تحولت المسلسلات الرمضانية إلى صناعة اقتصادية ضخمة تواكب ثورة البث الرقمي المتنامي، وباتت منصات البث على الإنترنت والتلفزيون التقليدي في سباق محموم لاستقطاب المشاهدين وزيادة الإيرادات من الاشتراكات والإعلانات.
ومع ارتفاع معدلات المشاهدة خلال شهر رمضان الفضيل، تصاعدت المنافسة بين المنتجين، ما أجبرهم على تبني استراتيجيات إنتاج وتمويل جديدة.
في المقابل، تواجه الصناعة تحديات اقتصادية متزايدة، مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج وتقلب سوق الإعلانات. فكيف ينعكس هذا التحول على المشهد الإعلامي في العالم العربي؟
تظهر البيانات، عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قضاء المشاهدين وقتاً أطول على منصات البث مقارنة بالتلفزيون التقليدي. ويبرز التلفزيون المتصل بالإنترنت (CTV) ومنصات مثل (يوتيوب وشاهد VIP و Watch It) كوجهات رئيسة للجمهور، إذ يفضل المشاهدون متابعة الأعمال الدرامية والبرامج الاجتماعية وحتى البودكاست عبر هذه الوسائل الرقمية.
وتؤكد الأبحاث أن نسبة كبيرة من المشاهدين في الإمارات والسعودية يشاركون في مشاهدة يوتيوب مع الأصدقاء والعائلة على شاشات التلفزيون، ما يزيد مستوى الانتباه خلال هذه الجلسات.
ويشير الانتشار الواسع ليوتيوب على شاشات التلفزيون المتصلة بالإنترنت في المنطقة إلى الدور المحوري الذي يلعبه في المشهد الرقمي المتطور خلال شهر رمضان، حيث يتجاوز عدد المشاهدين 12 مليوناً في السعودية وحدها، وفقاً لطارق أمين الرئيس الإقليمي لـ (YouTube) في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وتركيا، في تصريح سابق له، وكشف أن منصة يوتيوب سجلت أكثر 2.5 مليون مشاهدة عبر التلفزيون المتصل في دولة الإمارات، وأكثر من 600 ألف في دولة قطر.
حققت «شركة أبوظبي للإعلام»، التي تبث عبر التلفزيون التقليدي ومنصات البث الرقمي، نمواً بنسبة 228% في المشاهدات الرقمية عام 2024 عن العام الذي سبق.
وفي تصريح سابق، كشف الرئيس التنفيذي لـمجموعة "إم بي سي" سام بارنيت، عن زيادة أعداد مشتركي منصة "شاهد" لتصل إلى قرابة 4 ملايين مشترك بنهاية العام 2023، وبزيادة نسبتها 40% مقارنة بالعام 2022.
تبرز منصة (WATCH IT) كأحد اللاعبين الرئيسين في سوق بث المحتوى الرقمي، إذ تشير البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات (NTRA)، إلى زيادة بنسبة 41% في معدل استخدام منصات بث المحتوى الترفيهي عبر الإنترنت خلال شهر رمضان 2024 مقارنة برمضان 2023. وحدها منصة (WATCH IT) سجلت معدل زيارة يومي مرتفع بلغ 90% من المشتركين.
كما أشارت التقارير إلى ارتفاع إجمالي عدد المشاهدين لمنصات (Watch It و Netflix و Shahid) مجتمعة إلى 41 مليون مشاهد، مع بلوغ إجمالي ساعات المشاهدة 14 مليون ساعة يومياً. ويؤكد هذا التوافق بين البيانات الرسمية وتقارير الصناعة على الأداء القوي لمنصات البث الرقمي في مصر خلال شهر رمضان.
ووفقاً لتقرير جهاز تنظيم الاتصالات، خلال رمضان 2024، ارتفع معدل استخدام الإنترنت عبر الهاتف المحمول لـ74%، ما يعكس بدوره الآخر التحول السريع نحو الاستهلاك الرقمي.
فيما يظل التلفزيون الوجهة الرئيسة للإعلانات خلال رمضان، تشهد الإعلانات الرقمية نمواً متسارعاً، مستفيدة من أنماط المشاهدة الجديدة. وتبرز اتجاهات جديدة، مثل الإعلانات التفاعلية، التي تزيد جاذبية منصات البث لدى المعلنين.
