شهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا تحولاً لافتاً مؤخراً، تُوّج بسلسلة من الصفقات والاستثمارات الضخمة التي تجاوزت قيمتها 5 مليارات دولار، في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والعقارات.
أسفرت سلسلة من الاجتماعات بين المملكة وجنوب إفريقيا على مدى العام الماضي عن مناقشات وتوقيع صفقات بمليارات الدولارات في أكبر دولة صناعية في إفريقيا، وهناك المزيد من الإجراءات التجارية في طور الإعداد.
وفق تقرير وكالة «بلومبرغ» يشكل الإسراع في عقد الصفقات جزءاً من توجه خليجي واسع النطاق نحو إفريقيا، حيث تستثمر دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية على وجه الخصوص في التعدين والطاقة المتجددة والزراعة.
بشكل عام، استثمرت دول الخليج أكثر من 100 مليار دولار في إفريقيا منذ عام 2014، وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي.
تزور وفود من المسؤولين وقادة الأعمال كلا البلدين كل بضعة أشهر منذ اجتماع عام 2022 بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، إلى جانب مئات رجال الأعمال، في المملكة.
أسفر هذا الاجتماع بين ولي العهد السعودي ورئيس جنوب إفريقيا عن محادثات بشأن صفقات واستثمارات بقيمة 5 مليارات دولار تقريباً في مجالات الطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية ومحطات الوقود والعقارات، بعضها مُوقّع، وبعضها لا يزال قيد النقاش.
وأصبحت الرحلة التي تستغرق 10 ساعات بين العاصمتين رائجة للغاية، لدرجة أن الخطوط الجوية الجنوب إفريقية تدرس تسيير خط مباشر بين الرياض وجوهانسبرغ، وفقاً لمصادر مطلعة.
وصرح كريسبين فيري، المتحدث باسم وزارة الشؤون الدولية في جنوب إفريقيا، بأن العلاقات الثنائية «تعززت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية»، مع نمو الاستثمارات السعودية بشكل كبير.
أضاف أن وزير التجارة الجنوب إفريقي سيشارك في رئاسة الاجتماع العاشر للجنة الاقتصادية المشتركة بين جنوب إفريقيا والسعودية الشهر المقبل في الرياض.
وقال الملحق التجاري السعودي في جوهانسبرغ، حسام الغريميل، إن الحكومتين تتعاونان على مستوى عال في التجارة والأعمال.
أضاف: «ليس لدينا اتفاقات استثمار ثنائية بعد، بعض الفرص الحكومية تتطلب الكثير من الإجراءات من الشركات السعودية».
استثمرت شركات سعودية، منها شركة «أكوا باور» وشركة تشغيل الموانئ «ريد سي غيتواي تيرمينال إنترناشونال»، المدعومتان من صندوق الثروة السيادية السعودي الذي تبلغ قيمته 925 مليار دولار، في جنوب إفريقيا أو تتقدم بعروض لشراء أصول فيها.
بفضل حصة صندوق الاستثمارات العامة البالغة 44% في أكوا، أصبحت المملكة الآن أكبر مستثمر في قطاع الطاقة المتجددة في جنوب إفريقيا، وفقاً لمجموعة «ستاندرد بنك».
فيما قال ناندو بهولا، مدير شركة أكوا جنوب إفريقيا، إن الحكومة الائتلافية الحالية في جنوب إفريقيا «تجلب استقراراً اقتصادياً وسياسياً وثقةً متجددة»، في حين تُسهّل «القدرة المصرفية المحلية العالية» على الشركات التوسع.
أضاف أن الشركة استثمرت 1.9 مليار دولار أميركي في محطاتها الثلاثة حتى الآن، كما أن استقرار إمدادات الطاقة يُسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية.
وتخطط شركة أكوا لاستثمار ما يصل إلى 7 مليارات راند (378 مليون دولار) في قطاعي المياه والطاقة في جنوب إفريقيا على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
فيما تستعد شركة «ريد سي غيتواي تيرمينال إنترناشونال» (RSGTI) لتقديم عرض قد يتجاوز 600 مليون دولار أميركي لشراء ميناء ديربان، أكبر ميناء في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفق ما نقلت «بلومبرغ» عن مصادر مطلعة.
في الشهر الماضي، أعادت مجموعة زاهد، ومقرها جدة، فتح محادثات مع مساهمي شركة «بارلوورلد» المحدودة لزيادة حصتها في الموزع الوحيد لمعدات شركة كاتربيلر في القارة، حيث بلغت قيمة الشركة 1.25 مليار دولار.
كما تتنافس شركة أرامكو السعودية على شراء محطات وقود تابعة لشركة «شل بي إل سي» في جنوب إفريقيا مقابل حوالي مليار دولار، وفقاً لما ذكرته «بلومبرغ» سابقاً.
ووفق التقرير، يخطط رجل الأعمال السعودي عجلان بن عبد العزيز العجلان لاستثمار 500 مليون دولار أميركي في مصهر ومصفاة بلاتين في مقاطعة ليمبوبو بجنوب إفريقيا.
كانت شركة الاتصالات السعودية قد استحوذت العام الماضي على 49% من شركة (CMC Networks South Africa) مقابل مبلغ لم يُكشف عنه.
هذا الشهر، اجتمع منتدى الأعمال الجنوب إفريقي السعودي بوكيل وزير التخطيط الاقتصادي السعودي، البراء الإسكندراني، في الرياض.
جاء ذلك عقب اجتماع سابق في فبراير الماضي، زار فيه 6 مسؤولين سعوديين، من بينهم الإسكندراني، بورصة جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا، ومؤسسة التنمية الصناعية، وشركات أخرى.
في وقت سابق من هذا العام، أعلنت المملكة عن استثمارات بقيمة 41 مليار دولار في مختلف القطاعات - مع التركيز على الموارد الطبيعية والأمن الغذائي والطاقة المتجددة - في إفريقيا حتى عام 2030.
وقال ستافروس نيكولاو، الرئيس المشارك لمنتدى الأعمال السعودي الجنوب إفريقي، إن تدفق الصفقات الحالي سيعزز الوضع المالي لجنوب إفريقيا ويعزز الروابط مع دول الخليج والشرق الأوسط الأخرى.
نيكولاو أضاف أن هناك خططاً للمملكة لإقامة شراكات مع شركات الأدوية الجنوب إفريقية، في حين تجري محادثات بشأن صادرات جنوب إفريقيا من السيارات والخدمات المالية والسلع والمنتجات الزراعية.
وقال نيكولاو: «عندما تتطلع إلى تنمية اقتصادك، كما هو الحال في جنوب إفريقيا، وتتطلع إلى أسواق عالية القيمة... فإن السعودية، التي بدأت في تنويع اقتصادها، تعد سوقاً كبيرة تتمتع بقدر كبير من التكامل».
وارتفعت صادرات جنوب إفريقيا إلى السعودية إلى 7.3 مليار راند (تقريباً 386.9 مليون دولار) العام الماضي، مقارنة بـ 6.6 مليار راند في العام السابق.