logo
اقتصاد

كيف يدفع المستهلكون ثمن توترات البحر الأحمر؟

كيف يدفع المستهلكون ثمن توترات البحر الأحمر؟
صورة من الأقمار الصناعية تظهر اشتعال النيران في ناقلة النفط «سونيون» بعد استهدافها من قبل «الحوثيين»، 29 أغسطس 2024.المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:20 سبتمبر 2024, 03:03 م

بين ارتفاع في التكاليف وتراجع في الإيرادات، تتفاقم خسائر شركات الشحن التي تتجنب المرور في البحر الأحمر، ذلك الممر الحيوي لنحو 30% من حركة الحاويات في العالم، و12% من التجارة العالمية، نتيجة هجمات الحوثيين منذ نحو عام ضد السفن العابرة، فيما يدفع المستهلكون حول العالم الثمن.

العالم الذي واجه تحديات اقتصادية كبيرة، نتيجة الأزمات التي أثّرت في سلاسل التوريد منذ جائحة كورونا في 2019 والحرب الروسية في أوكرانيا في 2022 يقف، وفق خبراء لـ«إرم بزنس»، أمام «خيارات صعبة» تواجه الشركات والمستهلكين، مع ارتفاع غير مسبوق في الأسعار والتضخم وبطء النمو الاقتصادي، مما ينذر بخسائر تصل إلى مليارات الدولارات إذا استمرت التهديدات.

أما الخيارات المتاحة، فستؤدي إلى تأثيرات أشد من تلك التي «شهدناها خلال جائحة كورونا، نتيجة استمرار ارتفاع أسعار الشحن والتأمين نتيجة تحوّل السفن إلى اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح، الذي يعد أطول، ويزيد استهلاك الوقود والانبعاثات الضارة».

يمر عبر البحر الأحمر أكثر من 80% من التجارة الدولية المنقولة بحراً، ما يمثل تريليون دولار سنوياً، بما في ذلك 15% من الواردات إلى أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تُشحن من آسيا والخليج.

في بيان لها في فبراير الماضي، حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن «ارتفاع تكاليف الشحن، بسبب التوترات المستمرة في البحر الأحمر قد يعيق الجهود العالمية لمكافحة التضخم». هذه التحذيرات أكدها أيضاً صندوق النقد الدولي في أبريل، مشيراً إلى أن «التوترات الأمنية الأخيرة في البحر الأحمر أدت إلى اضطراب التجارة البحرية في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما رفع تكلفة شحن الحاويات من الصين إلى البحر المتوسط بنسبة تقارب 300%».

أخبار ذات صلة

توترات البحر الأحمر تحلق بأسعار الشحن البحري 200% عالمياً في النصف الأول

توترات البحر الأحمر تحلق بأسعار الشحن البحري 200% عالمياً في النصف الأول

مخاطر وخسائر فادحة

وفقاً لتقرير نشره البنك الدولي في 15 مايو الماضي، أدت الظروف الراهنة إلى تحول السفن نحو طرق ملاحة أطول، مثل رأس الرجاء الصالح، مما زاد مسافات الشحن بنسبة تصل إلى 53%. هذا التحول لم يؤثر فقط على زمن الرحلات، بل تسبب أيضاً في ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بسبب حرق الوقود الإضافي.

فيما يتعلق بحركة الشحن، أفاد موقع أكسيوس نقلاً عن تقرير استخباراتي أميركي بأن الحركة عبر البحر الأحمر انخفضت بنسبة 90% منذ فبراير الماضي، وأكثر من 65 دولة تأثرت مصالحها التجارية، بعد أن غيرت 29 شركة كبرى في مجال الشحن والطاقة مساراتها بعيداً عن المنطقة. ونتيجة لذلك، تأخرت الرحلات حتى أسبوعين، ما كلّف هذه الشركات ما يصل إلى مليون دولار إضافية للوقود.

في فبراير 2024، أعلنت مجموعة «سي إم إيه سي جي إم» الفرنسية، ثالث أكبر شركات الحاويات في العالم، عن انخفاض أرباحها الأساسية بنسبة 82.5% في الربع الأخير من 2023، حيث سجلت 93 مليون دولار مقارنة بـ3.04 مليار دولار في الفترة نفسها من 2022، وفقاً لوكالة «بلومبرغ».

وبالمثل، سجلت شركة «ميرسك» الدنماركية، التي تُعتبر ثاني أكبر شركة شحن حاويات، أرباحاً بلغت 829 مليون دولار، انخفاضاً من 6.5 مليار دولار في الفترة نفسها. بينما أعلنت «هاباج لويد» الألمانية، خامس أكبر عمالقة الحاويات، عن أرباح قدرها 217 مليون دولار، مقارنة بأرباح بلغت 3.3 مليار دولار في العام السابق.