سجلت بيانات نتائج الربع الأول 2024 لإجمالي إيرادات مجموعة (MBC)، نمواً بنسبة 36% إلى 330 مليون دولار مقارنةً بـ241 مليون دولار في الربع الأول 2023، مدفوعةً بتعافي أداء إيرادات الإعلانات التلفزيونية ونمو قاعدة المشتركين على منصة "شاهد" خلال شهر رمضان، لا سيّما بعدما صادف وقوع عشرة أيام إضافية من الشهر الفضيل ضمن الربع الأول 2024 مقارنةً بالربع الأول 2023.
وفيما يخص إصدار «منصة شاهد» المدعوم بالإعلانات، أو بث الفيديو حسب الطلب القائم على الإعلان (AVOD)، فقد وصل عدد المستخدمين النشطين إلى 15 مليون مستخدم، بزيادةٍ قدرها 25% على أساس سنوي. حسب ما صرح به، الرئيس التنفيذي لمجموعة (MBC) سام بارنيت، ما قد يساهم في زيادة إيرادات الخدمة، والتي ارتفعت بأكثر من الضعف مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي لتصل إلى 112 مليون ريال سعودي.
رغم صعود المنصات الرقمية، لا يزال التلفزيون التقليدي يتمتع بجاذبية كبيرة خلال رمضان، إذ تحقق القنوات الرسمية في بعض الدول وخاصةً مصر نسب مشاهدة مرتفعة، ما يعكس تنوع تفضيلات الجمهور.
هذه المنافسة المتزايدة لمنصات البث الرقمي دفعت بالمنتجين لتقديم قصص أكثر حداثة ومسلسلات أقصر مدةً أي «أقل من 30 حلقة»، كما شهد رمضان 2023 زيادة بنسبة 70% في الاستثمار في المحتوى العراقي التي ساهمت منصات وصناديق جديدة أيضاً في نموها وفقاً لبيانات (Mbc) العراق.
مع ارتفاع الإيرادات الإعلانية، ارتفعت أيضاً تكاليف إنتاج الأعمال الدرامية، خصوصاً في ظل الطلب المتزايد على نجوم الصف الأول والمواقع الفاخرة للتصوير. كما أن التغيرات الاقتصادية وتقلب ميزانيات الإعلانات تجعل سوق الإنتاج أكثر تعقيداً، ما يدفع المنتجين إلى البحث عن مصادر تمويل متنوعة، مثل الإنتاج المشترك والاستثمارات الخاصة.
وهو ما انتقده المنتج صادق الصبّاح خلال حديثه لـ«إرم بزنس» حول ضعف التمويل، مشيراً إلى تجربة السعودية مؤخراً في الجرأة المالية التي تقدمها، يقول عنها الصباح أنها بادرة حسنة ستعيد تشكيل إنتاج المشهد الدرامي العربي.
رغم استمرار أهمية رمضان كأهم موسم درامي في العالم العربي، إلا أن التحولات الرقمية قد تدفع المنتجين إلى اتباع استراتيجيات متنوعة لإدارة المخاطر، حسب ما اقترحت المنتجة المصرية مها سليم في حديثها مع «إرم بزنس» مقترحة أن الاتجاه نحو الإنتاج المشترك، وتأمين التمويل من مصادر متعددة، والتركيز على نماذج إنتاج فعالة من حيث التكلفة. كما أن فهم تفضيلات الجمهور واتجاهات السوق أمر بالغ الأهمية لضمان صدى المحتوى وجذب المشاهدين.
باتت المسلسلات الرمضانية ركيزة أساسية في تحريك الاقتصاد الرقمي العربي، وباتت تشكل فرصة استثمارية ضخمة لمنصات البث والإعلانات. لكن مع تصاعد المنافسة، يواجه المنتجون ضغوطاً متزايدة لمواكبة التغيرات في تفضيلات الجمهور وسوق الإعلانات. فهل يتمكن الإنتاج التلفزيوني من الصمود أمام التحول الرقمي؟ أم أن رمضان سيظل موسماً ذهبياً، لكنه بحلة جديدة في كل مرة؟