رغم التحديات العالمية، استطاع الاقتصاد المصري أن يحقق نمواً ملحوظاً في تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال العام الماضي، وسط ترقب لانعكاسها على استقرار العملة المحلية.
وزادت تحويلات المصريين في الخارج بنسبة 47.1% خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر من العام 2024، مسجلة 26.3 مليار دولار، مقارنة بـ17.9 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام 2023، وفقاً للبنك المركزي المصري. كما شهدت التحويلات زيادة كبيرة خلال شهر نوفمبر 2024 بنسبة 65.4%، لتصل إلى 2.6 مليار دولار، مقارنة بحوالي 1.6 مليار دولار خلال الشهر نفسه من عام 2023.
الخبير المصرفي وعضو مجلس إدارة البنك المصري الخليجي محمد عبدالعال، أرجع هذه الزيادة الملحوظة في التحويلات إلى اختفاء السوق الموازية للدولار بعد قرار تحرير سعر صرف في 6 مارس الماضي.
وفي حديثه مع «إرم بزنس» أوضح عبدالعال أن تحرير سعر الصرف دفع المصريين بالخارج إلى العودة إلى إجراء تحويلاتهم عبر القنوات الرسمية للقطاع المصرفي، مما أسهم في تعزيز التدفقات الدولارية إلى الاقتصاد المصري.
عبدالعال أشار إلى التأثيرات الإيجابية لزيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج على المعروض من النقد الأجنبي، مما يعزز استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
وبحسب الخبير المصرفي، فإن هذه الزيادة في التحويلات تساهم في تخفيف الضغط على سوق الصرف، إلى جانب الآليات الأخرى التي يتخذها البنك المركزي لإدارة السياسة النقدية وضمان سداد التزاماته الدولية.
في حين يرى رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية رشاد عبده، أن هذه الزيادة تُعد عاملاً حيوياً في تحسين المعروض من الدولار في السوق المحلي، كما تدعم قيمة الجنيه المصري أمام العملة الأميركية.
وخلال حديثه مع «إرم بزنس» يعتقد عبده أن هذا التحسن في موارد الدولة من العملة الأجنبية يمكن أن يؤدي إلى تراجع في قيمة الدولار أمام الجنيه المصري، أو على الأقل يُقلل من الضغوط على العملة الوطنية.
ويتعين على مصر سداد 22.4 مليار دولار أقساط وفوائد الديون المستحقة خلال العام الجاري 2025، وفق ما أعلنه البنك المركزي في 3 ديسمبر الماضي.
كما تساهم هذه الزيادة في تحويلات المصريين، في تعزيز ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري، وتحسين التصنيفات الائتمانية لمصر وزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، وفق عبده.
وفي السياق ذاته، لفت الخبير الاقتصادي إلى أن هذا التحسن في الاحتياطي النقدي يدعم أيضاً قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها الدولية.
وتظهر البيانات الرسمية، ارتفاع الدين الخارجي لمصر خلال الربع الثالث من 2024، بقيمة 2.3 مليار دولار، ليصل إلى 155.3 مليار دولار بنهاية سبتمبر، مقارنة بـ152.88 مليار دولار في نهاية يونيو من العام ذاته.
بدوره، يعتبر الخبير المصرفي ونائب رئيس بنك بلوم السابق طارق متولي، أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج تمثل أحد أهم مصادر النقد الأجنبي في الوقت الراهن، لا سيما مع تراجع إيرادات قناة السويس التي انخفضت بنحو 7 مليارات دولار خلال العام الماضي جراء هجمات الحوثيين.
ويوضح متولي خلال حديثه مع «إرم بزنس»، أن الارتفاع المستمر في قيمة التحويلات خلال الأشهر الماضية يعكس قوة الاقتصاد المصري، ويزيد ثقة المؤسسات المالية الدولية في أدائه.
ويضيف أن ارتفاع هذه التحويلات يساعد على تحسن أداء الجنيه أمام الدولار، في إطار تطبيق نظام مرن لسعر الصرف، الذي كان من العوامل الأساسية التي تحفّز زيادة تدفقات التحويلات الخارجية.
ويرجح متولي تحسن قيمة الجنيه خلال العام 2025، بدعم من زيادة تحويلات المصريين بالخارج وخطط الحكومة لجذب الاستثمارات الأجنبية حتى مع التوجه المحتمل نحو خفض أسعار الفائدة.
ويتوقع بنك مورغان ستانلي أن يشهد سعر الجنيه المصري استقراراً مقابل الدولار في نطاق يتراوح بين 48 و52 جنيهاً، وذلك في ظل استمرار السياسات النقدية والمالية المتشددة التي تتبعها الحكومة والبنك المركزي.
تُعد تحويلات المصريين العاملين بالخارج ثاني أكبر مصدر للعملة الصعبة في مصر بعد الصادرات التي سجلت 40 مليار دولار في العام الماضي، وفق بيانات وزارة الاستثمار.
فيما تفوقت التحويلات على إيرادات السياحة التي يتوقع أن تحقق 16 مليار دولار بنهاية العام 2024، وعائدات قناة السويس التي انخفضت عوائدها بنسبة 60% بنحو 7 مليارات دولار؛ بسبب اضطراب حركة الملاحة في البحر الأحمر.
وتوفر هذه التحويلات للبنك المركزي سيولة دولارية تساعد في تخفيف الضغط على الاحتياطي النقدي، كما تساهم بشكل مباشر في تغطية فاتورة الاستيراد، خاصة أن مصر تعتمد بشكل كبير على الدولار لاستيراد احتياجاتها الأساسية.
وارتفعت احتياطات النقد الأجنبي إلى 47.109 مليار دولار في ديسمبر 2024، مسجلةً أعلى مستوياتها التاريخية، مقارنة بـ 46.952 مليار دولار في نوفمبر من العام نفسه.