logo
اقتصاد

كيف توازن دول الخليج بين استقطاب المواهب الأجنبية وتعزيز «التوطين»؟

كيف توازن دول الخليج بين استقطاب المواهب الأجنبية وتعزيز «التوطين»؟
عمال آسيويون ينتظرون ركوب الطائرة في مطار حمد الدولي ، الدوحة - 12 يونيو 2017المصدر: رويترز
تاريخ النشر:4 مارس 2025, 09:04 ص

رغم سياسات توطين الوظائف التي اعتمدتها دول الخليج منذ سنوات طويلة، فلا تزال العمالة الأجنبية تلعب دوراً حيوياً في دعم القطاعات الإنتاجية والخدمة، وقد وصل عددها اليوم إلى 30 مليوناً بحسب أحدث التقديرات، يشكلون أكثر من نصف سكان دول التعاون الست بحسب مركز الخليج للأبحاث (GRC)، وهو ما يفرض تحديات كبيرة تتمثل في ضرورة إيجاد توازن ما بين الاستفادة من الكفاءات الأجنبية وتمكين القوى العاملة الوطنية، خصوصاً مع تسارع خطط التنويع الاقتصادي والاعتماد على التقنيات الحديثة.

مع تباين أسواق العمالة الأجنبية في منطقة الخليج، من الصعب تحديد حجم مساهمة العمالة الوافدة في النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي، خصوصاً في ظل غياب الإحصاءات الدقيقة والمجمعة في هذا الشأن. لكن مع ذلك، فإن بعض التقديرات تشير إلى أن العمالة الوافدة تسهم بمتوسط يقارب 21% من الناتج المحلي الإجمالي في دول الخليج، مع وجود قطاعات محددة كالبناء والضيافة والخدمات المنزلية والصحة العامة، تصل نسبة المساهمة الاقتصادية فيها إلى 80% و90%.
يقول صلاح الحليان مؤسس مبادرة «بيزات» للتوعية المالية في الإمارات، إن التحدي الرئيس في المنطقة يكمن في إيجاد توازن ملائم بين استقطاب الكفاءات الأجنبية وتحفيز العمالة الوطنية، خصوصاً في ظل المنافسة الإقليمية والدولية المتزايدة.

عدد العمال الوافدين في دول مجلس التعاون الخليجي
عدد العمال الوافدين في دول مجلس التعاون الخليجي المصدر: إرم بزنس

ويضيف أن تبني سياسات توطين متوازنة من شأنه أن يشجع على انتقال الخبرات من الوافدين إلى المواطنين، سواء من خلال برامج تدريبية متخصصة أو منح امتيازات تشمل نظام تقاعد متكامل، بالإضافة إلى سياسات استثمارية تشجع على الاستثمار المحلي على المدى الطويل.

تشير بيانات منصة أنثيسيس Anthesis للاستشارات والحلول السوقية، منتصف فبراير الماضي، إلى أن العمال المهاجرين ينتمون إلى مجموعة متنوعة من الدول، لكن أكبر البلدان المرسلة هي: الهند، وباكستان، وبنغلاديش، ونيبال، والفلبين، وسريلانكا.

أخبار ذات صلة

الخليج يسيطر على نشاط الاندماج والاستحواذ في المنطقة بـ 90 مليار دولار

الخليج يسيطر على نشاط الاندماج والاستحواذ في المنطقة بـ 90 مليار دولار

حصة الوافدين من الناتج

أفادت بعض الإحصاءات عن إسهام العمالة الوافدة بمتوسط يقارب 21% من الناتج المحلي الإجمالي في دول الخليج، ومن الضروري توضيح أن هذه النسبة تُعبر عن حصة دخل الوافدين – أي أجورهم ورواتبهم – وليس عن كامل مساهمتهم في العملية الإنتاجية. 

ففي السعودية، تشكل نسبة أجور الوافدين من الناتج المحلي الإجمالي (7%)، ما يشير إلى أن القطاع النفطي الذي يُدار بيد كوادر وطنية يشكل حوالي 40% من الناتج، بينما يعمل الوافدون في قطاعات مثل البناء والخدمات ذات القيمة المضافة المحدودة. 

