الأسواق تراقب.. فائدة ودولار وديون وسندات وتجارة دولية واحتياطي
إقالة «باول» إذا حدثت قد تكون الأكثر تأثيراً منذ انهيار «بريتون وودز»
إقالة لم تتم، وقد لا تحدث أصلاً، لكنها تشغل العالم، وتحرك أسواق المال العالمية، ليس خوفاً على ضياع منصب الرجل من دون وجه حق، ولكن لأنها تحمل عنوان «استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي» عن سياسة ومزاج ساكن البيت الأبيض.
لذلك قد تكون خطة إقالة رئيس الفيدرالي «البنك المركزي الأميركي» جيروم باول، إن نجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تنفيذها، الحدث الأبرز منذ انهيار اتفاق «بريتون وودز» في 15 أغسطس 1971 عندما أعلن الرئيس الأميركي نيكسون وقف قابلية تبديل الدولار إلى ذهب.
تنبع أهمية استقلالية الفيدرالي، من منطلق أن مسؤولية تحديد أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية لا بد أن يكون من منطلق اقتصادي بحت، لا يتربط بأهداف سياسة أو توجهات السياسة الخارجية الأميركية.
في الوقت ذاته، فإن البنوك المركزية حول العالم تتبع في أغلب الأحيان توجهات السياسة النقدية للفيدرالي الأميركي، نظراً لارتفاع استثمارات أغلب الدول في سندات الخزانة الأميركية، إضافة إلى حصة الدولار في المعاملات الدولية، ونصيب الولايات المتحدة من التجارة الدولية.
وفقا لمبادئ الاقتصاد، فإن سعر الفائدة أحد أهم محددات سعر العملة، ومن ثم فإن سعر الدولار مرتبط بتوجهات الفيدرالي الأميركي المحضة الخالية من تأثير الإدارة السياسية، وهو الأمر الذي يحدد قوة الإقبال على السلع المسعرة بالدولار عالمياً على غرار الذهب، والنفط، والعملات المشفرة.
يعد الفيدرالي الأميركي صانع السياسة النقدية الأكبر والأهم في العالم، نظراً إلى أن الاقتصاد الأميركي هو الأكبر حجماً والأقوى عالمياً، ولأن الدولار الأميركي العملة الدولية الأكثر نصيباً في الاحتياطيات الدولية.
بحسب صندوق الدولي، انخفضت حصة العملة الأميركية في الاحتياطيات الدولية في نهاية العام الماضي 2% تقريباً إلى 57.4%، وهو الحد الأدنى منذ عام 1995، في حين تجاوزت حصة اليورو 20%.
بحسب البيانات الأحدث عن وزارة الخزانة الأميركية، ارتفعت حيازة سندات الخزانة الأميركية في الخارج في فبراير بأكبر قدر منذ يونيو 2021، وكانت كندا واليابان من بين أكبر المشترين خلال شهر سبق الاضطرابات الأخيرة في سوق السندات.
أظهرت البيانات أن إجمالي الحيازات الخارجية من سندات الخزانة الأميركية قفز 290 مليار دولار إلى مستوى قياسي بلغ 8.82 تريليون دولار في فبراير؛ إذ اشترى الأجانب سندات طويلة الأجل بقيمة 106.2 مليار دولار، وسندات قصيرة الأجل بقيمة 73.2 مليار دولار .
تجاوز الدين العام العالمي 100 تريليون دولار بنهاية عام 2024، وفقاً لصندوق النقد الدولي، في حين تشكل ديون واشنطن الجزء الأكبر من هذه الديون، حيث بلغت 36 تريليون دولار في عام 2024، أي ما يعادل 34.6% من الإجمالي العالمي.
وفقا لبيانات وزارة الخزانة الأميركية بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 120%، في حين يتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن تصل إلى 166% بحلول عام 2054.
رغم تحذير وزيرة الخزانة الأميركية السابقة جانيت يلين في يناير 2023 من مخاطر استمرار ارتفاع الديون، إلا أن الحكومة الأميركية واصلت الاقتراض لتصل الديون إلى 36.2 تريليون دولار.
تراجعت مساهمة الولايات المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي دون مستوى 15% للمرة الأولى على الإطلاق خلال ولاية الرئيس السابق جو بايدن، وفقاً لبيانات البنك الدولي وصندوق النقد.
وبلغ نصيب الولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي المقوم وفق معيار تعادل القوة الشرائية 20.16% عام 1990، ووصل إلى ذروته عند 21.01% في 1999.
منذ بداية الألفية الثالثة، بدأت نسبة المساهمة في التراجع، وكان أكبر انخفاض لها في فترة ما بين عامي 2006 و2008، وظلت تتراجع بمتوسط سنوي 0.6%.
أكد ترامب عقب فوزه أنه لا يخطط لإقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لكنه قال: «إذا طلبت منه الرحيل أو الاستقالة، فمن المحتمل ألا يفعل ذلك، لكن إن تركت الأمر متروكاً له، فقد يرحل من تلقاء نفسه».
بعد أقل من يومين على فوز ترامب، قال رئيس «الفيدرالي» في حدث اقتصادي: «لن أستقيل أو أتنحى من منصبي لو طلب ترامب ذلك».
وكان ترامب اتهم باول بأنه سياسي، وليس اقتصادياً، وقال إن بنك الاحتياطي «الفيدرالي» قد فكر في خفض أسعار الفائدة ربما من أجل انتخاب الناس ودعم بايدن.
لكن ترامب سبق أن هدد بإقالة باول من منصبه في عدة مناسبات، لاسيما حين رفع البنك المركزي أسعار الفائدة في 2018، بل ووصف باول بأنه العدو الأول للاقتصاد عام 2019.
في مارس 2020، قال ترامب في مؤتمر: «لدي الحق في إقالة جيروم باول من منصبه كرئيس للفيدرالي، لقد اتخذ حتى الآن الكثير من القرارات السيئة في رأيي؛ ما أدى إلى هبوط الأسواق وسط الوباء».
جاء ذلك رغم أن ترامب هو من رشح باول لشغل منصب رئيس البنك المركزي الأميركي في نوفمبر 2017، وأشاد به حينذاك حينما خفض رئيس «الفيدرالي» أسعار الفائدة إلى الصفر لمنع الانهيار الاقتصادي.
ومع فوز الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في انتخابات 2020، وعقب هزيمة ترامب، أعاد بايدن تعيين جيروم باول في وقت لاحق لولاية أخرى.
في مؤتمر صحفي عقد في أغسطس حول قرارات أسعار الفائدة التي اتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي، قال ترامب: «أشعر أن الرئيس ينبغي أن يكون له رأي على الأقل في هذا الشأن (سعر الفائدة)».
وأضاف: «أشعر بذلك بقوة، لقد ربحت الكثير من المال، وحققت نجاحاً كبيراً، وأعتقد أنني أتمتع بغريزة اقتصادية أفضل في كثير من الحالات، من الأشخاص الذين قد يكونون في بنك الاحتياطي الفيدرالي، أو حتى رئيسه».
لكن وبحسب بيان، اجتماع «الفيدرالي» خلال نوفمبر الماضي، كرر رئيس «الفيدرالي» باول عبارة «غير مسموح بإقالتي» بموجب القانون مرتين، فمن المفترض أن يكون الفيدرالي هيئة حاكمة مستقلة خالية من التأثير السياسي.
أوضح باول، أن هناك حواجز قانونية تمنع ترامب، وأي رئيس آخر، من إقالة أو عزل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، ويتطلب الأمر ما يشير إليه البنك المركزي الأميركي بـالسبب.
صعّد ترامب انتقاداته لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وكرر الهجوم الذي بدأه نهاية الأسبوع الماضي.
ووصف في منشور على منصة «تروث سوشيال» أمس، باول بأنه «خاسر كبير»، وطالبه بخفض أسعار الفائدة الآن أو المخاطرة بتباطؤ اقتصادي.
كما قال في منشور يوم الخميس الماضي، إن باول «دائماً ما يكون متأخراً ومخطئاً»، قبل أن يضيف أن «إقالة باول لا بد أن تتم بسرعة».
في الوقت ذاته، قال المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض كيفن هاسيت يوم الجمعة إن الرئيس ترامب وفريقه يواصلون دراسة ما إذا كان بإمكانهم إقالة باول.
ناقش الرئيس الأميركي علناً إقالة باول قبل انتهاء ولايته في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مايو 2026، ليعين كيفن وارش، وهو محافظ سابق في بنك الاحتياطي الفيدرالي.
في المقابل قال باول، إنه مستثمر سابق في الأسهم الخاصة، ولديه ما يكفي من الثروة المستقلة لتمويل الطعن القانوني الخاص به، مشيراً إلى أنه لا يعتزم ترك منصبه قبل انتهاء فترة ولايته في مايو من العام المقبل.