logo
اقتصاد

أشهر حاسمة أمام الاقتصاد الأميركي في ظل قرار الاحتياطي الفيدرالي

أشهر حاسمة أمام الاقتصاد الأميركي في ظل قرار الاحتياطي الفيدرالي
رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث خلال مقابلة مع ديفيد روبنشتاين في فندق ماريوت ماركيز في 15 يوليو 2024 في واشنطن العاصمة.المصدر: غيتي إيمجز
تاريخ النشر:22 أغسطس 2024, 04:59 م

أمضى جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، العامين الماضيين مصمماً على مكافحة التضخم حتى وإن كان ذلك يعني المخاطرة بتباطؤ اقتصادي. الآن، يبدو أنه على وشك تحقيق إنجاز مهم يتمثل بخفض التضخم دون التسبب بركود.

ومع بدء الضغوط التضخمية في التراجع، وهدوء سوق العمل، ستصبح الأشهر المقبلة حاسمة للاقتصاد الأميركي، بحسب ما أفاد تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إذ أشار باول وزملاؤه في الاحتياطي الفيدرالي إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة التي وصلت إلى أعلى مستوياتها في عقدين، وذلك عند اجتماعهم المقبل في سبتمبر.

وأكد التقرير أن إستراتيجية باول خلال هذه المرحلة ستكون تحت المجهر، فإذا نجح في المناورة بالاقتصاد إلى هبوط ناعم يخفض التضخم دون ارتفاع كبير في البطالة سيكون ذلك إنجازاً تاريخياً، وإذا فشل سينزلق الاقتصاد إلى الركود تحت وطأة أسعار الفائدة المرتفعة.

تحديات السيناريو الاقتصادي

من المتوقع أن يتضمن خطاب باول المرتقب استعراضاً لنهجه في المرحلة الأخيرة من معركة الاحتياطي الفيدرالي ضد التضخم.

أشار التقرير إلى الالتزام الجاد الذي قدمه جيروم باول قبل عامين في نفس المؤتمر، حيث أبدى استعداده لقبول احتمال حدوث ركود كتكلفة لمكافحة التضخم. واستشهد التقرير بمثال بول فولكر، رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق، الذي رفع معدلات الفائدة بشكل حادٍ في أوائل الثمانينيات، مما تسبب بركود اقتصادي شديد ولكنه نجح في النهاية بكبح التضخم.

وعلّق داريو بيركنز، الاقتصادي في شركة "تي إس لومبارد"، على أهمية هذا الإنجاز، قائلاً: "إذا تمكنوا من تجنب سيناريو التضخم الجامح الذي شهدناه خلال السبعينيات، ونجحوا بتحقيق ذلك دون تكلفة كبيرة على الاقتصاد، فإنهم سيحققون بالفعل الهبوط الناعم المثالي."

بينما يتنقل جيروم باول في هذا المشهد الاقتصادي المعقد، يواجه تحديات إضافية ناتجة عن المناخ السياسي الحالي. ووفقاً للتقرير، فإن قرارات الاحتياطي الفيدرالي قد تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الذي سيتولّى الرئيس الأميركي المقبل مسؤولياته.

انتقد الديمقراطيون، بما في ذلك السيناتور إليزابيث وارين، جيروم باول لعدم خفض أسعار الفائدة في وقت مبكر، ووجهوا اللوم له بشأن أي تباطؤ اقتصادي قد يحدث. من ناحية أخرى، أشار الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي عيّن باول رئيساً للاحتياطي الفيدرالي في العام 2018، إلى أنه يود أن يكون له تأثير أكبر على سياسة أسعار الفائدة إذا عاد إلى المنصب.

وأشار التقرير إلى أن الاقتصاد الأميركي قد تجاوز التوقعات بحدوث ركود خلال العامين الماضيين، ويرجع ذلك، جزئياً، إلى عوامل حماية فريدة مثل المدخرات التي تراكمت خلال فترة الوباء، وزيادة الهجرة التي ساهمت بتعزيز الإنفاق.

ومع ذلك، تظهر دلائل على تراجع هذه العوامل الوقائية، حيث يواجه المستهلكون ذوو الدخل المنخفض والمتوسط ضغوطاً مالية متزايدة، وتعيد الشركات التركيز على خفض التكاليف لجذب المتسوقين الباحثين عن الأسعار المنخفضة.

إضافةً إلى ذلك، يواجه سوق الإسكان، الذي نجح بتجنّب التباطؤ حتى الآن رغم ارتفاع معدلات الفائدة، آفاقاً أكثر قتامة. فمع زيادة العرض وتباطؤ عمليات البناء، انخفض عدد وحدات الإسكان قيد الإنشاء بنحو 10% خلال العام الماضي، وهو أكبر انخفاض من نوعه منذ العام 2011.

في سوق العمل، تباطأت عمليات التوظيف، رغم أن عمليات التسريح لا تزال منخفضة، تزداد المخاوف من تدهور الوضع. وأفادت وزارة العمل الأميركية، مؤخراً، بأن نمو الوظائف على مدى 12 شهراً حتى مارس قد يكون أقل بكثير من التقديرات الأولية، مما يثير قلقاً بشأن قوة سوق العمل. وفي هذا السياق، قال بيتر بيريزين، كبير الإستراتيجيين العالميين في (BCA Research): "إذا انخفضت فرص العمل، فلن يتمكن الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم من العثور على عمل بسهولة." 

هبوط ناعم ونجاح محتمل لـ"باول"

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شهدت الولايات المتحدة حالة واحدة فقط من "الهبوط الناعم"، والتي تحققت في العام 1995. في ذلك الوقت، قام رئيس الاحتياطي الفيدرالي، آلان غرينسبان، بزيادة أسعار الفائدة بسرعة من 3% إلى 6% لمواجهة الضغوط التضخمية، ثم قام بتخفيضها تدريجياً إلى 5.25% على مدى 6 أشهر.

ووفقاً للتقرير، يعتمد نجاح جيروم باول في تحقيق "الهبوط الناعم" على قدرة أسعار الفائدة المنخفضة على تحفيز الاقتراض والإنفاق لمواجهة أي ضعف اقتصادي محتمل. في الوقت الحالي، يشعر المستثمرون بالتفاؤل نظراً لأن الاحتياطي الفيدرالي يمتلك هامشاً كبيراً لخفض أسعار الفائدة. ومع ذلك، قد يواجه بعض المقترضين ضغوطاً نتيجة للتأثيرات المتأخرة لزيادات الفائدة السابقة، حتى بعد خفضها.

يبدو أن "الهبوط الناعم" أصبح قريباً من التحقق، حيث يقترب الاقتصاد من السيناريو المتفائل الذي توقعه مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي قبل عامين. عندما بدأوا برفع أسعار الفائدة من مستويات قريبة من الصفر في العام 2022، توقع خبراء الاقتصاد فترة من ارتفاع البطالة اللازمة لخلق قدر كافٍ من الركود لتقليص التضخم. ومع ذلك، أشار قادة الاحتياطي الفيدرالي إلى أن التضخم كان مدفوعاً بالطلب القوي، وسلاسل التوريد المضطربة، وليس بسوق العمل.

لحسن الحظ، شهدت سلاسل التوريد تعافياً، وتمكن الاقتصاد من تجنب صدمات جديدة. كما أسهمت الهجرة المرتفعة في تحسين الناتج، مما ساعد على تخفيف نقص العمالة. وأكد جيروم باول أن الفهم الحالي للتضخم يعزز القدرة على تفسير كيفية معالجته، مما يوفر الأمل بتحقيق "الهبوط الناعم".

التسرع مقابل الانتظار

أعرب بعض مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، بمن فيهم ميشيل بومان، ورئيس الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، جيف شميت، عن حذرهم من خفض أسعار الفائدة في وقت مبكر جداً. ويعزون هذا الحذر إلى مخاوف من أن يؤدي تخفيض الفائدة إلى إعادة تحفيز التضخم أو السماح له بالاستقرار بالقرب من 3%، وهو معدل يتجاوز بكثير الهدف المحدد.

كما يظهرون تشككاً في التشاؤم بشأن سوق العمل، مشيرين إلى أن الزيادة الأخيرة في معدل البطالة جاءت نتيجة لعمليات تسريح مؤقتة، وزيادة في عدد الأشخاص المنضمين إلى سوق العمل. ويعتقدون أن أسعار الفائدة مقيدة بشكل معتدل، مما يشير إلى أنه قد لا يكون من الضروري على الاحتياطي الفيدرالي خفضها بشكل كبير.

من جهة أخرى، يشعر بعض المسؤولين مثل أوستن غولسبي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، بالقلق من احتمال حدوث تباطؤ حادٍ في سوق العمل، خاصة في ظل وصول أسعار الفائدة المعدلة وفقاً للتضخم إلى أعلى مستوياتها منذ عقود.

في هذا السياق، يواجه الاحتياطي الفيدرالي خيارين رئيسين خلال الأشهر المقبلة: الأول هو خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في الاجتماعات المقبلة، مع إمكانية تعديل حجم وسرعة هذه التخفيضات بناءً على أداء الاقتصاد في أوائل العام المقبل.

أما الخيار الثاني، فيتضمن إمكانية خفض أسعار الفائدة بزيادات أكبر تصل إلى نصف نقطة مئوية، إذا شهد الاقتصاد تباطؤاً أكثر حدة، مما قد يرفع أسعار الفائدة إلى نحو 3% بحلول الربيع المقبل. حالياً، يتراوح سعر الفائدة القياسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي بين 5.25% و 5.5%.

من المتوقع أن يترك رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، خياراته مفتوحة خلال حديثه هذا الأسبوع. وقد يؤثر تقرير سوق العمل لشهر أغسطس، الذي سيصدر في أوائل الشهر المقبل، على القرار بشأن أي تخفيضات أكبر، خاصة إذا جاءت البيانات مشابهة للقراءات المخيبة للآمال التي شهدها شهر يوليو، وفق التقرير.

مع اقتراب اجتماع سبتمبر، يشير التقرير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يواجه تحدياً في موازنة المخاوف المتضاربة، حيث ستؤثر إستراتيجية جيروم باول بشكل كبير ليس فقط على مستقبل الاقتصاد الأميركي ولكن أيضاً على إرثه كرئيس للاحتياطي الفيدرالي.

وعلى الرغم من تفاؤل المستثمرين الذين يرون أن الاحتياطي الفيدرالي يمتلك مجالاً واسعاً لخفض الفائدة إذا دعت الحاجة، فإن احتمالات ظهور تحديات غير متوقعة لا تزال قائمة. وستكون قدرة باول على التعامل مع هذه الفترة الحرجة موضوعاً للرقابة الدقيقة خلال الأشهر المقبلة.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC