بينما ينشغل الاتحاد الأوروبي بتحقيق التحول نحو الطاقة النظيفة، وتشديد اللوائح التنظيمية، يجد نفسه متأخراً بشكل متزايد عن الولايات المتحدة، لا سيما في القطاع التكنولوجي، وفقاً لما ذكرته صحيفة «ذا ديلي تلغراف» البريطانية.
تُظهر البيانات الاقتصادية الحديثة اتساع الفجوة في مستوى المعيشة بين أوروبا والولايات المتحدة.
ففي العام 1992، كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد في ألمانيا أعلى قليلاً من نظيره في أميركا، فيما تفوّق الفرد الأميركي بفارق يتجاوز 12000 دولار عام 2024.
وفي 2008 كانت الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي 14000 دولار، لكنها ارتفعت إلى 20000 دولار بحلول عام 2023، ما يعكس التراجع المستمر للاقتصاد الأوروبي مقارنة بنظيره الأميركي.
رغم حديث قادة الاتحاد الأوروبي المستمر عن الاستقلال الإستراتيجي، وهي رؤية تتطلب قدرات عسكرية وصناعية مستقلة، إلا أن هذا الطموح يبدو بعيد المنال.
وحذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤخراً، من احتمال انهيار أوروبا بحال لم تُتخذ قرارات حاسمة، مُشيراً إلى نهاية حقبة الاعتماد على الطاقة الروسية، والإنتاج الصيني، والحماية الأميركية.
لكن الواقع يشير إلى اعتماد الاتحاد الأوروبي الكبير على الولايات المتحدة في عدة مجالات، مع افتقاره إلى القدرة على المنافسة في القطاعات التكنولوجية، مثل الذكاء الاصطناعي.
في الأشهر الستة الأولى من عام 2024، استحوذت الشركات الناشئة الأميركية على 35 مليار دولار من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، مقارنة بنسبة لا تتجاوز 6% فقط للشركات الأوروبية.
ويأتي هذا الصعود الأميركي في الوقت الذي يعاني فيه الاتحاد الأوروبي من نزيف العقول، حيث يفضّل أبرز الباحثين والطلبة الانتقال إلى الولايات المتحدة للحصول على فرص أفضل.
تُواجه الشركات الأوروبية أعباء ثقيلة نتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة، حيث تصل تكلفة الكيلوواط/ساعة في دول، مثل: ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، إلى نحو 3 أضعاف ما تدفعه نظيراتها في الولايات المتحدة.
هذا بالإضافة إلى تعقيد اللوائح التنظيمية، إذ أصدر الاتحاد الأوروبي 13000 قانون بين عامي 2019 و2024، مقارنة بـ5500 قانون فقط في الولايات المتحدة.
على سبيل المثال، يُثير قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي (AI Act) قلق الشركات الناشئة، بسبب ارتفاع تكاليف الامتثال التنظيمي، مما يُهدد بتقويض الابتكار في القارة.
في مواجهة هذه التحديات، تبرز دعوات لتخفيف القيود التنظيمية، وتعزيز مرونة الأعمال.
وفي تقرير سابق، أشار رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، ماريو دراغي، إلى ضرورة تبني الاتحاد الأوروبي نهجاً جديدًا يسمح للشركات بالازدهار بعيداً عن الأعباء البيروقراطية الثقيلة.
ومع ذلك، يبدو أن الاتحاد الأوروبي لا يزال بعيداً عن مواكبة ركب التكنولوجيا العالمية. ففي حين تُركّز بروكسل على فرض غرامات على الشركات الأميركية، وتشديد اللوائح، تواصل شركات مثل «إنفيديا» تحقيق قيمة سوقية تفوق إجمالي قيمة أكبر 18 شركة أوروبية مجتمعة.