150 مليون دولار مساهمة سنوية في الاقتصاد اللبناني
تحول تطبيق «تيك توك» إلى مصدر لضخ النقد الأجنبي في الاقتصاد اللبناني، حيث تقدر مساهمته السنوية في الناتج المحلي بأكثر من 150 مليون دولار، ما يعكس التحول الكبير في دور المنصات الرقمية.
وفي وقت يواجه فيه لبنان تحديات اقتصادية جسيمة، من انهيار القطاع المصرفي إلى التضخم المفرط ومعدلات البطالة التي تتجاوز 35%، يقدم «تيك توك» نموذجاً جديداً للانتعاش الاقتصادي.
أربعة مسارات رئيسة تشكّل مساهمة «تيك توك» في الاقتصاد اللبناني، من أبرزها التسويق عبر المؤثرين، حيث يتقاضى كبار صناع المحتوى اللبنانيين مبالغ تتراوح بين 100 و10,000 دولار مقابل المنشور الواحد من علامات تجارية محلية ودولية، وذلك بهدف الوصول إلى جمهور واسع عبر المنصة، وفقاً لتقرير نشره موقع «لندن ديلي».
كما تلعب الإعلانات الرقمية دوراً حيوياً في الاقتصاد الرقمي اللبناني، حيث تخصص الشركات الصغيرة والمتوسطة ما بين 15% إلى 30% من ميزانياتها التسويقية للإعلانات على «تيك توك»، لما توفره المنصة من قدرة على الوصول السريع والفعال إلى المستهلكين.
إلى جانب ذلك، أوجد «تيك توك» فرص عمل ثابتة للعديد من العاملين في مجالات مثل التصوير الفوتوغرافي، وتحرير الفيديو، وإدارة المحتوى الرقمي، ما ساهم في توسيع سوق العمل الحرة داخل الاقتصاد غير الرسمي في لبنان.
أخيراً، اتجه عدد متزايد من اللبنانيين إلى استخدام «تيك توك» لريادة الأعمال الرقمية، مثل بيع الدورات التدريبية، وتقديم الاستشارات، وتشغيل المتاجر الإلكترونية، ما ساعدهم على خلق مصادر دخل مستقلة بعيداً عن القنوات الاقتصادية التقليدية.
من أبرز ما يميز التجربة اللبنانية هو اندماج «تيك توك» مع الاقتصاد غير الرسمي، في ظل غياب الخدمات المصرفية التقليدية، حيث يستلم العديد من صناع المحتوى أرباحهم عبر العملات الرقمية مثل «يو إس دي تي» (USDT) أو عبر شبكات دفع بديلة، في وقت تعاني فيه البلاد من شح السيولة والتحويلات المالية المعطلة.
وأشار التقرير إلى أن أكثر من 5,000 وظيفة أصبحت تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على «تيك توك»، سواء من خلال إنتاج المحتوى أم الخدمات الداعمة له، ما يجعله مصدر دخل أساسي لشريحة واسعة من الشباب اللبناني.
تشير عدة حالات إلى التحول الذي فرضه «تيك توك» على الأعمال المحلية، إذ تمكن أحد المخابز في بيروت من مضاعفة طلباته بنسبة 200% خلال ثلاثة أشهر فقط عبر نشر مقاطع فيديو يومية من داخل المطبخ.
كما تمكن العديد من الحرفيين من بيع منتجاتهم مباشرة للمستهلكين من خلال البث المباشر، متجاوزين الوسطاء وأساليب البيع التقليدية، وأفاد نحو 60% من أصحاب العلامات التجارية الصغيرة الذين شملهم استطلاع عام 2024 أن اعتمادهم على «تيك توك» ساهم في زيادة مبيعاتهم بشكل ملحوظ.
رغم هذا النجاح، لا تخلو التجربة من العقبات، إذ أوضح التقرير أن تقلّبات خوارزميات «تيك توك» تشكل خطراً على استدامة الدخل، حيث يمكن لأي تغيير مفاجئ في معدلات الوصول أن يؤدي إلى انهيار أرباح شهرية كاملة.
إضافة إلى ذلك، يواجه المستخدمون صعوبات في عمليات السحب، بسبب القيود المصرفية المحلية، ما يضطرهم إلى اللجوء إلى حلول غير تقليدية مثل المحافظ الرقمية أو الدفع النقدي عبر وسطاء.
خلص التقرير إلى أن لبنان، رغم أزماته، تمكن من تحويل منصة ترفيهية إلى أداة للتوظيف والدخل وابتكار النماذج الاقتصادية الجديدة، في ظل غياب البنى التحتية التقليدية. وبينما تسعى اقتصادات كبرى إلى تعزيز مرونتها الرقمية، تقدم التجربة اللبنانية مثالاً حياً على كيفية استخدام التكنولوجيا لتعويض الفجوات الهيكلية.
وفي وقت تواجه فيه دول أخرى، مثل المملكة المتحدة، تحديات اقتصادية من نوع مختلف، فإن قصة لبنان مع «تيك توك» تطرح تساؤلاً أساسياً: إلى أي مدى يمكن للدول أن تُفعّل الاقتصاد الرقمي كمصدر للاستقرار والنمو في أوقات الأزمات؟