من المتوقع أن تشهد التجارة بين دول الخليج وآسيا نمواً هائلاً خلال السنوات المقبلة، إذ يُتوقع أن يرتفع حجم التجارة بين الخليج والصين من 225 ملياراً في 2023 إلى 325 مليار دولار بحلول 2027.
أما التجارة بين الخليج وآسيا الناشئة بشكل أوسع، فيقدر وصولها إلى نحو 682 مليار دولار بحلول 2030، ما يعكس تحولاً كبيراً في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
هذه التوقعات ليست مجرد أرقام، بل إشارات إلى تطور شراكة تجارية متجذرة تاريخياً على طول «طريق الحرير» الذي كان يربط الخليج بآسيا منذ قرون.
اليوم، تأخذ هذه الشراكة منحى جديداً مع تركيز متجدد على التنويع الاقتصادي وتعزيز العلاقات الدبلوماسية. وفقاً لتحليل نشرته «APCO Worldwide»، شركة الاستشارات العالمية المستقلة المتخصصة في تحليل العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، تزداد قوة العلاقة بين الخليج وآسيا، لتشكل قاعدة للتعاون المستقبلي في ظل التحولات الاقتصادية العالمية.
طالما شكلت دول مجلس التعاون الخليجي، التي تضم السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، عُمان والبحرين، مركزاً للطاقة والموارد الطبيعية.
مع ظهور الصين محركاً اقتصادياً عالمياً من خلال مبادرتها «الحزام والطريق»، باتت دول الخليج شريكاً استراتيجياً في خطط التنويع الاقتصادي الصينية.
وتتجه الصين بشكل متزايد إلى الاستفادة من موارد الخليج وأسواقه، في حين تستثمر دول الخليج في التصنيع والتكنولوجيا عبر آسيا، ما يخلق علاقة تبادلية قائمة على المصالح المشتركة.
على سبيل المثال، تشهد السنوات الأخيرة توسعاً في إنشاء مناطق اقتصادية خاصة في الخليج تُخصص لدعم الشركات الصينية التي تستهدف أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا. في المقابل، تقدم دول الخليج مواردها وخدماتها لدعم متطلبات الصين الضخمة للبنية التحتية التي يحتاجها سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.
تتوافر فرص استثمارية على جانبي الشراكة، إذ تضخ صناديق الثروة السيادية الخليجية استثمارات ضخمة في الشركات الآسيوية، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة. هذه الاستثمارات ليست فقط وسيلة لتنويع الاقتصادات الخليجية بعيداً عن الاعتماد على النفط، بل أيضاً أداة لاستقطاب تقنيات متقدمة وإعادتها إلى المنطقة.
في هذا السياق، أعلنت بورصة هونغ كونغ عن افتتاح مكتب لها في العاصمة السعودية الرياض عام 2025 لتعزيز العلاقات التجارية والمالية مع الخليج. وبالمثل، وقعت بورصة شنتشن الصينية مذكرة تفاهم مع سوق دبي المالي لتعزيز الاستثمار عبر الحدود.
إلى جانب ذلك، هناك شراكات أُبرمت في مجالات الصحة والبنية التحتية، مع توقيع سنغافورة والسعودية مذكرة تفاهم لتطوير القطاع الصحي.
العلاقة المتنامية بين الخليج وآسيا تعززها الدبلوماسية الاقتصادية، إذ شهد العام 2024 زيارات بارزة مثل زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إلى السعودية والإمارات، إذ ناقش تعزيز العلاقات الثنائية، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات تعزز التعاون الاقتصادي والمالي.
وفي خطوة تاريخية، أصدرت الصين سندات بالدولار في السعودية للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، في حين استثمرت صناديق الثروة السيادية الخليجية بشكل كبير في الشركات الصينية. هذا المستوى من النشاط يعكس مدى الطموح المشترك بين الجانبين لتوسيع نفوذهما الاقتصادي عالمياً.
رغم التقدم الملحوظ، تواجه الشراكة الخليجية الآسيوية تحديات مثل التوترات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك السياسات التجارية الأميركية وتأثيرها على الصين. ومع ذلك، يمثل عام 2025 عاماً حاسماً للطرفين، حيث تسعى الصين للحفاظ على مكانتها في ظل هذه التحديات، بينما تعمل دول الخليج على تحقيق رؤى 2030 الاقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على التنويع والنمو المستدام.