توقعات باستثمار 17 مليار دولار في تطوير الحقول المنتجة وإعادة تأهيلها وإعادة فتح الآبار المغلقة
تمضي ليبيا بخطى متسارعة في تنفيذ خطة غير مسبوقة لمضاعفة إنتاج النفط، المصدر الرئيس لإيرادات البلاد، إذ تتطلع من خلالها للوصول بحجم الإنتاج إلى 1.4 مليون برميل يومياً بنهاية 2024، ثم إلى مليوني برميل في 2027، وذلك عبر مسارات تطوير وطرح عطاءات جديدة للاستكشافات النفطية للمرة الأولى منذ 16 عاماً. ويأتي كل ذلك في ظل تحديات اقتصادية وسياسية تبقى مكانها منذ أكثر من عقد.
يقول خبراء مطلعون لـ"إرم بزنس"، بينهم مسؤول في القطاع الحكومي، إن زيادة إنتاج النفط الليبي دونها تحديات كبيرة، لعل من أبرزها ما واجهته الخطط السابقة من عرقلة لعمليات صيانة الآبار، وتردي الأوضاع الأمنية، وغياب الدعم المالي للقطاع والاستثمارات، وإن كانت الخطة الحالية التي وضعتها "المؤسسة الوطنية للنفط"، والتي تستمر حتى عام 2027، قد تجد دعماً من حالة "الاستقرار النسبي" التي تشهدها البلاد اليوم، وكذلك استئناف طرح العطاءات بشأن الاستكشافات النفطية في البلاد قبل نهاية العام الجاري.
تمتلك ليبيا أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في أفريقيا، والمقدرة بنحو 48.4 مليار برميل، تعادل 3.9% من إجمالي احتياطيات منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، وهو ما يضعها في المركز السابع على مستوى دول المنظمة، بحسب التقرير السنوي لـ"أوبك".
وقد سجلت معدلات الإنتاج النفطي الليبي، حتى الأسبوع الماضي، نحو 1.27 مليون برميل يومياً، بحسب إحصاءات "المؤسسة الوطنية للنفط"، فيما كانت قد بلغت أعلى مستوياتها قبل إسقاط نظام معمر القذافي عام 2011، عند نحو 1.6 مليون برميل يومياً.
التحديات الراهنة أمام زيادة الإنتاج كانت قد أشارت إليها المجموعة العالمية لأبحاث واستشارات الطاقة "وود ماكنزي"، في تقرير نشر أواخر 2023، إذ قالت إن خطط مضاعفة إنتاج الخام تمثل تطلعات طموحة، لكنها تواجه تحديات. وأضافت أن إنتاج مليوني برميل من النفط الخام يومياً هو هدف ليبي قائم منذ نظام معمر القذافي، لكن نادراً ما تجاوز إنتاج البلاد 1.7 مليون برميل يومياً، لا بل إن إبقاء مستوى الإنتاج فوق 1.2 مليون برميل يومياً، واجه صعوبات كبيرة منذ عام 2011.
تعاني صناعة النفط في ليبيا، مثل باقي القطاعات الاقتصادية، من استمرار حالة الانقسام السياسي بين حكومتين، إحداهما في شرق البلاد، المنطقة التي تضم نحو ثلاثة أرباع الطاقة الإنتاجية للنفط في البلاد، وأخرى في غربها، دون وجود أي أفق لانتخابات أو تسوية سياسية. ويضاف إلى ذلك، التهديد بعودة الإغلاقات وعدم الإنجاز في إصلاح وتطوير البنية التحتية القديمة، في ظل عدم ضخ استثمارات يحتاج إليها القطاع لإصلاح المرافق والمصانع القديمة، وبقاء الشروط المالية القديمة الخاصة بمنح التراخيص المتوقفة منذ 2007 على حالها.
ووفق مسؤول في "المؤسسة الوطنية للنفط" في ليبيا، والذي طلب عدم نشر اسمه؛ لأنه غير مخول له الحديث للإعلام، إن الخطة التي بدأ تنفيذها في 2022 للوصول بحجم الإنتاج إلى مليوني برميل يومياً بحلول 2027، انطلقت مع تعيين فرحات بن قدارة، الذي كان محافظاً للبنك المركزي قبل 2011، رئيساً للمؤسسة في يوليو من ذلك العام.
