في ظل التحديات الاقتصادية العالمية وتقلبات الأسواق المالية، حظي قرار خفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة باهتمام كبير من قبل الأسواق الناشئة، بما في ذلك مصر، إذ يسهم هذا القرار في توجيه تدفقات الأموال الساخنة نحو الاستفادة من العوائد المرتفعة على أدوات الدين مثل أذون وسندات الخزانة.
رغم أن هذه الاستثمارات قد تعزز الاقتصاد بشكل مؤقت، فإن لها مخاطر تتطلب إستراتيجيات حكيمة لإدارتها، وتجنب آثارها السلبية على المدى الطويل، فما هي تداعيات هذا القرار على مصر، وكيف يمكنها استغلال هذه الأموال لتعزيز اقتصادها من دون الوقوع في فخ المخاطر؟
في 18 سبتمبر، خفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة لأول مرة منذ ما يزيد على أربع سنوات بمقدار 50 نقطة أساس، ليصل إلى 5%، ما أدى إلى تراجع قيمة الدولار بنحو 5% عقب القرار.
بعد خفض الفائدة، أصبحت العوائد على الاستثمارات في الولايات المتحدة أقل جاذبية، ما دفع المستثمرين للبحث عن فرص أفضل في الأسواق الناشئة التي تقدم معدلات عائد أعلى، ومع السياسة النقدية في مصر التي توفر أسعار فائدة مرتفعة على أذون وسندات الخزانة، تصبح مصر وجهة جذابة لتدفق الأموال الساخنة، كما أكد عدد من خبراء الاقتصاد في تصريحاتهم لـ«إرم بزنس».
تطرح الحكومة المصرية أدوات دين رسمية بأسعار فائدة مرتفعة، إذ سجل متوسط العائد على أذون الخزانة المصرية لأجل عام 29.21% خلال الأسبوع الأول من سبتمبر، وهو أعلى مستوى منذ تحرير سعر الصرف في مارس، هذا العائد المرتفع يشكل عنصر جذب قوياً للاستثمارات الأجنبية.
وأطلق البنك المركزي المصري الأسبوع الماضي أدوات دين حكومي، تشمل أذوناً وسندات خزانة، بقيمة 67 مليار جنيه (1.39 مليار دولار) لتمويل عجز الموازنة، وفقاً للإعلام المحلي.
أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة هشام إبراهيم يؤكد أن خفض الفائدة الأميركية سيؤدي إلى جذب الأموال الساخنة في أدوات الدين الرسمية في مصر، التي تُعد من الفرص الذهبية على المدى القصير، إذ تُسهم في تعزيز الاحتياطيات النقدية الأجنبية وتوفير سيولة سريعة لتمويل عجز الميزانية.
ووفق إبراهيم، في تصريحات لـ«إرم بزنس» فإنه مع ذلك، تبقى هذه الاستثمارات رهينة التقلبات العالمية، إذ يمكن أن تتراجع التدفقات فور حدوث أي تغيير في السياسة النقدية الأميركية أو الأوضاع الاقتصادية المحلية.
وتعدُّ استثمارات الأموال الساخنة وسيلة لدعم الاقتصاد على المدى القصير من خلال ضخ سيولة إضافية في النظام المالي، ما يسهم في تعزيز استقرار سعر الصرف ودعم الاحتياطات الأجنبية، ومع ارتفاع معدلات العائد على أدوات الدين المصرية مع خفض الفائدة الأميركية، يجد المستثمرون الأجانب فرصة لتحقيق أرباح سريعة مقارنة بالدول ذات العوائد الأقل، كما يؤكد إبراهيم.
ومنذ قرار مصر بتحرير سعر الصرف في 6 مارس الماضي، ورفع أسعار الفائدة بواقع 600 نقطة أساس دفعة واحدة أو ما يعادل 6%، ارتفعت استثمارات الأموال الساخنة إلى 37.5 مليار دولار في مايو الماضي مقابل 13.7 مليار دولار في يناير 2024، وفق بيانات البنك المركزي.
ورفع المركزي المصري سعر الفائدة 19% خلال آخر عامين ونصف آخرها 6% دفعة واحدة في مارس الماضي ليصل إلى 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض؛ بهدف كبح جماح التضخم، لذا أصبحت مصر وجهة جاذبة للأموال الساخنة.
يرى أستاذ التمويل الاستثمار أن الاستفادة من الأموال الساخنة يتطلب إستراتيجية حكيمة لإدارة تلك التدفقات التي يمكن أن تؤدي دوراً كبيراً في تخفيف الضغط على الجنيه المصري، وتوفير تمويل للمشاريع الحكومية قصيرة الأجل، ومع ذلك ينبغي أن تكون هناك إستراتيجية لتوجيه جزء من هذه الأموال إلى الاستثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية أو القطاعات الإنتاجية لخلق قيمة مستدامة.
ويضيف إبراهيم أنه «من الضروري الاستفادة من هذه الأموال في مدة وجود فائض في السيولة، وذلك لتعزيز المشاريع الكبرى التي يمكنها أن تزيد معدلات النمو الاقتصادي على المدى الطويل».
على الرغم من الفوائد التي قد تحققها الأموال الساخنة، فإنها تحمل كثيراً من المخاطر على الاقتصاد المصري والأسواق الناشئة بوجه عام، أحد أبرز هذه المخاطر هو تقلب هذه الأموال وعدم استقرارها، فهي تدخل الأسواق عندما تكون الظروف مواتية، ولكنها تغادر بسرعة عند حدوث أي اضطراب، ما يمكن أن يسبب ضغطاً كبيراً على أسعار الصرف واحتياطات النقد الأجنبي، وفق المحلل الاقتصادي المصري.
قبل عامين، عانت مصر تفاقم أزمة النقد الأجنبي بعد خروج أموال ساخنة في عام 2022 بشكل جماعي بنحو 22 مليار دولار متأثرة بالحرب الروسية على أوكرانيا، بما تسبب في اتساع فجوة النقد الأجنبي.
وخرجت نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة في أغسطس الماضي؛ بسبب تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة بين إيران وإسرائيل عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في إيران.
لتجنب المخاطر المرتبطة بالأموال الساخنة، يشدد خبراء الاقتصاد على ضرورة تنويع مصادر التمويل، وتعزيز الاستثمارات طويلة الأجل، إذ إن الاعتماد الكبير عليها قد يجعل الاقتصاد هشّاً أمام التقلبات الدولية، لذا ينصح رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية رشاد عبده، في تصريحات لـ«إرم بزنس» باتباع عدة إستراتيجيات لتقليل هذه المخاطر.
ومن هذه الإستراتيجيات، تنويع الاستثمارات الأجنبية، بدلاً من الاعتماد فقط على الأموال الساخنة، إذ يجب العمل على جذب استثمارات أجنبية مباشرة في القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية.
وينصح «عبده» بتعزيز القطاعات الإنتاجية، إذ إن الاستثمار في قطاعات مثل الزراعة، والصناعة، والطاقة المتجددة، يمكن أن يخلق قيمة مضافة، ويعزز مناعته أمام أي تقلبات عالمية.
بالإضافة إلى ضرورة الاحتفاظ باحتياطات نقدية كافية، وذلك لضمان استقرار سعر الصرف في حالة خروج الأموال الساخنة، يجب الحفاظ على مستويات مرتفعة من الاحتياطيات النقدية الأجنبية.
هذا فضلاً عن ضرورة تعزيز الشفافية والمصداقية؛ لأن بناء بيئة استثمارية مستقرة وموثوقة يساعد على تقليل تقلبات الأموال الساخنة وزيادة ثقة المستثمرين.
من أجل حماية الدولة من مخاطر الأموال الساخنة، يقترح الخبير المالي هاني توفيق في حديث مع «إرم بزنس» فرض ضرائب بنسبة 20% على أرباح الأموال الساخنة عند خروجها المفاجئ من الدولة، خاصة أن هذه الأموال تغادر بأرباح كبيرة، قبل مرور 3 سنوات على دخولها.
وأكد توفيق أن هذا الاقتراح تطبقه فعلاً دولة البرازيل، التي استطاعت تحجيم الأموال الساخنة إلى حد كبير، وإزالة ما تسببه من تشوه لسعر الصرف، مشيراً إلى أنه من المطلوب أن يكون شرط فرض الضريبة وتطبيقها، يكون موجوداً قبل دخول أصحاب تلك الأموال الساخنة للدولة.
وأوضح الخبير المالي أن الأموال الساخنة هي ظاهرة عالمية، وليست كلها شراً، إذا استخدمت في تمويل المصانع واستيراد المواد الخام وتعزيز عمليات الإنتاج، وهي أموال تقترضها الدولة بالدولار لآجال أقل من عام، لذا سُميت بالساخنة، أي سريعة الحركة، واستغلالها في تمويل قصير الأجل يحقق فائدة لكلا الطرفين.