في مشهد لم يخطر ببال أحد، قلب لوح شوكولاتة مغطى بعجينة الكنافة ومملوء بكريمة الفستق موازين سوق غذائي عالمي بأكمله. ما بدأ كمنتج محلي صغير من دبي، انفجر فجأة إلى ظاهرة عالمية بعد فيديو قصير على «تيك توك» شاهده أكثر من 120 مليون شخص، ليتحول الفستق من سلعة متوفرة إلى عنصر نادر يُطارد في الأسواق، ويُباع بأسعار خيالية.
اليوم، يجد العالم نفسه أمام أزمة فستق حقيقية، دفعت أسعاره إلى مستويات قياسية، وأثارت فوضى في سلاسل الإمداد، من مزارع كاليفورنيا إلى رفوف المتاجر الأوروبية. شركات الشوكولاتة الكبرى تتسابق للحاق بالركب، والمزارعون يعيدون حساباتهم، فيما يقف المنتج الأصلي في دبي مذهولاً من حجم التأثير الذي أحدثه.
وفقاً لصحيفة «فاينانشال تايمز»، أطلقت صانعة الشوكولاتة «فيكس» (Fix) منتجها المبتكر عام 2021، بمزيج فريد من كريمة الفستق وعجينة الكنافة المغطاة بالشوكولاتة بالحليب. البداية كانت محدودة، إلى أن أتى ديسمبر 2023، حين حصد فيديو على «تيك توك» أكثر من 120 مليون مشاهدة، ليحوّل اللوح إلى ظاهرة عالمية، ويدفع علامات تجارية كبرى إلى تقليده.
منذ ذلك الحين، قفزت أسعار نواة الفستق بأكثر من الثلث، لترتفع من 7.65 دولاراً للرطل في مطلع 2024 إلى نحو 10.30 دولار، بحسب جيلز هاكينغ من شركة «سي جي هاكينغ» لتجارة المكسرات، الذي وصف السوق بأنه «مستنزف تماماً».
وقد طرحت شركة «لندت» السويسرية إصداراً مستوحى من المنتج الإماراتي في بريطانيا بسعر 10 جنيهات إسترلينية للوح وزنه 145 غراماً، أي أكثر من ضعف سعر ألواحها التقليدية، فيما لجأت متاجر إلى تقييد كميات الشراء. كما أطلقت «لندت» وسلسلة متاجر «ويليام موريسون» بيض عيد الفصح محشو بكريمة الفستق.
تزامن هذا الطلب المفاجئ مع موسم زراعي مخيب في الولايات المتحدة، أكبر مصدر للفستق في العالم. وانخفضت كميات أنصاف الحبوب المقشرة المستخدمة في صناعة الشوكولاتة، في وقت تراجعت فيه الإمدادات الأرخص ثمناً بسبب ارتفاع جودة المحصول، وفق ما أوضح هاكينغ. وأضاف: «لم تكن هناك كميات كافية منذ البداية، وعندما انفجر الطلب على (شوكولاتة دبي) بدأ الصانعون بشراء كل ما يقع تحت أيديهم».
هذا الاندفاع انعكس في أرقام التجارة. فقد أظهرت بيانات الجمارك الإيرانية أن صادرات إيران – ثاني أكبر منتج للفستق عالمياً – إلى الإمارات قفزت بنسبة 40% خلال الأشهر الستة المنتهية في مارس 2025 مقارنةً بإجمالي صادرات العام السابق.
في عام 2023، كان المشهد مختلفاً تماماً. فقد فاق المعروض الطلب، مما أدى إلى انخفاض الأسعار. يقول بهروز آغا، عضو مجلس إدارة رابطة مصدري الفستق الإيرانية، إن فائض الإنتاج آنذاك سمح بتطوير منتجات جديدة مثل زبدة الفستق وعجائنه، وهي المواد التي استخدمت لاحقاً في تصنيع «شوكولاتة دبي».
أما في كاليفورنيا، فقد بدأ بعض المزارعين بالتحوّل من زراعة اللوز إلى زراعة الفستق مستفيدين من تراجع أسعار اللوز. لكن الأشجار الجديدة لن تبدأ بإنتاج المحاصيل قبل موسم الحصاد المقبل في سبتمبر، ما يُبقي الفجوة في الإمدادات قائمة حتى ذلك الحين.
وفي ظل هذا الطلب الهائل، يكافح صانعو الشوكولاتة للحفاظ على وتيرة الإنتاج. وقال شارلز جاندرو، المدير العام لمجموعة «بريستات» البريطانية: «شعرنا وكأن هذه الظاهرة ظهرت فجأة، وأصبحت الشوكولاتة في كل متجر صغير»، مشيراً إلى صعوبة الحصول أيضاً على عجينة الكنافة.
وتزامنت أزمة الفستق مع أزمة أكبر في سوق الكاكاو، إذ قفزت أسعاره إلى ثلاثة أضعاف خلال 2024 بفعل تغيرات الطقس والأمراض التي ضربت المحاصيل، ما دفع العديد من المنتجين إلى تقليص أحجام الألواح أو تعديل وصفاتها.
من جهتها، أعربت شركة «فيكس» عن سعادتها بالنجاح العالمي لمنتجها، لكنها حذرت من محاولات التقليد، مشيرة إلى أنها لا تبيع خارج الإمارات، وتفتح نافذة بيع لمدة ساعتين فقط يومياً.
وفي المقابل، تواصل الشركات المنافسة اندفاعها إلى اقتناص حصتها من السوق. وقال يوهانس لاديراخ، الرئيس التنفيذي لشركة «لاديراخ» السويسرية: «نحن غارقون في الطلب على شوكولاتة دبي، وقد أطلقناها منذ أشهر قليلة فقط».
ما حصل مع «شوكولاتة دبي» يقدم درساً صارخاً حول التأثير الكاسح للتميز على موجات التواصل الاجتماعي، وقدرتها على إعادة تشكيل اقتصاد عالمي بأكمله، من قرارات المزارعين إلى خطوط الإنتاج في مصانع الحلويات. وفي ظل هذه الطفرة غير المتوقعة، يتوقع خبراء استمرار ارتفاع أسعار الفستق حتى نهاية موسم الحصاد المقبل على الأقل، بينما لا يزال الطلب العالمي في ذروته.