارد الدولة، ويرفع إجمالي الناتج القومي.
ويتم ذلك من خلال آليات غير ضريبية، أبرزها تطبيق الشمول المالي واعتماد التحول الرقمي، وهما محوران تعمل الدولة على تنفيذهما بشكل شامل في إطار استراتيجية رؤية مصر 2030.
وتكشف دراسة للجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصري في 2018، أن الضرائب التي كان يجب تحصيلها من الاقتصاد غير الرسمي قد تصل إلى أكثر من 1.4 تريليون جنيه (27.5 مليار دولار.
بخلاف المخاطر الصحية، يعتبر رئيس قسم البحوث في شركة مصر كابيتال أحمد عادل، اقتصاد الظل بأنه أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري حالياً.
وفي حديثه مع «إرم بزنس»، يوضح عادل التداعيات السلبية لهذه الأنشطة على الاقتصاد الوطني، والتي تتمثل في غياب البيانات الدقيقة عنها، ما يؤدي إلى عرقلة قدرة الدولة على التخطيط الاستراتيجي للاقتصاد الوطني.
كما تُلقي هذه الأنشطة بثقل كبير على موارد الدولة، إذ تستهلك الكهرباء، والمياه، والغاز بشكل عشوائي ودون مساهمة فعلية في تمويل هذه الخدمات، كذلك تُسبب فقدان عوائد مالية ضخمة للدولة، نتيجة التهرب الضريبي وغياب التأمينات الاجتماعية والرسوم المستحقة على هذه الأنشطة.
ويشير أحمد عادل إلى أن هذا الوضع ينعكس على الموازنة العامة للدولة، إذ تجد الحكومة نفسها مضطرة إلى زيادة الاقتراض لتمويل العجز الناتج عن غياب الإيرادات من القطاع غير الرسمي؛ مما يؤدي إلى تقييد قدرة الدولة على الإنفاق في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة؛ مما يضعف من مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
ووفق مؤشرات الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجاري 2024-2025، فإن إجمالي الإيرادات المستهدفة تبلغ 2.6 تريليون جنيه (53 مليار دولار)، فيما تبلغ المصروفات نحو 3.9 تريليون جنيه (79 مليار دولار)، وأن العجز الكلي يصل إلى نحو 1.2 تريليون جنيه (نحو 26 مليار دولار) بنسبة 7.3% من إجمالي الناتج المحلي، فيما تبلغ نسبة إجمالي دين أجهزة الموازنة العامة للدولة إلى الناتج المحلي نحو 86%.
في ظل تصاعد المخاطر التي تشكلها هذه الأنشطة، تعمل الحكومة حالياً على دمج الاقتصاد غير الرسمي وزيادة الامتثال الطوعي للضرائب، عبر إطلاق حزمة من الحوافز والتسهيلات الضريبية.
وبحسب بيان لرئيس مصلحة الضرائب المصرية رشا عبدالعال، الأسبوع الماضي، فإن من أبرز بنود هذه الحزمة هو تقديم نظام ضريبي متكامل للممولين الذين لا يتجاوز رقم أعمالهم السنوي 15 مليون جنيه (نحو 295 ألف دولار).
ويستهدف النظام تشجيع وتحفيز مشروعات الاقتصاد غير الرسمي للانضمام إلى الاقتصاد الرسمي وزيادة الامتثال الطوعي للضرائب، وذلك من خلال تسهيل الإجراءات وتوضيح الرؤية لهذه الفئة من الممولين.
ومن بين التسهيلات المقدمة، إعفاء المشروعات التي تقدم طلبات للانضمام إلى هذا النظام من ضريبة الدمغة ورسوم التوثيق والشهر لعقود تأسيس الشركات والمنشآت، وعقود التسهيلات الائتمانية، والرهن المرتبط بأعمالها، وكذلك عقود تسجيل الأراضي اللازمة لإقامة المشروعات. كما سيتم إعفاء هذه المشروعات من هذه الرسوم لمدة خمس سنوات.
وتشير رئيس مصلحة الضرائب إلى أن النظام يشمل أيضاً إعفاء الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التصرف في الأصول أو المعدات أو آلات الإنتاج من الضريبة المستحقة، إضافة إلى إعفاء توزيعات الأرباح الناتجة عن نشاط هذه المشروعات.
وتؤكد أن المشروعات التي تخضع لهذا النظام المتكامل لن تكون ملزمة بنظام الخصم تحت حساب الضريبة أو الدفعات المقدمة، بل ستخضع لنظام مبسط للضريبة على الدخل يكون إما قطعياً أو نسبياً حسب حجم الأعمال السنوي.
وخلال العام المالي الماضي، بلغت حصيلة مصلحة الضرائب المصرية 1.483 تريليون جنيه (27.5 مليار دولار)، وذلك في مقابل 1.139 تريليون جنيه (23 مليار دولار) عن الفترة المماثلة بمعدل نمو 30%، وبزيادة قدرها 343 مليار جنيه (6.8 مليار دولار).
وبلغ معدل نمو الضرائب على الدخل 36%، وضرائب القيمة المضافة 23% خلال الفترة ذاتها.
رغم الحوافز والتسهيلات، يخشى أصحاب المنشآت غير الرسمية، ومنهم محمد إبراهيم صاحب إحدى الورش الصغيرة التي تصنع المنتجات البلاستيكية، غربي القاهرة، من تحمل أعباء مالية إضافية نتيجة تقنين نشاطه، مثل دفع الضرائب والرسوم الحكومية، مما قد يؤثر سلباً على أرباحه.
كما يرى، وفق حديثه مع «إرم بزنس»، أن الالتزام بالقوانين واللوائح يتطلب استثماراً في إعداد الوثائق والسجلات المحاسبية وتوظيف محاسبين قانونيين أو مستشارين ماليين، وهو ما يعتبره عبئاً إدارياً قد يفوق قدراته، أو يستهلك وقتاً وموارد كان يوفرها لأنشطته اليومية.
وباعتقاد إبراهيم أن العمل في الاقتصاد الرسمي قد يعرضه لرقابة حكومية صارمة وممارسات بيروقراطية إذا سجل نشاطه للحصول على سجل تجاري وبطاقة ضريبية قد تُعيق تطور أعماله.