بعد شهرين من تحذيرها بأن «الأشهر المقبلة ستكون أصعب مع استمرار اضطرابات الشحن في البحر الأحمر»، أعلنت شركة «ميرسك» في بيان بتاريخ 5 سبتمبر أن الجدول الزمني لتخفيف هذه الاضطرابات والعودة إلى الوضع الطبيعي لا يزال غير مؤكد. وأكدت الشركة أن التأثير السلبي يزداد مع تحويل حركة المرور بعيداً عن قناة السويس، حيث انخفض عدد السفن التي تعبر القناة بنسبة 66% منذ بداية الأزمة.

وقال أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس المصرية، يوليو الماضي، في بيان، إن إيرادات القناة تراجعت إلى 7.2 مليار دولار في العام المالي 2023 - 2024، من 9.4 مليار دولار في العام المالي 2022 – 2023.

في محاولة للتغلب على الأزمة، أعلنت شركتا «ميرسك» و«هاباج لويد» في 10 سبتمبر الجاري عن خطط لزيادة عدد سفن الحاويات ضمن تحالف جديد يبدأ في فبراير 2025. ورفعت الشركتان تقديرات حجم التعاون، حيث ستنقلان 3.7 مليون حاوية سنوياً بأسطول مكون من 340 سفينة، بدلاً من 290 سفينة لنقل 3.4 مليون حاوية كما كان مقدّراً سابقاً مطلع 2024، في حال استمرت الاضطرابات في البحر الأحمر، وفقاً لبيان رسمي.

أشد من كورونا

خبير النقل البحري وعضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس الأسبق، وائل قدورة، قال في تصريح لـ«إرم بزنس»، إن «استمرار أزمة البحر الأحمر له تأثيرات سلبية كبيرة على التجارة العالمية والنمو الاقتصادي، حيث ارتفعت أسعار الشحن بنحو 300% تقريباً، بالإضافة إلى زيادة تكاليف التأمين على المخاطر».

وأشار إلى أن «الخيارات الاقتصادية الصعبة ستستمر مع تضرر حركة الشحن في البحر الأحمر، في ظل استمرار النزاعات في الشرق الأوسط».

أما البدائل المتاحة تظل صعبة، حيث يتعين على الشركات إما تجنب المرور عبر البحر الأحمر وممراته، والاعتماد على طريقين: الأول هو رأس الرجاء الصالح، الذي يتطلب زيادة في مدة الرحلة مع استهلاك أكبر للوقود وانبعاثات أكبر من غاز ثاني أكسيد الكربون، مما يؤثر سلباً على البيئة. أما الثاني، فهو الطريق عبر القطب الشمالي، الذي تم تجنبه من قبل أوروبا نتيجة النزاع بين موسكو وكييف، مما يزيد تعقيد الخيارات المتاحة، وفق قدورة.

منذ بداية الأزمة، لم يكن أمام شركات الشحن خيار سوى زيادة رسوم العبور وإضافة رسم خاص بمخاطر الحروب، كما أشار خبير النقل البحري، الذي أوضح أن «المستهلك العالمي هو من يتحمل الأعباء، حيث تصل السلع بأسعار مرتفعة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من بطء ونمو تضخمي».

ويرى قدورة أن تأثير الأزمة الحالية أشد من تأثير جائحة كورونا، مشيراً إلى أن إيرادات قناة السويس خلال تلك الجائحة ارتفعت، على عكس الوضع الحالي.

أخبار ذات صلة

أزمة البحر الأحمر تخفض إيرادات قناة السويس 23% إلى 7.2 مليار دولار العام الماضي

أزمة البحر الأحمر تخفض إيرادات قناة السويس 23% إلى 7.2 مليار دولار العام الماضي

الخاسر الأكبر

خبير اقتصادات النقل البحري ودراسات الجدوى، أحمد الشامي، قال في تصريح لـ«إرم بزنس»، إن «توترات البحر الأحمر أثرت بشكل كبير على أسعار المواد الغذائية، التي ارتفعت عالمياً بنسبة 23%، حيث يستقبل هذا الممر الحيوي 8% من تجارة الحبوب»، وأشار إلى أن قناة السويس لم تتأثر بالقدر نفسه خلال أزمة كورونا كما هو الحال الآن.

وتوقع الشامي «عدم تراجع أسعار الشحن مع ارتفاع تكاليف التشغيل»، مقدراً حجم الخسائر التي تكبدتها الشركات والقطاع الخاص منذ بداية أزمة البحر الأحمر بـ«مليارات الدولارات كحد أدنى».

كما رأى أن انتقال شركات الشحن إلى مسارات جديدة، مثل رأس الرجاء الصالح، جاء لتقليل تكاليف التشغيل، لكنه توقع استمرار الخيارات الاقتصادية الصعبة في المستقبل بنسبة 100% حتى يتم الوصول إلى حل بسيط في ظل الأوضاع الحالية في غزة.

وأشار إلى أن شركات الشحن بحاجة إلى جرأة للعودة إلى البحر الأحمر والمرور عبر قناة السويس والممرات الأخرى، رغم أن عدد الحوادث الفعلية المؤثرة لم يتجاوز سبع سفن خلال الأشهر العشرة الماضية. ومع ذلك، حذر من أن الوضع لا يزال غامضاً، وأن «لا أحد يستطيع وضع حسابات دقيقة بناء على المجهول».

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC