حالة من الترقب تعيشها الأوساط المصرية لمعرفة القرار الجديد الذي ستتخذه الحكومة بشأن استمرار إيقاف خطة تخفيف أحمال الكهرباء التي تنتهي في 15 سبتمبر الجاري، أو العودة إلى جدولة قطع التيار الكهربائي لساعات محددة يومياً على غرار ما كان يحدث قبل تعليقها في 21 يوليو الماضي.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أعلن قبل شهرين تعليق خطط تخفيف أحمال الكهرباء بدءاً من 21 يوليو الماضي وحتى منتصف شهر سبتمبر الجاري، على أن يتم إصدار قرار جديد لتحديد الموقف من استمرار الإيقاف أو العودة إلى سياسة خفض الأحمال من جديد بعد انتهاء فترة التوقف المؤقت.
وتواجه مصر أزمة متكررة في انقطاع التيار الكهربائي، منذ صيف 2023، ما دفع الحكومة المصرية إلى تطبيق خطة لتخفيف الأحمال تستهدف فصل التيار بدأتها بمدة ساعة في العام الماضي، ثم رفعتها إلى ساعتين يومياً وأحياناً 4 ساعات في هذا الصيف قبل إيقافها مؤقتاً في يوليو الماضي.
ويؤكد عدد من خبراء الطاقة في تصريحات لـ«إرم بزنس» أن الحل النهائي لهذه الأزمة لن يتحقق إلا بتطبيق استراتيجية متكاملة تشمل تحسين كفاءة المحطات وتوسيع نطاق استخدام الطاقة المتجددة.
وبينما تواصل الحكومة جهودها لتأمين الإمدادات اللازمة من الغاز الطبيعي المستخدم في تشغيل محطات الكهرباء بعد تراجع إنتاجها المحلي، يظل الحفاظ على استقرار الكهرباء تحدياً يجب معالجته بتخطيط طويل الأمد وباستثمارات مستدامة في قطاع الطاقة، وفق الخبراء.
وفي حديث لـ«إرم بزنس» أرجع أستاذ هندسة الطاقة والبترول جمال القليوبي، أزمة الكهرباء في مصر إلى عدة عوامل متشابكة تؤثر في قدرة المحطات على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، من أبرزها النقص الحاد في إمدادات الغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه محطات الكهرباء بشكل رئيسي، مما أثر في قدرتها على التشغيل بكفاءة.
هذا فضلاً عن تزايد حجم الطلب على الكهرباء في البلاد، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة استهلاك المنشآت الصناعية والتجارية، بالإضافة إلى النمو السكاني، مما فاقم الضغط على الشبكة القومية للكهرباء، وأدى إلى انقطاعات مستمرة في التيار، بحسب القليوبي.
ويرى القليوبي أن الحكومة واجهت هذه الأزمة بزيادة وارداتها من الغاز المسال خلال الشهرين الماضيين، لضمان استمرار التشغيل بكفاءة وتقليل فترات الانقطاع، لذلك رجح استمرار العمل بتعليق خطة تخفيف الأحمال بعد انتهائها.
وأوضح أن الحكومة المصرية استطاعت خلال موسم الصيف الجاري تأمين وارداتها من الغاز المسال بالاتفاق على توريد 26 شحنة جرى التعاقد عليها للتسليم خلال يوليو وأغسطس وسبتمبر. كما تسعى لشراء 20 شحنة من الغاز الطبيعي المسال بدءاً من شهر أكتوبر المقبل، وذلك قبل بدء فصل الشتاء المقبل لتأمين احتياجاتها في ظل تراجع إنتاجها من الغاز الطبيعي.
رغم الجهود المبذولة لمواجهة انقطاع الكهرباء، تبقى احتمالية عودة خطة تخفيف الأحمال قائمة، خصوصاً في حال استمرار أزمة الوقود، إذ إنه وفقاً لأستاذ هندسة الطاقة سامح نعمان، فإن القدرة على استقرار الكهرباء تعتمد على توفر الوقود، مشيراً إلى أنه إذا نجحت الحكومة في ضمان تدفق مستمر للغاز الطبيعي لتشغيل محطات الكهرباء، فقد يتم تجنب العودة إلى خطة تخفيف الأحمال مرة أخرى.
ويعد اعتماد مصر على واردات الغاز المسال لتشغيل محطات الكهرباء بمثابة حل مؤقت، إذ يرى نعمان أنه يجب أن تكون هناك حلول شاملة ومستدامة، مثل زيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة من الشمس والرياح، لتقليل الاعتماد على الغاز ومحطات الطاقة التقليدية والضغط على موارد العملة الأجنبية.
ويضيف على ذلك ضرورة تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الطاقة سواء التقليدية أو المتجددة بتقديم حوافز للمستثمرين في هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي لدعم نموه وتوفير الطاقة بأسعار معقولة لا سيما، وأن مصر تتمتع بمقومات طبيعية تساعدها على التوسع في الطاقة المتجددة.
بدوره، يرى مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية عبدالمنعم السيد، أن أزمة الكهرباء في مصر تعكس تحديات هيكلية تتعلق بإمدادات الوقود والغاز الطبيعي، وليس بعدد المحطات وحجم إنتاج الكهرباء في البلاد.
وأوضح السيد، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن الدولة استطاعت خلال السنوات العشرة الماضية، أن ترفع حجم إنتاجها من الكهرباء بزيادة عدد المحطات بمختلف أنحاء الجمهورية، حتى وصل حالياً إجمالي قدرة الشبكة القومية للكهرباء إلى 56 ألف ميغاوات، بينما تقدر احتياجات المواطنين منها بحد أقصى 35 ألف ميغاوات خلال أشهر الصيف وحوالي 22 ألف ميغاوات خلال أشهر الشتاء، مما يعني أن هناك وفرة في حجم إنتاج الكهرباء.
وشدد السيد على ضرورة أن تعتمد الدولة على مصادر الطاقة المتجددة للتغلب على أزمة انقطاع الكهرباء التي نتجت عن تراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي المستخدم في تشغيل المحطات، كما أن الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة يمكن أن يسهم في تقليل فاتورة استيراد المحروقات وتحقيق الاستدامة.
وتستهدف الحكومة زيادة إنتاج الطاقة المتجددة بنحو 42% بحلول عام 2035، بالإضافة إلى تعظيم إجراءات كفاءة الطاقة بهدف ترشيد الاستهلاك في كافة القطاعات بنسبة 18% حسب تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية للرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة حسام هيبة.
ورجح مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن تعود خطة تخفيف الأحمال مرة أخرى بدءاً من منتصف الشهر الجاري، ولكن على أن يتم قطع التيار لمدة ساعة يومياً حسب الجدول الذي ستعلنه وزارة الكهرباء، وليس ساعتين مثلما كان يطبق قبل قرار الإيقاف المؤقت في 21 يوليو مع استمرار استثناء المناطق الاستراتيجية من سياسة تخفيف الأحمال.
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء المصرية أيمن حمزة، في حديث لـ«إرم بزنس» إنه لم يصدر حتى الآن أي قرار بشأن عودة تفعيل العمل بخطة تخفيف الأحمال مرة أخرى أو مد قرار التعليق المؤقت الذي أعلنه رئيس الوزراء في الأسبوع الأول من شهر يوليو الماضي إلى حين البت النهائي وصدور قرار جديد من مجلس الوزراء، مؤكداً أن الوزارة بصدد الانتظار لصدور أي قرارات أو تعليمات جديدة للبدء في تطبيقها.