logo
طاقة

رفع الدعم عن الوقود في ليبيا.. أسواق الظل في ورطة

رفع الدعم عن الوقود في ليبيا.. أسواق الظل في ورطة
مرسى البريقة النفطي في ليبيا يوم 24 سبتمبر 2020المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:6 يناير 2025, 11:59 ص

للتصدي لظاهرة تهريب الوقود المدعوم إلى خارج ليبيا، والتي تكلّف الاقتصاد الوطني نحو 750 مليون دولار سنوياً، وافقت حكومة الشرق الليبي في بنغازي على مقترح رفع الدعم عن الوقود، وبدأت البحث في آليات تنفيذه، مما يضيف خطوة جديدة لموقف حكومة «الوحدة الوطنية» في طرابلس التي كانت قد أعلنت عن نيتها طرح مسألة رفع الدعم في استفتاء لم يُنفذ بعد.

وفي حديثهم لـ«إرم بزنس»، أكد خبراء اقتصاديون ليبيون أن تعديل دعم الوقود أصبح أمراً لا بد منه، من أجل مواجهة أسواق الظل وتهريب الوقود الذي يتسبب في خسائر ضخمة للاقتصاد. وأشاروا إلى ضرورة أن يتم الرفع بشكل تدريجي على مدى عامين أو ثلاثة، مع تفعيل نظام البطاقة المدعومة كشرط وحيد للاستفادة من الوقود المدعوم، لتجنب أي أضرار قد تلحق بالشرائح الأكثر احتياجاً.

نزيف

سجلت ليبيا رقماً استثنائياً كثاني أرخص دولة في سعر البنزين محلياً، إذ يباع اللتر الواحد بـنحو (0.031 دولاراً) في المتوسط، فيما لم تصل أي دولة أخرى منتجة للنفط في إفريقيا لسعر يعادل أو يزيد على المتوسط العالمي البالغ 1.24 دولاراً للتر الواحد، بحسب تقرير لمنصة «غلوبال بترول برايس»، المهتمة بتعقب أسعار بيع البنزين بالتجزئة في جميع دول العالم.

وبحسب معلومات حديثة نشرتها وكالة الأنباء الليبية الرسمية تستورد الدولة الوقود بنحو 3.5 دينار (0.71 دولاراً) للتر الواحد، وتبيعه بـ0.15 ديناراً، ويُهَرَّب للخارج لاسيما بدول الجوار بأسعار مضاعفة.

وفي نوفمبر الماضي، كشف وزير الداخلية بحكومة «الغرب»، عماد الطرابلسي، أن التهريب يعد «السبب الرئيس» لأزمة شح الوقود المتكررة بالبلاد، كاشفاً أن سعر برميل الوقود المدعوم يباع بنحو 120 ديناراً (نحو 24 دولاراً) في السوق السوداء بمنطقة الجنوب بزيادة تصل إلى 30%.

ويعاني أهالي الجنوب من نقص الوقود داخل المحطات الرسمية، مقابل توفرها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، كما يشتكون من ازدياد وتيرة التهريب عبر الحدود الجنوبية.

وظهرت شبكات تهريب الوقود المدعوم بشكل لافت عقب الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، واشتدت بعد انقسام ليبيا في 2014 بين سلطتين إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب، وتسببت في خسارة خزينة الدولة 750 مليون دولار سنوياً، بحسب تقديرات منظمة «ذا سنتري» المعنية بالتحقيقات الاستقصائية.

أخبار ذات صلة

ليبيا.. إنتاج النفط يتجاوز 1.4 مليون برميل يومياً في 2024

ليبيا.. إنتاج النفط يتجاوز 1.4 مليون برميل يومياً في 2024

حزمة إصلاحات

ولمواجهة هذا النزيف، أعلنت حكومة شرق ليبيا، برئاسة أسامة حماد في بيان أواخر ديسمبر الماضي، الموافقة على مقترح رفع الدعم عن الوقود، وإعداد آلية مناسبة لتنفيذ هذا الإجراء، وذلك عقب اجتماع في بنغازي، بعد أقل من عام على إعلان الدبيبة، في يناير 2024، أنه سيطرح مسألة رفع الدعم عن الوقود في استفتاء عام، دون تنفيذ.

وإزاء الجدل بشأن رفع الدعم، كشف وزير التخطيط والمالية المكلف بحكومة الشرق أحمد مرتضى، في تصريحات إعلامية، وقتها، أن اجتماع الحكومة مع إدارة المصرف المركزي كان تشاورياً، واستعرض حزمة إصلاحات مقدمة من المصرف المركزي من ضمنها تصحيح سعر دعم الوقود، وليس رفع الدعم عن الوقود.

فيما تكشف بيانات البنك المركزي الليبي، أن تكلفة دعم الوقود في ليبيا خلال فترة أول 11 شهراً من العام 2024 وصلت إلى 12.8 مليار دينار ليبي.

غير أن وسائل إعلام ليبية نقلت عن مصدر من المجلس الرئاسي قبل أيام أن رئيس المجلس محمد المنفي كلف مجموعة من الخبراء لإعداد حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية استعداداً لطرحها على الاستفتاء الشعبي، تتضمن «استبدال مخصصات دعم الوقود والكهرباء التي تجاوزت 90 مليار دينار بدعم نقدي مباشر يحال إلى حسابات المواطنين عبر المصرف المركزي على غرار منح الأسرة بواقع 12000 دينار سنوياً لكل فرد».

وتعتمد ليبيا على استيراد كميات كبيرة من البنزين المكرر وإعادة بيعه في السوق المحلية، بأسعار مدعومة للغاية بينما يستفيد المهربون من فارق السعر، حيث يحولون كميات كبيرة من البنزين المدعوم إلى السوق السوداء والدول المجاورة.

أبرز أماكن التهريب

رئيس منتدى بنغازي للتطوير الاقتصادي والتنمية، خالد بوزعكوك، قال لـ«إرم بزنس»، إن الوقود المدعوم بليبيا يعاني من أزمة التهريب عبر أسواق الظل، وتعد مالطا وإيطاليا من أكبر الدول الأوروبية التي يلجأ المهربون إليها، خاصة أن التعامل فيها مربح باليورو، فضلاً عن تشاد وتونس، موضحاً أن هناك أنفاقاً عثر عليها على حدود ليبيا وتونس تستخدمها سيارات تهريب الوقود المدعوم، مما يكلف الدولة الليبية خسائر مليارية.

ويوضح أن الوقود من ضمن أمور أخرى تستوردها ليبيا، وهذا يكلف خزينة الدولة أعباء كبيرة في ظل عدم وصول الدعم لمستحقيه وتبديده عبر التهريب، موضحاً أهمية أن يكون تصحيح أو رفع الدعم المنتظر ضمن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية المدروسة لترميم التشوهات.

وطالب بوزعكوك أن يترافق ذلك الرفع المحتمل أو التصحيح مع التزام الحكومات بترشيد المصروفات وتقليصها والحد من الإنفاق، مستدركاً: «وإلا ذهب ما سوف يتم توفيره من أموال نتيجة رفع الدعم، ويدفع المواطن الضريبة الباهظة من قوته».

وإلى جانب هذه المقترحات، يرى بوزعكوك، أهمية ترشيد الاستهلاك في الوقود، ووصفه بأنه «شيء إيجابي»، داعياً إلى أن «يكون ذلك بالتدرج خاصة في ظل أن أغلب المدن والقرى الليبية تفتقد لخدمات المواصلات العامة والخاصة التي تخفف فاتورة التجول والازدحام المروري».

ويتوقع أن يرتفع «السعر الحالي للوقود المدعوم الذي يقدر بنحو 15 درهماً للتر الواحد الفترة المقبلة»، متوقعاً أن يقترب من الدينار حال تصحيح أو رفع الدعم، غير أنه يرى أن ذلك «لن يوقف التهريب خارج الحدود، لكن قد يحد منه».

أخبار ذات صلة

تحديات الإصلاحات الاقتصادية في ليبيا.. بين الحوكمة والسياسة النقدية

تحديات الإصلاحات الاقتصادية في ليبيا.. بين الحوكمة والسياسة النقدية

رفع تدريجي

وفي حديث لـ«إرم بزنس»، يؤكد خالد بن عثمان، رئيس المجلس الليبي للنفط والغاز والطاقات المتجددة، أن رفع الدعم عن الوقود يحتاج وقتاً، كاشفا أن هناك دراسة حكومية حالية تضم مقترحات في كيفية رفع الدعم عن الوقود تدريجياً.

وبرأي بن عثمان، فإنه لن يرفع الدعم عن الوقود في ليبيا بين ليلة وضحاها، متوقعاً أن يتم هذا الأمر بين عامين و3 سنوات قادمة، دون أن يؤثر في المواطنين، مقابل تسليم الليبيين بطاقات تعبئة الوقود المدعوم.

ويعتقد رئيس المجلس الليبي للنفط والغاز والطاقات المتجددة (غير حكومي) أن تنفيذ رفع الدعم عن الوقود في ليبيا «سيشدد الخناق على عمليات تهريب الوقود المدعوم لدول الجوار، وسيزيد من ورطة هؤلاء المهربين مع إحكام إجراءات المواجهة الحكومية والاستعانة بالطاقة المتجددة بالسيارات الكهربائية وما شابه لتخفيف أزمة الوقود».

ومن الصعب توقع أن يرى قرار رفع الدعم النور في ظل الانقسام السياسي والحكومي والمؤسسي القائم حالياً في البلد بين حكومتين، وفق تقدير وكيل وزارة المالية والتخطيط الليبي سابقاً، إدريس الشريف، في حديث لـ«إرم بزنس»، مؤكداً أن دعم المحروقات تحول لعبء ثقيل يستنزف بشكل متزايد موارد الدولة المالية وصل إلى نصف إيرادات النفط بعد استخدام نظام مبادلة النفط الليبي بالوقود المستورد (منذ 2021)، وفقاً لبيانات حكومية.

وفي يوليو 2024، قال البنك المركزي الليبي، إن إيرادات النفط التي تمثل نحو 98% من النشاط الاقتصادي والمصدر الرئيس للدخل، سجلت 37 مليار دينار، في النصف الأول من عام 2024، مرتفعة عما سجلته عام 2023 بنحو 99.1 مليار دينار ليبي مقارنة بـ105.4 مليار دينار ليبي في عام 2022.

ويقترح الشريف أن يتم وقف نظام المبادلة أولاً قبل تطبيق رفع الدعم عن الوقود لمزيد من الرقابة والشفافية مع إلزام مؤسسة النفط بتحويل كامل إيراداتها للمصرف المركزي، مع زيادة جهود منع التهريب، مشدداً على أن تطبيق أو تصحيح رفع الدعم بمفرده لن يضع حداً للتهريب المنظم ولا للنزيف في موارد النفط.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC