تتخذ مصر خطوات استراتيجية لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، في خطوة لا تستند فقط إلى أهداف بيئية، بل لمتطلبات اقتصادية ملحة، في ظل تسارع التحول العالمي نحو مستقبل أكثر استدامة.
ويترسخ هذا التحول في استراتيجية الطاقة المستدامة المتكاملة 2035، ويهدف إلى إعادة تشكيل مشهد الطاقة في البلاد، بما يسهم في استقرار الاقتصاد من خلال الحفاظ على احتياطيات العملة الأجنبية.
وفي قلب التحول في قطاع الطاقة في مصر، هناك التزام واضح بالمصادر المتجددة، حيث تهدف استراتيجية الطاقة المستدامة المتكاملة (ISES)، إلى إنتاج 42% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2035.
كما عدّلت مصر هدفها للطاقة المتجددة لعام 2040، ليصبح 40% بدلاً من الهدف السابق البالغ 58%، في وقت تسعى فيه لتحقيق أمن الطاقة والاستقرار الاقتصادي.
وتفاقمت التحديات الاقتصادية في مصر نتيجة لارتفاع تكاليف دعم الوقود، ففي السنة المالية 2023/2024، ارتفعت قيمة دعم الوقود بنسبة 31% لتصل إلى 165 مليار جنيه، ما يشكل عبئاً كبيراً على الموارد الوطنية، والميزانية العامة وتعزز العجز المالي.
في هذا السياق، تسعى مصر من خلال تقليل واردات الوقود والتحول نحو الطاقة المتجددة، إلى التخفيف من هذه الأعباء المالية وتعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل، إذ تمثل واردات الوقود حالياً نحو 30-35% من إجمالي استهلاك المنتجات البترولية في مصر.
ولتقليل الاعتماد على الواردات المكلفة، تخطط مصر لزيادة إنتاج الوقود المحلي بدءاً من عام 2025.
وأبرمت وزارة البترول والثروة المعدنية، عقوداً مباشرة مع الدول الخارجية، لتأمين إمدادات الوقود، بما في ذلك عقود قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، إضافة إلى تقديم حوافز للشركات النفطية الدولية لجذب الاستثمارات وتعزيز إنتاج الطاقة المحلية لمواجهة التحديات في القطاع.
بالإضافة إلى ذلك، أحرزت مصر على مدار العقد الماضي، تقدماً ملحوظاً في مجال الطاقة المتجددة، حيث تمتلك بعضاً من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية والرياح في العالم، ما يعزز موقعها كقائد إقليمي في إنتاج الطاقة النظيفة.
ويعد مشروع «بنبان» للطاقة الشمسية في أسوان، الذي تبلغ تكلفته 2 مليار دولار، من أبرز هذه المشاريع، حيث يمتد على 37 كيلومتراً مربعاً ويولد 1.8 غيغاواط من الكهرباء، وهي كمية كافية لتوفير الطاقة لمئات الآلاف من المنازل.
مشروع «بنبان» جعل من مصر إحدى أبرز الدول في إفريقيا في إنتاج الطاقة الشمسية، كما أن طاقة الرياح في مصر قد شهدت نمواً ملحوظاً، حيث يعد مشروع مزرعة الرياح في خليج السويس، التي تبلغ قدرتها الإنتاجية 580 ميغاوات، شهادة على التوسع في طاقة الرياح.
وأفادت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، مؤخراً، بأن مساهمة طاقة الرياح في الشبكة الوطنية قد نمت بنسبة 15% في عام 2023 فقط، الأمر الذي يبرز النمو السريع لهذا القطاع.
ويحظى التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة بفوائد اقتصادية متعددة بالنسبة لمصر، فمع زيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة، بدأت البلاد بالفعل في تقليص العبء المالي الناتج عن واردات الوقود.
وبلغت واردات مصر من الوقود في الأشهر العشرة الأولى من عام 2024، أكثر من 12.5 مليار دولار، بزيادة 19% عن الفترة نفسها في العام السابق (10.5 مليار دولار).
ومع تقدم مشاريع الطاقة المتجددة، من المتوقع أن تتراجع واردات الوقود، ما يوفر مبلغاً كبيراً من الجنيه المصري سنوياً، وفق مراقبين.
بالإضافة إلى ذلك، يساهم قطاع الطاقة المتجددة في مصر في خلق وظائف جديدة وجذب الاستثمارات الأجنبية، ففي عام 2023 فقط، جذب القطاع استثمارات بلغت 4.3 مليار دولار، وهي زيادة كبيرة مقارنة بـ2.8 مليار دولار في عام 2020.
وتعد هذه الاستثمارات أساسية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي لمصر، ما يجعلها مركزاً إقليمياً للطاقة النظيفة.
كما أن الشراكات مع الشركات العالمية، مثل الاتفاقية التي أبرمتها مصر مع الدنمارك لتطوير مشروعات طاقة الرياح، تؤكد ثقة المجتمع الدولي في رؤية مصر للاستدامة.
ورغم هذه الإيجابيات، يواجه التحول في قطاع الطاقة في مصر، العديد من التحديات؛ فالبنية التحتية القديمة للقطاع تحتاج إلى تحديثات كبيرة لاستيعاب الطاقة المتجددة التي تتمتع بمرونة متغيرة، ما يتطلب حجماً كبيراً من التمويل.
لمواجهة هذه التحديات، تستكشف الحكومة المصرية، نماذج تمويل مبتكرة، فالسندات الخضراء، التي تم إصدارها في عام 2020 لجمع 750 مليون دولار، ساهمت في تمويل مشاريع الطاقة النظيفة مثل النقل المستدام والتنمية الحضرية.
كما تلعب الشراكات بين القطاعين العام والخاص دوراً أساسياً في دفع مشروعات الطاقة المتجددة قدماً، حيث ساعد التعاون مع شركات مثل «سيمنس» و«سكاتيك» على تسريع مبادرات الطاقة في مصر.
في مارس 2023، أعلنت مصر، خططاً لبيع حصص في أكثر من 40 شركة في مجالات متنوعة، بما في ذلك محطات طاقة الرياح والطاقة المتجددة في مناطق البحر الأحمر وأسوان.
ويشمل ذلك محطات الخليج السويس، و«كوم أمبو»، و«جبل الزيت»، التي تعد من أكبر محطات طاقة الرياح في مصر وإفريقيا.
وتهدف هذه الجهود إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتقليل العبء المالي على الحكومة.
من جهة أخرى، يحمل التحول في قطاع الطاقة في مصر، تأثيرات تتجاوز حدود البلاد، ولا سيما مع زيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة، إذ تعمل مصر على أن تصبح مصدراً رئيساً للطاقة للدول المجاورة.
ووقعت مصر اتفاقية لتوريد الكهرباء إلى السودان في عام 2022، وهي بصدد التفاوض لربط شبكتها الكهربائية مع أوروبا عبر اليونان.
ولا تقتصر هذه المبادرات على تحقيق الإيرادات فحسب، بل تعزز أيضاً من تأثير مصر الجيوسياسي، وتدعم مكانتها في السوق العالمية للطاقة.
ورغم ذلك، فإن تحول الطاقة في مصر، هو مسعى معقد وعالي المخاطر، له تبعات إيجابية على البيئة والاقتصاد والمجتمع.
والنجاح في هذا التحول لن يسهم فقط في استقرار الاقتصاد المصري، بل سيضع البلاد في مقدمة الدول الرائدة في مجال الاستدامة على مستوى العالم، وفق مراقبين.
في هذا السياق، قال محمد راشد منصور، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات الحلول البيئية في مصر، لـ«إرم بزنس»، إن «سياسة التحول في مجال الطاقة ليست مجرد فرصة اقتصادية، بل هي مسؤولية وطنية تقع على عاتق مجتمع الأعمال».
منصور مضى موضحاً: «أعتقد اعتقاداً راسخاً أن مصر لديها كل الإمكانات لتصبح مركزاً إقليمياً للطاقة المتجددة قريباً، خاصة مع وجود إرادة سياسية واضحة ودعم دولي ملموس».
لكنه عدد مقترحات بعينها يمكن أن تدفع تحول الطاقة في مصر إلى الأمام، إذ قال: «نحن بحاجة إلى المزيد من الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، فالقطاع الخاص يمكن أن يؤدي دوراً أكبر إذا تم توفير حوافز استثمارية إضافية، وإذا تم تبسيط إجراءات الترخيص والتمويل».
قبل أن يضيف: «كما أننا بحاجة إلى التركيز على التكنولوجيا والابتكار لزيادة كفاءة هذه المشاريع إلى أقصى حد وتقليل التكاليف التشغيلية».