في الوقت الذي لجأت فيه حكومة ميشيل بارنييه إلى تفعيل المادة 49.3 لتمرير مشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي (PLFSS)، ما يعرضها لاحتمال رقابة من أحزاب المعارضة اليوم الأربعاء، لا يزال المستثمرون في الدين السيادي الفرنسي يتابعون بحذر دون التخلي الكامل عن السندات الفرنسية.
بحلول ظهر الأربعاء، استقر معدل الفائدة على سندات الخزانة الفرنسية لأجل 10 سنوات (OAT) عند 2.91%، بينما بلغ الفارق مع نظيرتها الألمانية (Bund) 83 نقطة أساس، أي أقل من 88 نقطة سجلها الاثنين الماضي عند الإغلاق.
وبينما يرى بعضهم أن الدين الفرنسي ما زال يحتفظ بجاذبيته نظراً لمستوى السيولة المرتفع، يعدُّ آخرون أن المستثمرين الأجانب لم يولوا اهتماماً كبيراً بالتعقيدات السياسية والدستورية الفرنسية حتى الآن، وهناك من يرى أن حدوث زيادة مقلقة في الفارق بين سندات OAT الألمانية والفرنسية قد يدفع السياسيين إلى تحمل مسؤولياتهم بشكل مشابه لما حدث في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا سابقاً.
ووفقاً لبيانات بنك فرنسا، يُحتفظ بـ54.6% من الدين العام الفرنسي القابل للتداول، بما في ذلك سندات OAT وسندات الخزينة قصيرة الأجل (BTF)، من قبل مستثمرين أجانب، هذه النسبة ارتفعت من 28% في نهاية 1999 إلى 71% في 2009 قبل أن تتراجع إلى 47.9% في نهاية 2021.
وفي الأشهر الأخيرة، باع المستثمرون اليابانيون وحدهم ما يقرب من 12 مليار يورو من الديون الفرنسية بين يونيو وسبتمبر، وهو مبلغ يعادل إجمالي ما باعوه في عام 2017، وفقاً لتقرير من خبراء في «سوسيتيه جنرال».
تشير التحليلات إلى أن المستثمرين الأجانب غالباً ما يكونون الأكثر حساسية تجاه المخاطر عند تدهور الأوضاع، والأبطأ في العودة عندما تتحسن. في المقابل، يميل المستثمرون المحليون إلى الاستفادة من الفرص خلال فترات ارتفاع العوائد.
وتوضح بيانات صندوق النقد الدولي أن المستثمرين الأجانب من القطاع الخاص كانوا يمتلكون 32.8% من الدين الفرنسي في منتصف 2024، لكن مع بداية الصيف، أصبح من الضروري تعويض الانسحاب الجزئي لهؤلاء المستثمرين بالمؤسسات المحلية، بما في ذلك البنوك.
مع توقف البنك المركزي الأوروبي (ECB) عن إعادة استثمار عائدات السندات في نهاية 2024، ستحتاج فرنسا إلى جذب المزيد من المستثمرين، لا سيما من القطاع الخاص، لتمويل احتياجاتها الضخمة في 2025، وعلى حين أن الاعتماد الكبير على المستثمرين الأجانب يعكس جاذبية الدين الفرنسي، إلا أنه يُظهر أيضاً هشاشة عندما تسوء الظروف الاقتصادية، ويقول ستيفان ديو، مدير في «ألفا كابيتال» إن الاعتماد المفرط على الدائنين الأجانب ليس ميزة، بل نقطة ضعف، على عكس فرنسا، تمكنت إيطاليا من تعزيز استقرارها بفضل اعتمادها بشكل أكبر على المستثمرين المحليين لتعويض انسحاب البنك المركزي الأوروبي.
وفي نهاية 2023، كان 23% من حاملي الدين الفرنسي من المقيمين داخل منطقة اليورو. ومع ذلك، ليس من المؤكد أن هذا التضامن الأوروبي سيستمر في 2025، خاصة مع توقف البنك المركزي الأوروبي عن شراء السندات. في حال وقوع أزمة خطيرة في الدين الفرنسي، يمكن أن تتدخل السلطات السياسية لضمان توفير السيولة اللازمة على المدى القصير، رغم تعقيدات الإجراءات التقنية والسياسية، وتظل فرنسا أمام تحديات كبيرة لضمان استقرار سوق دينها العام وجذب مستثمرين جدد وسط بيئة اقتصادية متقلبة.