كيف أثمرت شجرة في جبال الهيمالايا الين الياباني؟

بدأت بنوك اليابان اليوم الأربعاء، تزويد أجهزة الصراف الآلي بالنسخة الجديدة من الين المصنّعة من شجيرات الورق المزهرة الصفراء التي تنمو على جبال الهيمالايا الوعرة في نيبال. 

وقبل أن تصل إلى جيوب ومَحافظ المستهلكين، مرَّت أوراق الين الجديدة برحلة طويلة تضمنت أشهراً من العمل والنقل براً وجواً، وقطعت آلاف الكيلومترات.

كما وفّرت هذه العملية مصدر دخل جديدًا لسكان نيبال إحدى أفقر دول العالم، من خلال توفير النقد لإحدى أغنى الدول، وفقاً لتقرير نشرته شبكة "بي بي سي الأميركية". 

ورغم تجاه اليابان إلى حد بعيد لحلول الدفع الرقمية في السنوات الأخيرة، فإن النقد لا يزال سيد الموقف، ولا تزال اليابان متأخرة عن دول آسيوية أخرى، مثل: الصين التي أصبحت شبه خالية من النقد. 

رحلة طويلة

تبدأ رحلة صناعة النقد الياباني من شجيرة الورق التي تقع عند سفوح جبال الهيمالايا في نيبال قرب بلدات تعتبر بوابات لجبل إيفرست. 

وتنمو زهور نبات "الميتسوماتا الصفراء" على الشجرة والمعروفة أيضاً باسم "الأرجيلي" أو "شجيرة الورق" وهو نبات أصلي في سلسلة جبال الهيمالايا يحتوي لحاؤه على ألياف طويلة وقوية مثالية لصنع الورق الرقيق والمتين. 

وكان يزرع هذا النبات محلياً في اليابان، إلا أن إنتاجه بدأ يتراجع ببطء على مر السنين، وفقاً لِما ذكره رئيس شركة "كانبو" التي تنتج الورق للحكومة اليابانية تاداشي ماتسوبارا. 

وقال ماتسوبارا: "الواقع الحالي هو يشير إلى أن عدد المزارعين الذين ينتجون شجيرة الورق تضاءل بشدة"

سلسلة التوريد

بدأت رحلة استخدام شجيرات الورق النيبالية في تصنيع الين الياباني بتسعينيات القرن الماضي، حين زارت شركة "كانبو" نيبال لمساعدة المزارعين في حفر الآبار، لتكتشف حينذاك محصولاً ضخماً ينمو على الجبال من شجيرات الورق، فدرّبت المزارعين على زراعة المحصول، الذي كان يتم إنتاجه وتصديره في البداية بكميات صغيرة. 

ومع تناقص المحصول في اليابان في السنوات التالية، زادت الشركة من الإنتاج في نيبال التي باتت المصدر الرئيس لأوراق الين.

وقت طويل 

أوضح "ماتسوبارا" أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً، حيث يزرع المزارعون الشتلات في أوائل الصيف، ويحصدون أغصانها في الخريف، ثم يقضون عدة أشهر في معالجة اللحاء عن طريق التبخير والتقشير والغسيل والتجفيف. 

وحين يكون الورق الخام جاهزاً في الشتاء، يُرسل إلى العاصمة النيبالية "كاتماندو"، ويُنقل إلى مدينة كولكاتا الهندية الغربية، ثم يُنقل بحراً إلى يوكوهاما في اليابان. 

وتُعاد معالجة الورق وطباعته وقصه ليصبح نقوداً، في المكتب الوطني للطباعة بمدينة أوداوارا اليابانية القريبة.

ميزات جديدة 

وتمتلك الأوراق النقدية الجديدة ميزات عديدة، وفقاً لبنك اليابان، بما في ذلك صور الهولوغرام التي تصور عدداً من الشخصيات التاريخية البارزة لمنع التزييف، مع ظهور رؤوس الصور وكأنها تتحرك من جانب إلى جانب عند تحريك الورقة النقدية.

كما تتضمن الميزات الأخرى أجزاءً من الورقة مطبوعة بالحبر اللؤلؤي، والحبر المتوهج، وعلامات لمسية للمكفوفين.

الفوائد المجتمعية

قال ماتسوبارا إن الطلب على شجيرات الورق ارتفع مع بدء تداول الأوراق النقدية الجديدة، حيث يبدو أن الأوراق الجديدة تستخدم موادَ خاماً أكثر من القديمة.

وفي عام 2022، شكلت المواد الورقية وقصاصات الورق - بما في ذلك المنتجات الأخرى إلى جانب شجيرات الورق المستخدمة في العملة - أكثر من 9% من صادرات نيبال إلى اليابان، بقيمة 1.2 مليون دولار، وفقاً لمرصد التعقيد الاقتصادي (OEC)، الذي يصور ويوزع بيانات التجارة الدولية.

واعتباراً من العام الماضي، تم تنفيذ أكثر من 60% من المعاملات في اليابان بالنقد، والباقي عبر المدفوعات الرقمية وطرق أخرى، وفقاً لوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة الوطنية.

وأوضح ماتسوبارا أن الأرباح من مبيعات شجيرات الورق وفرت مصدر دخل جديداً للمجتمعات النيبالية، وأن الصناعة المتنامية ساعدت على بناء مرافق وبنية تحتية جديدة في قرى الشركاء في كانبو، ووفرت استقراراً مالياً جديداً للأسر الضعيفة.

ومنذ عام 2016، تلقت كانبو أيضاً تمويلاً من وكالة التعاون الدولي اليابانية الحكومية؛ ما سمح لها بتوسيع عملياتها.

وقال إن أحدث محصول من شجيرات الورق من منطقة إيلام في نيبال تم بيعه لليابان بأكثر من 180 ألف ين (نحو 1,114 دولار)؛ ما يعني إيرادًا قدره نحو 30 ألف ين (185 دولاراً) لكل من مجموعات المزارعين الست التي شاركت في المنطقة.

وأوضح ماتسوبارا أن الأنشطة كانت في البداية تهدف إلى تقديم مساعدات يابانية إلى نيبال، ولكن الآن "أعتقد أن الوضع مختلف، الناس في نيبال يعملون بجد (لمساعدة) اليابان". وقال "دون الميتسوماتا، شجيرات الورق النيبالية، لم نكن قادرين على إنتاج الأوراق النقدية الجديدة."