بالمقابل، تشكل نسبة أجور الوافدين من الناتج المحلي الإجمالي (52%) في الإمارات، ما يدل على اعتماد اقتصاد كل من دبي وأبوظبي على القطاع الخاص، الذي يُمثّل حوالي 70% من الناتج، حيث يشغل الوافدون حوالي 90% من الوظائف فيه.

 وفي قطر، تبلغ النسبة 16% نظراً لهيمنة قطاع النفط والغاز – الذي يعمل فيه كوادر وطنية – على ما يقارب 50% من ناتجها المحلي، في حين يسهم الوافدون في القطاعات غير النفطية، مثل: البناء والسياحة.

 أما في الكويت، فتبلغ النسبة 12% نتيجة هيمنة الإنفاق الحكومي المدعوم بالنفط (يشكل حوالي 60% من الناتج) وتركيز الوافدين في وظائف منخفضة الأجر. 

ترتفع النسبة في البحرين إلى 26% بسبب مساهمة القطاع الخاص غير النفطي الذي يعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية، بينما تصل النسبة في عُمان إلى 15% بفضل نجاح سياسات «التعمين» في تقليل الاعتماد على الوافدين. 

هذه الفروقات تُظهر أن النسب لا تُعبّر عن التأثير الكامل للوافدين في الإنتاج الاقتصادي، بل تُبرز موقعهم في القطاعات المختلفة.

مساهمة العمالة الوافدة في الناتج المحلي لدول مجلس التعاون
مساهمة العمالة الوافدة في الناتج المحلي لدول مجلس التعاون المصدر: إرم بزنس

الوافدون بحسب القطاعات

تعتمد بلدان الخليج العربي بشكل كبير على المغتربين لتنفيذ مشروعات البنية التحتية والمشروعات الضخمة الأخرى في قطاع الإنشاءات والبناء، وتُوظّف في دولتي الإمارات وقطر بنسب تصل إلى حوالي 100% من العاملين في هذا المجال، كما تشير أحدث الإحصاءات.

وقال نوازش ميرزا، أستاذ المالية في كلية «إكسليا» الفرنسية للأعمال، في تصريحات لموقع «إرم بزنس»، إن نسبة إسهام المغتربين في قطاعات البناء والتصنيع وتجارة التجزئة والضيافة، تصل إلى 33% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الستة.

ويسهم المغتربون بشكل كبير في معدلات الإنفاق الاستهلاكي والتحويلات المالية والاستثمار، فضلاً عن تغذية الطلب على العقارات والخدمات المالية والرعاية الصحية. 

ففي الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، يمثل الاستهلاك الخاص ما يقرب من 40% من ناتجها المحلي الإجمالي، ويعود الكثير منه إلى إنفاق المغتربين. 

بالإضافة إلى ذلك، يساعد المغتربون في سد فجوات المهارات في القطاعات المتخصصة مثل التمويل والطاقة والتكنولوجيا، مما يضمن بقاء منطقة الخليج العربي جذابة للمستثمرين العالميين، وفقاً لميرزا.

الوافدون وحركة التحويلات

لا تقتصر مساهمة العمالة الوافدة على الدور المباشر في الإنتاج والتشغيل، بل يتجلى تأثيرها أيضاً في حجم التحويلات المالية التي تقوم بها هذه الفئة.

 ففي دول مثل الإمارات والسعودية تُقدَّر التحويلات السنوية للعمالة الوافدة بنحو 38–39 مليار دولار، وهو ما يمثل حوالي 4–8% من الناتج المحلي الإجمالي. 

وفي المنطقة كاملة تصل تحويلات العمالة لبلدانهم إلى 120 مليار دولار سنوياً وحصة الدول العربية تبلغ 50 إلى 60 مليار دولار، فمثلاً تستفيد مصر ب 20 مليار دولار سنوياً والهند 50 مليار دولار سنويًا.

ورغم أهمية هذه التحويلات كمؤشر على حجم الدخل الخارج، فإن التقييم الشامل للاقتصاد يعتمد بشكل أساس على مساهمة القطاعات التشغيلية التي تعتمد على العمالة الوافدة؛ ما يجعل تأثيرها في النمو الاقتصادي أوسع وأعمق.

أخبار ذات صلة

السعودية تقرر رفع نسب التوطين في 269 مهنة بالقطاع الخاص

السعودية تقرر رفع نسب التوطين في 269 مهنة بالقطاع الخاص

التوطين.. هل يضر الوافدين؟

رغم سياسات توطين الوظائف في الإمارات والسعودية وقطر والكويت، تظل الحاجة إلى العمالة الوافدة قائمة. هذا ما يعتبره نوازش ميرزا أساس معادلة سوق العمل المستدام، فبالرغم من أهمية جهود التوطين لخلق فرص العمل، فإن المغتربين سيظلون ركيزة أساسية لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يدعمون الإنتاجية والابتكار والتحول الاقتصادي. 

ويرى أن تحقيق التوازن الصحيح بين التوطين ومشاركة المغتربين سيكون أمراً حاسماً للحفاظ على مسار النمو في المنطقة.

في تصريحات لموقع «إرم بزنس» يعتبر الباحث الاقتصادي، نهاد إسماعيل، نشاط المغتربين في المنطقة العمود الفقري لحركة، ونمو الاقتصاد الخليجي.

تسهم العمالة الوافدة بدور محوري في دعم اقتصادات دول الخليج، إذ تشغل نسبة كبيرة من الوظائف، خصوصًا في القطاعات الخدمية والإنشائية. ومع ذلك، يواجه هذا النموذج تحديات متزايدة. فقد أشار إسماعيل في تصريحات لموقع «إرم بزنس» إلى أن تقريرًا للبنك الدولي كشف أن 45% من العمالة الوافدة تعمل في وظائف منخفضة المهارة، في وقت تعاني فيه أسواق العمل الخليجية نقصاً ملحوظاً في الكفاءات المطلوبة بمجالات الابتكار والتقنيات المتقدمة.

وفي ظل هذه الفجوة، تتزايد الحاجة إلى إعادة هيكلة سوق العمل بحيث لا يقتصر دور العمالة الأجنبية على الوظائف التشغيلية فقط، بل يمتد ليشمل مجالات تتطلب مهارات عالية ومعرفة تقنية متقدمة، خصوصاً مع توسع دول الخليج في مشاريع التحول الرقمي والمدن الذكية والطاقة المتجددة.

ويتوقع الخبراء أن تؤثر مجموعة من العناصر في مستقبل العمالة الوافدة، منها برامج تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، إلى جانب انخفاض أسعار الطاقة وما تفرضه من ضغوط على الإنفاق الحكومي.

 كما تلعب سياسات توطين الوظائف واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في إعادة توزيع فرص العمل، ما يفرض على العمالة الأجنبية تطوير مهاراتها لمواكبة هذه التغيرات، أو مواجهة خطر الاستبعاد من سوق العمل.

وفي المقابل، قد تشكل هذه التحولات فرصة للعمالة ذات الكفاءة العالية، مع ازدياد الطلب على الخبرات المتخصصة في مجالات الهندسة، وتحليل البيانات، والبرمجة، وإدارة المشاريع الكبرى. وهنا يصبح رهان دول الخليج على خلق توازن دقيق بين توطين الوظائف وجذب المواهب العالمية من خلال توفير بيئة عمل تنافسية وآمنة جزءًا أساسياً من ضمان استدامة النمو الاقتصادي خلال السنوات المقبلة.

مع مايبدو من فرص ينبه الباحث نهاد إسماعيل، إلى تحديات عدة في هذا السياق؛ فمثلًا خلص تقرير حديث صادر عن البنك الدولي إلى أن 45% من العمالة الوافدة تشغل وظائف منخفضة المهارة، بينما يوجد نقص في الكفاءات بقطاعات الابتكار والتقنيات المتقدمة.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC