في أعقاب اغتيال إسرائيل زعيم حزب الله، حسن نصر الله، عاد صوت المتشدّدين في إيران ليعلو مجدداً مطالبين بإغلاق مضيق هرمز الحيوي لحركة التجارة العالمية وإمدادات النفط. وبات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وحكومته في مرمى الانتقادات؛ بسبب ما وصفه المتشدّدون بـ«التقاعس» عن مواجهة إسرائيل.
عسكرة مضيق هرمز، ورقة دأبت إيران على التلويح بها عند كل تصعيد، ففي عام 2008، هدّد بعض المسؤولين الإيرانيين بالسيطرة على السفن في المضيق. وفي عام 2011، هدّدت إيران أيضاً بمنع إبحار السفن عبر هرمز رداً على العقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما حاولت أخيراً تنشيط جبهة المضيق على خلفية الحرب في غزة، ولجأت إلى الاستيلاء على سفن تجارية قالت إنها مرتبطة بإسرائيل. لكن طهران لم تذهب أبداً أبعد من ذلك.
ومع ارتفاع حدة الصراع في المنطقة، عاد إلى الواجهة التساؤل الشهير: هل ستغلق إيران المضيق؟. هذه الخطوة التي قد تتسبب، إن حدثت، بزعزعة أسواق الطاقة العالمية.
هرمز الواقع بين إيران وعُمان، بعرض 33 كيلومتراً عند أضيق نقطة له، ليس نقطة عبور كغيرها، فمنه يمر خُمس نفط العالم (النفط الخام والمكثفات ومنتجات البترول)، وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، ما يجعله الأهم لناحية أمن الطاقة العالمي. وإذا منعت إيران العبور عبر هرمز، فإن إمدادات النفط ستتأثر على الفور وبشكل كبير، محدثة صدمة عالمية لا سيما في آسيا التي ستطالها التأثيرات بشكل أكثر حدة، فهي تستقبل 80% من النفط الخام والمكثفات التي تغادر الخليج العربي عبر المضيق، خاصة الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، الوجهات الرئيسة له.
الولايات المتحدة، ورغم تقلص اعتمادها على واردات النفط منذ عام 2018 مع زيادة الإنتاج المحلي، تستورد هي الأخرى حوالي 0.7 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات من دول الخليج عبر مضيق هرمز، وهو ما يمثل حوالي 11% من وارداتها من النفط الخام والمكثفات، وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة.
في عام 2022، بلغ متوسط تدفق النفط عبر مضيق هرمز 21 مليون برميل يومياً، أو ما يعادل نحو 21% من احتياجات العالم من السوائل البترولية، كما يعد هرمز أيضاً بوابة خروج لـ20% من تدفقات الغاز الطبيعي المسال، وفقاً لشركة فورتيكسا (Vortexa) المتخصصة في تتبّع تجارة الطاقة. وهذا يجعله نقطة اختناق رئيسة وطريق إمداد لا غنى عنه للأسواق الدولية، ولا يمكن استبداله كلياً في الوقت الراهن.
ومن شأن إغلاق مضيق هرمز تعريض قطاع الشحن وسلاسل الإمداد للخطر. ففي مارس الماضي، مرت 103 سفن تحمل بضائع تزيد حمولتها على 10 آلاف طن عبر المضيق يومياً في المتوسط، وفقاً لـ«لويدز ليست» (Lloyd’s List).
عدم قدرة النفط على عبور نقطة اختناق رئيسة، ولو مؤقتاً، يمكن أن يؤدي إلى تأخيرات كبيرة في التسليم وارتفاع في تكاليف الشحن. هذا يترجم وبشكل آني قفزةً مهولة في أسعار الطاقة العالمية. وعلى الرغم من أنه يمكن تجاوز معظم نقاط الاختناق باستخدام طرق أخرى بديلة ولو كانت أطول، فإن بعض النقاط ليس لديها بدائل عملية.
في حالة هرمز، هناك خيارات محدودة لتجاوزه، فلدى السعودية والإمارات فقط خطوط أنابيب عاملة يمكنها التخفيف من الاعتماد عليه، إذ تدير شركة أرامكو السعودية خط أنابيب النفط الخام شرق-غرب بسعة 5 ملايين برميل يومياً، وقد وسّعت مؤقتاً طاقته إلى 7 ملايين برميل يومياً في عام 2019، عندما حوّلت بعض خطوط أنابيب سوائل الغاز الطبيعي لنقل النفط الخام. أما الإمارات فتربط حقولها النفطية البرية بمحطة تصدير في الفجيرة على خليج عُمان عبر خط أنابيب سعته 1.5 مليون برميل يومياً.
وبالاستناد إلى بيانات تتبّع ناقلات النفط التي نشرتها شركة فورتيكسا (Vortexa)، يتضح أن السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، تنقل كميات أكبر من النفط الخام والمكثفات عبر مضيق هرمز مقارنة بأي دولة أخرى.
لإيران أيضاً خط أنابيب «غوريه-جاسك» (Goreh-Jask) ومحطة تصدير في جاسك على خليج عُمان افتتحتها في عام 2021، لكنها لم تستخدم خط الأنابيب هذا منذ ذلك الحين.
لوّحت إيران بإغلاق مضيق هرمز في الماضي ولم تنفذه، ويرجع ذلك، وفقاً لمعظم التحليلات، إلى اعتماد طهران نفسها على المضيق لتصدير النفط والتجارة البحرية، فهي تضع تبعات ذلك بعين الاعتبار، إذ قد يجر وراءه انتشاراً أكبر للقوات الأميركية يمنع في المقابل السفن التي تحمل النفط الإيراني من مغادرة الخليج، في وقت تعتمد إيران بشكل كامل على عائدات تجارتها النفطية التي تمكنت من الالتفاف على العقوبات الغربية، إذ اقتربت صادرات طهران من النفط الخام في مارس الماضي من المليوني برميل يومياً، وفقاً لبيانات «تانكر تراكرز» (Tanker Trackers).
في الوقت نفسه، ترغب الصين، أكبر مستورد للنفط الخام في العالم والعميل الرئيس لإيران، في خليج مستقر، من أجل الحفاظ على تدفق النفط. ففي مارس الماضي، بلغ إجمالي واردات الصين من النفط الخام والمكثفات حوالي 11.2 مليون برميل يومياً، قرابة نصفها (أي حوالي 5 ملايين برميل يومياً) أتت من الخليج، وفقاً لبيانات «كبلر» (Kpler).
بحسب تحليل لمركز الطاقة العالمي التابع لـ«المجلس الأطلسي»، فإن إيران لن تغلق مضيق هرمز إلا إذا لم يكن ثمة ما تخسره. أما معهد واشنطن فيرى في تقرير له أن لدى طهران وسيلة أخرى لتعطيل حركة الملاحة البحرية والتجارة العالمية لا تضر بمصالحها، من خلال الاستيلاء على السفن التجارية المرتبطة بالخصوم، مثل إسرائيل والولايات المتحدة. مضيفاً أن مثل هذه الإجراءات «يمكنها أن تزيد المخاوف الإقليمية والعالمية، وتمنح إيران نفوذاً أكبر».
وبعدما أصبح احتمال وقوع ناقلات النفط في مرمى النيران أكثر ترجيحاً، يُتوقع أن ترتفع تكاليف التأمين على النفط المنقول عبر الخليج. وسيظل احتمال ارتفاع أسعار النفط في الأمد القريب قائماً، لكن خطر حدوث صدمة في العرض يبقى مرتبطاً بمستوى التصعيد الذي ستختاره طهران.