وأضاف أن الخطة تستهدف حفر آبار جديدة، وإنشاء خطوط أنابيب بدلاً من تلك المتهالكة، مع تعظيم الاستكشافات في مناطق جديدة وتطوير وإصلاح البينة التحتية. وكشف عن دراسة جارية حالياً بشأن الإعلان عن طرح جولة عطاءات جديدة بشأن الاستكشافات قبل نهاية العام. وقال: "في حال نجاحها -إذا ما استمرت حالة الاستقرار الراهنة بشكل دائم- فستتمكن ليبيا خلال السنوات المقبلة من تتجاوز مستوى 2 مليون برميل يومياً، بل وبلوغ مستويات أعلى".
خلال أبريل الماضي، أكد وزير النفط والغاز الليبي المكلف، خليفة عبد الصادق، دعمه لهذه الخطة، وقال إن بلاده تستهدف زيادة إنتاجها من النفط إلى 1.4 مليون برميل يوميا بنهاية 2024، من 1.2 مليون برميل حالياً، وفق خطة طموحة أعلنتها "المؤسسة الوطنية الليبية للنفط"، للوصول إلى 2 مليون برميل بنهاية 2027.
كما توقع الوزير تخصيص استثمارات بقيمة 17 مليار دولار في قطاع الطاقة، على أن يكون جزء من هذه الاستثمارات لتطوير الحقول المنتجة للنفط وإعادة تأهيلها، وإعادة فتح الآبار المغلقة.
في حديث إلى "إرم بزنس"، قال وزير الدولة لشؤون الاقتصاد السابق في حكومة عبد الحميد الدبيبة، سلامة الغويل، والذي يرأس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الليبي، إن تحقيق تطلعات خطط مضاعفة إنتاج النفط "أمر ممكن إذا ما تحقق شرط أساس، وهو استقرار ليبيا وإنهاء الانقسام". وأضاف أن الأمر يتطلب أيضاً مواجهة تحديات تطوير البنية التحتية، وتوفير الموارد المالية لتعظيم الإنتاج.
من شأن "الاستقرار النسبي الحالي"، في ليبيا، أن يعزز من تطبيق الخطة في السنوات المقبلة، وزيادة الاستكشافات النفطية مع إقبال دول وشركات على ضخ استثمارات جديدة، بحسب رئيس المجلس الليبي للنفط والغاز والطاقات المتجددة، خالد بن عثمان.
قال رئيس مجلس النفط لـ"إرم بزنس": "العطاءات الجديدة ستُطرح في نوفمبر أو ديسمبر المقبلين، وهذا مهم ويجعل الخطة الحالية مختلفة عما قبلها وقابلة للتنفيذ". وأضاف أن الاستقرار النسبي أيضاً، يساعد على تطوير وصيانة الآبار بمعدلات أكبر، وهو ما يشجع على عودة الشركات والدول للاستثمار في قطاع النفط. "كل ذلك يقرّب نجاح الخطة النفطية وتجاوز التحديات، خاصة مع استمرار حالة الاستقرار في البلاد".
يبقى أن خطة التوسع في إنتاج النفط، تفتقر حتى الآن إلى منهجية واضحة بشأن مصادر التمويل، بحسب ما قاله الخبير النفطي الليبي، محمد الشحاتي، لـ"إرم بزنس". وأضاف: "الشفافية مهمة بالنسبة إلى أسواق المال الدولية، وأيضاً مصادر التمويل المحلية". وأضاف: "لم يُعلن حتى الآن من قبل أي سلطة تشريعية أو تنفيذية، عن إقرار مثل تلك المنهجية لحجز المبالغ المطلوبة للاستثمار".
قال الشحاتي: "لا يختلف الوضع اليوم عمّا كان عليه في السابق. معضلة توفير الاستثمارات المالية اللازمة لتنفيذ الخطة، لا تزال تراوح مكانها منذ سنوات عديدة".