في خطوة قد تكون الأولى من نوعها منذ نحو 5 سنوات، تترقب الأسواق المالية المصرية اجتماع البنك المركزي الشهر المقبل وسط توقعات قوية باتجاهه لخفض سعر الفائدة كما حدث في سبتمبر 2020، إيذاناً ببدء دورة تيسير نقدي جديدة.
وخلال السنوات الثلاث الماضية رفع البنك المركزي الفائدة 19% منها 8% في الربع الأول من العام 2024، فيما قرر تثبيتها بآخر اجتماع في فبراير الماضي عند مستوياتها المرتفعة 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض، وذلك للمرة السابعة على التوالي.
واصل معدل التضخم تراجعه شهرياً خلال الفترة الماضية حتى بلغ 12.8% خلال فبراير 2025 مقابل 24% في يناير السابق له، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبهذا التراجع، اقترب التضخم من مستهدفات البنك المركزي التي تتراوح بين 5% و9% بحلول نهاية عام 2026، مع تطلعات للوصول إلى مستوى بين 3% و7% بحلول عام 2028.
وفي ديسمبر الماضي، توقع محمد الإتربي رئيس البنك الأهلي المصري الذي يعد أحد أكبر البنوك الحكومية في مصر، انخفاض الفائدة بنحو 6% خلال العام الجاري.
وكان المستثمرون في مصر يشكون خلال الفترة الماضية من أن الارتفاع الكبير في معدلات الفائدة يعرقل خطط النمو والتوسع في المشروعات؛ بسبب تكلفة التمويل العالية.
ويرى الخبير المصرفي محمد عبدالعال عضو مجلس إدارة البنك المصري الخليجي، أن خفض سعر الفائدة يؤدي مباشرة إلى تقليل العوائد على شهادات الادخار، مما قد يدفع المصريين إلى البحث عن بدائل استثمارية ذات عوائد أفضل.
فمنذ عام 2022، شهدت البنوك المصرية إقبالًا غير مسبوق على الشهادات ذات الفائدة المرتفعة التي وصلت إلى 27% و30% لشهادات مدتها 3 سنوات بعائد متناقص يصل إلى 25% في العام الثاني و20% في العام الثالث، مما جعلها خياراً مغرياً للمدخرين.
ولكن مع احتمال تراجع الفائدة، قد يفقد هذا الخيار جاذبيته تدريجياً، ويدفع شريحة كبيرة من المدخرين لتحويل أموالهم نحو القطاعات الأكثر ربحية، كما يوضح عبدالعال خلال حديثه مع «إرم بزنس».
وتجاوزت القيمة الإجمالية لشهادات الادخار والودائع لأجل 5.6 تريليون جنيه (10,978,442,400 دولار أميركي)، ما يعادل 78.5% من إجمالي المدخرات بالعملة المحلية في البنوك المصرية حتى نهاية سبتمبر الماضي، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
تعد البورصة المصرية أحد أكبر المستفيدين من خفض سعر الفائدة، وتشير عضو مجلس إدارة شركة الحرية لتداول الأول المالية حنان رمسيس، إلى أن خفض الفائدة سيشجع المستثمرين الأفراد والمؤسسات على ضخ أموالهم في البورصة، بحثاً عن عوائد أعلى من العوائد البنكية، مما سينشط السوق بشكل ملحوظ.
وتوضح، في حديثها مع «إرم بزنس»، أن تكلفة الاقتراض المنخفضة الناتجة عن تراجع الفائدة ستجعل الشركات أكثر قدرة على التوسع وزيادة استثماراتها، مما سينعكس إيجاباً على الأداء العام للبورصة.
وبحسب رمسيس، فإن رأس المال السوقي للبورصة المصرية قد يشهد نمواً ملحوظاً حال بدء البنك المركزي دورة التيسير النقدي، إذ إن اتجاه المستثمرين لضخ سيولة جديدة في السوق سيدفع المؤشرات للصعود، ويزيد نشاط التداولات.
وتظهر بيانات الهيئة العامة للرقابة المالية، ارتفاع رأس المال السوقي للأسهم المقيدة بالبورصة المصرية خلال العام الماضي إلى 2.169 تريليون جنيه، مقابل 1.719 تريليون جنيه في إغلاق ديسمبر 2023 محققًا مكاسب بلغت 450 مليار جنيه.
نظراً لكون العقارات أحد الملاذات الآمنة لحفظ القيمة على المدى الطويل، يتوقع رئيس شركة دار المعمار للتطوير العقاري أيمن إسماعيل، تحويل جزء من ودائع المصريين في البنوك إلى الاستثمار العقاري مع بدء تطبيق خفض الفائدة.
ويوضح إسماعيل، في حديثه مع «إرم بزنس»، أن القروض العقارية ستصبح أقل تكلفة مع انخفاض الفائدة أيضاً، مما يعزز الاستثمارات العقارية في صورة زيادة الطلب على الوحدات السكنية والتجارية.
ويُقدر حجم سوق العقارات السكنية في مصر بنحو 20.02 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات بارتفاعه إلى 33.67 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10.96٪ خلال الفترة من 2024 إلى 2029، وفقاً لتقرير (Mordor Intelligence).
إلى جانب الأسهم والعقارات، يُعد الذهب من أكثر الأصول التي تلجأ إليها المدخرات في أوقات تراجع العائد على الودائع البنكية. فالذهب يُنظر إليه عالمياً كمخزن للقيمة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والتضخم.
ويرى رئيس شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية هاني ميلاد، أن تراجع أسعار الفائدة سيؤدي إلى زيادة الطلب على الذهب، حيث يبحث المستثمرون عن أصول تحافظ على قوتهم الشرائية.
ويتوقع ميلاد، خلال حديثه مع «إرم بزنس»، ارتفاع سعر الذهب محلياً مع زيادة الطلب عليه، سواء من المستثمرين الأفراد أو المؤسسات الباحثة عن التحوط ضد تقلبات الأسواق.
وبلغ إجمالي مشتريات المصريين من الذهب خلال عام 2024 نحو 50.1 طن، مسجلًا انخفاضاً بنسبة 12% مقارنة بمشترياتهم في عام 2023، وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي.