logo
اقتصاد

هل تعزز وكالة التصنيف الائتماني الإفريقية الاستقلال المالي للقارة؟

هل تعزز وكالة التصنيف الائتماني الإفريقية الاستقلال المالي للقارة؟
مقر مفوضية الاتحاد الإفريقي، في أديس أبابا، إثيوبيا، يوم 6 فبراير 2022. المصدر: رويترز
تاريخ النشر:16 فبراير 2025, 01:11 م

أعلن الاتحاد الإفريقي عن خططه لإطلاق وكالة تصنيف ائتماني إفريقية بحلول النصف الثاني من عام 2025، وذلك لمعالجة ما وصفه بـ«المخاوف من أن التقييمات التي تجريها الوكالات العالمية تحمل تحيزاً مكلفاً ضد القارة».

وذكر الاتحاد في بيان، أن رؤساء الدول والحكومات الأفارقة اجتمعوا، يوم الجمعة، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لإعلان إنشاء الوكالة الإفريقية للتصنيف الائتماني، ما يعكس التزام القارة السمراء بتعزيز السيادة المالية ومعالجة التحديات الطويلة الأمد المرتبطة بوكالات التصنيف الائتماني الدولية الثلاث.

الحوكمة المالية العالمية

يعد إنشاء الوكالة الإفريقية للتصنيف الائتماني خطوة حاسمة لتأكيد مكانة إفريقيا في الحوكمة المالية العالمية، وفقاً للاتحاد الإفريقي. 

ويسعى القادة الأفارقة إلى استغلال هذه الفرصة لتأكيد إرادتهم السياسية والتزامهم الجماعي بإنشاء الوكالة.

وأشار الاتحاد إلى أن الوكالة من المتوقع أن تُطلق رسمياً خلال يونيو المقبل، كجزء من أجندة الاتحاد الإفريقي الأوسع نطاقاً للتكامل والاستقلال المالي، حيث إنها حالياً في طور التأسيس.

تصنيفات عادلة وشفافة

يهدف إنشاء الوكالة إلى توفير تصنيفات ائتمانية عادلة وشفافة وموجهة نحو التنمية، تعكس واقع وإمكانات الاقتصادات الإفريقية، كما تهدف إلى تحسين الشفافية وتقليل الاعتماد على وكالات التصنيف الائتماني الدولية الثلاث، والاستجابة للاحتياجات المحددة للبلدان والمؤسسات والسياقات الإفريقية.

وكشفت مذكرة تقديمية لوكالة التصنيف الائتماني الإفريقية أن إنشاءها يأتي لمعالجة المخاوف بشأن التحيز وعدم الدقة والتكاليف المرتفعة المرتبطة بوكالات التصنيف الائتماني الدولية عند تقييم البلدان الإفريقية.

وأضافت المذكرة أن الوكالة ستوفر فرصة للقارة الإفريقية لتطوير نظام تصنيف ائتماني يعكس الحقائق الاجتماعية والاقتصادية الفريدة في إفريقيا، ما يعزز تمثيلًا أكثر دقة لجدارتها الائتمانية.

وأكدت المذكرة أن وكالة التصنيف الائتماني الإفريقية، على النقيض من وكالات التصنيف الائتماني التقليدية (موديز، وفيتش، وستاندرد آند بورز)، ستركز بشكل حصري على الاقتصادات الإفريقية، ودمج البيانات الاجتماعية والاقتصادية والمؤشرات الخاصة بكل منطقة.

كما ستركز الوكالة على سد فجوات البيانات والتحليل، ومعالجة الفروق الدقيقة الإقليمية، وتعزيز التكامل المالي الإفريقي، وستوفر «رؤية متنوعة للقدرة على الوفاء بالالتزامات»، وتعزز التعاون من أجل تحقيق المنفعة المتبادلة للقارة.

يؤكد منتقدو وكالات التصنيف الائتماني الكبرى أن منهجياتها تمنح مجالاً أوسع للتقديرات الشخصية مما يجب، وتعاقب بشكل غير عادل السياسات الداعمة للنمو في الدول الإفريقية، التي تعزز بالفعل من جدارتها الائتمانية، وفق «بلومبيرغ».

علاوة على ذلك، فإن الوجود المحدود لهذه الوكالات في المنطقة يعني افتقارها للمعرفة العميقة باقتصادات القارة، وقد أدت هذه الثغرات مجتمعة إلى عدم انعكاس التقييمات السيادية للمنطقة على أساسياتها الاقتصادية بشكل دقيق، بل إن هذه التقييمات تميل إلى مسايرة التقلبات الدورية، ما يؤدي إلى تحقيق نبوءاتها ذاتياً، على سبيل المثال، تحصل الدول الإفريقية دائماً على تقييمات سلبية خلال الأزمات الاقتصادية العالمية نتيجة تأثيرات الجوار الجغرافي، وليس بسبب تغييرات اقتصادية حقيقية داخلها، هذه التقييمات المنخفضة ترفع تكاليف التمويل دون مبرر، ما يزيد مخاطر التعثر في سداد الديون.

وقال الرئيس الكيني ويليام روتو خلال إعلان إطلاق وكالة التصنيف الائتماني الإفريقية: «لم تتعامل وكالات التصنيف الائتماني العالمية معنا بشكل سيئ فحسب، بل إنها فشلت عمداً في إفريقيا».

وأضاف روتو: «إنهم يعتمدون على نماذج معيبة، وافتراضات عفا عليها الزمن، وتحيز منهجي، ويرسمون صورة غير عادلة لاقتصاداتنا، ويعتمدون تصنيفات مشوهة، ومخاطر مبالغاً فيها، وتكاليف اقتراض مرتفعة بشكل غير مبرر».

فرص ضائعة

وتبلغ كلفة التصنيف المتحيز 75 مليار دولار في الفرص الضائعة، وفقاً لدراسة أجرتها آلية مراجعة الأقران الإفريقية وبنك التنمية الإفريقي وبنك التصدير والاستيراد الإفريقي ومفوضية الاتحاد الإفريقي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

أخبار ذات صلة

قمة الطاقة الإفريقية تختتم أعمالها بحصيلة تمويلات تخطت 50 مليار دولار

قمة الطاقة الإفريقية تختتم أعمالها بحصيلة تمويلات تخطت 50 مليار دولار

وآلية مراجعة الأقران هي كيان متخصص تابع للاتحاد الإفريقي، تدعم دول القارة في مجال وكالات التصنيف الائتماني، وكجزء من التفويض، يقوم المشرفون عليها بمراجعات روتينية لتصنيفات الدول الإفريقية الصادرة عن الوكالات العالمية للتصنيف الائتماني.

وقال روتو في بيان: «تحسين التصنيف بدرجة واحدة من شأنه أن يفتح المجال أمام 15.5 مليار دولار من التمويل الإضافي للقارة، وهو المبلغ الذي قد يساعد على استبدال جزء كبير من مساعدات التنمية الرسمية أو إنفاقه على احتياجات البنية الأساسية في إفريقيا».

وقد انتقد الاتحاد الإفريقي في الماضي تصنيف الوكالات لإفريقيا، وفي يناير الماضي اعتبر أن تقييم موديز المتقلب لتوقعات كينيا كان معيباً.

وذكر الاتحاد في بيان على موقعه في الإنترنت: «من النادر أن تنتقل وكالة تصنيف ائتماني من سلبي إلى إيجابي، متجاوزة توقعات مستقرة... إن التغيير هو اعتراف، في العلاج، بأن التوقعات السلبية كانت تصنيفاً غير صحيح».

وعلى الرغم من الثروة الطبيعية الوفيرة في إفريقيا، فإن دولتين إفريقيتين فقط مصنفتان على أنهما من الدرجة الاستثمارية، وفقاً لروتو.

وقال: «لقد حان لإفريقيا وقت استخدام المقياس الصحيح، الذي يعكس وزنها الحقيقي».

ومن المتوقع أن تضيف الوكالة، التي ستعد تقييم المخاطر الخاص بها المرتبط بالقروض الممنوحة للدول الإفريقية، سياقاً إلى المعلومات التي يأخذها المستثمرون في الاعتبار عند اتخاذ قرار شراء السندات أو منح القروض.

تحقيق التوازن 

ووفقاً لتقرير صادر عن الآلية الإفريقية للتقييم الذاتي (MAEP)، وهي هيئة تابعة للاتحاد الإفريقي تعنى بتقييم أداء الدول الأعضاء في مجال الحوكمة، فإن الوكالة الجديدة ستكون «إحدى المؤسسات المالية الرئيسة التي ستسهم في تحقيق التوازن في موقع القارة ضمن النظام المالي العالمي».

أشار التقرير، الذي حمل عنوان «توقعات التصنيف الائتماني السيادي لإفريقيا – مراجعة نهاية عام 2024»، إلى أن الوكالة الجديدة ستكون كيانًا مستقلًا يديره القطاع الخاص، وسيتميز بقدرته على تقديم تقييمات أكثر دقة وشمولاً تعكس الواقع الإفريقي، وسيعتمد على خبراء محليين والوصول إلى أفضل البيانات، ما يسمح بتقديم صورة أوضح عن المخاطر والفرص في الأسواق الإفريقية.

يأتي هذا الإعلان بعد سنوات من الجدل حول منهجيات التقييم التي تتبعها الوكالات الدولية الكبرى، والتي يتهمها العديد من الخبراء بتقييم الاقتصادات الإفريقية بانحياز سلبي، ما يؤدي إلى رفع تكلفة الاقتراض وإغلاق أبواب التمويل أمام بعض الدول.

عدالة أكبر

وتقوم وكالات التصنيف الائتماني بشكل عام بتقييم المخاطر المتعلقة بإصدارات الدين، سواء للشركات أم الحكومات، وتعد قدرة المصدر على الوفاء بتسديد فوائد الدين والأقساط المترتبة عليه أهم مؤشر للجدارة الائتمانية التي تبنى عليها التصنيفات من قبل هذه الوكالات.

ويرى العديد من الخبراء أن إنشاء وكالة تصنيف ائتماني إفريقية سيكون خطوة مهمة نحو تحقيق عدالة أكبر في التقييمات الائتمانية، وتعزيز فرص القارة في الوصول إلى التمويل الدولي.

من جانبه، أكد الخبير المالي الجزائري، شعبان عصاد، أن إنشاء وكالة التصنيف الائتماني الإفريقية يمثل خطوة أساسية على المستويين الاقتصادي والجيوسياسي، مشيراً إلى أن الوكالات العالمية الثلاث (فيتش، وستاندرد آند بورز، وموديز) تمنح البلدان الإفريقية تصنيفات سلبية، ما يرفع تكلفة الاقتراض في الأسواق الدولية، وأوضح لصحيفة الاتحاد الجزائرية، أن هذه المعدلات المرتفعة تؤثر بشدة على مالية الدول الإفريقية، حيث تمثل خدمة الديون أعباءً ضخمة. كما ذكّر بالدور المثير للجدل لهذه الوكالات في أزمة الرهون العقارية العالمية.

وأضاف عصاد أن الوكالة الجديدة ستساعد الدول الإفريقية على التفاوض بشكل أفضل على قروضها، مشدداً على أهمية إنشاء فروع في عدة دول للحد من الاعتماد على الوكالات الأجنبية وتعزيز الثقة في السوق المالية الإفريقية.

فيما أوضح أستاذ العلوم الاقتصادية الجزائري نـزيم سيني، أن الوكالة الإفريقية تهدف إلى إنهاء هيمنة الوكالات الغربية التي غالباً ما تكون تقييماتها جزئية ومتحيزة، وأكد أن الوكالة الإفريقية ستأخذ في الاعتبار خصوصيات الاقتصادات الإفريقية وجهود الإصلاحات الاقتصادية والرقمنة، مشدداً على ضرورة حوكمة جماعية لضمان تصنيف عادل وشفاف.

أخبار ذات صلة

6 مليارات دولار تعهدات الممولين في اليوم الأول لقمة الطاقة الإفريقية

6 مليارات دولار تعهدات الممولين في اليوم الأول لقمة الطاقة الإفريقية

بدوره، أشاد الخبير البنكي السابق، إيدير ساسي، بالمبادرة، معتبراً أنها ستعزز استقلالية القارة وسيادتها المالية، كما ستوفر مزيداً من الشفافية لجذب المستثمرين. 

ومن المقرر أن تكون الوكالة مستقلة، ولن تكون مملوكة للتكتل، وفق ما أكده قبل فترة ألبرت موشانغا، مفوض التنمية والتجارة والسياحة والصناعة والمعادن بالاتحاد الإفريقي.

وقال: «نشعر بأننا لا نلقى معاملة جيدة عندما يتعلق الأمر بالتصنيفات وكلفة الاقتراض، ونريد مؤسسة تسهم في عملية إزالة المخاطر في سوق رأس المال الإفريقي، حتى نتمكن من الحصول على وضع يمكننا من خلاله الاقتراض بشكل تنافسي في الداخل والخارج».

الديون الإفريقية

وواصلت الديون الإفريقية تسجيل قفزات كبيرة خلال العام الماضي، مدفوعة بتراجع الإنتاج المحلي والتضخم وتراجع معدلات التنمية والاستثمار وارتفاع الفوائد.

ووفق ورقة بحثية أعدها مركز إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية قبل فترة، فإن العبء المتزايد لخدمة الديون الإفريقية سيقوض أهداف التنمية المستدامة في القارة، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية.

وأظهر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة أن الدين العام المتزايد يخنق بلدان إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، مشيراً إلى أن خدمة الديون تمثل 50% من عائدات حكومة أنغولا وكينيا وملاوي ورواندا وأوغندا وزامبيا.

وتشير تقديرات مجموعة البنك الدولي إلى أن إجمالي الدين الخارجي لإفريقيا ارتفع إلى 1.15 تريليون دولار في 2023، مقارنة بنحو 1.12 تريليون دولار في 2022، كما تشير بعض التقديرات إلى بلوغه نحو تريليوني دولار في عام 2024.

وسبق أن أشار كبير خبراء وكالات التصنيف الائتماني لدى الاتحاد الإفريقي، ميشيك موتيز، في تصريحات خلال عام 2023 إلى أن «القطاع الخاص مهتم فعلاً بتنفيذ هذه المبادرة».

وتوقع آنذاك أن يتم إطلاق وكالة التصنيف الجديدة في عام 2024، وأوضح أن الهدف ليس استبدال وكالات التصنيف الأخرى التي تحتاجها الدول الإفريقية لدعم الوصول إلى رؤوس الأموال الدولية، وإنما هو توسيع قاعدة تنوع الآراء في هذا المجال.

محاولات سابقة

وسبق أن ذكر الاتحاد الإفريقي وعدد من قادة دول القارة في مناسبات عديدة أن وكالات التصنيف الائتماني الكبرى لا تقيم المخاطر الائتمانية لدول القارة بعدالة، وأنها تكون الأكثر سرعة في خفض تصنيفها خلال الأزمات، مثل ما حدث خلال جائحة كورونا.

وفكر وزراء المالية الأفارقة في إنشاء مثل هذه الهيئة لأول مرة في عام 2021 وسط شكاوى من المعاملة غير العادلة من قبل وكالات التصنيف الائتماني الدولية، التي أكدوا أنها تؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة مقارنة بما يدفعه المقترضون الآخرون من الأسواق الناشئة والدول المتقدمة. 

كان الرئيس السنغالي السابق، ماكي سال، قد دعا خلال رئاسته الدورية للاتحاد الإفريقي في مايو 2022 إلى إنشاء وكالة تصنيف إفريقية لمواجهة ما وصفه بـ«الظلم» في التقييمات الدولية.

وأشار إلى أنه في عام 2020، شهدت 18 دولة إفريقية من أصل 32 تم تصنيفها من قبل الوكالات الكبرى تخفيضاً في تصنيفها الائتماني، بينما كان المتوسط العالمي للتخفيضات 31% فقط.

وأضاف سال أن «20% من معايير التقييم تعتمد على عوامل ذاتية، مثل الثقافة واللغة، دون أي صلة بالمعايير الاقتصادية الفعلية»، مؤكداً أن هذا الانحياز يزيد من تكلفة الاقتراض على الدول الإفريقية.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC