تواجه الأهداف المناخية لقطاع الطيران تحديات كبيرة نحو الوصول إلى الحياد الكربوني ودعم التحول نحو استخدام الهيدروجين والوقود المستدام بدلاً من التقليدي للحد من الأثر البيئي لحركة النقل الجوي.
ويُعد وقود الطائرات المستدام بديلاً صديقاً للبيئة عن الكيروسين الأحفوري المستخدم في تشغيل محركات الطائرات النفاثة، ويتم إنتاجه من مصادر متنوعة تشمل زيوت النفايات، والدهون الحيوانية، ومحاصيل السكر، ما يجعله خياراً واعداً للحد من الانبعاثات الكربونية في قطاع الطيران.
ويتسبب قطاع الطيران الأكثر استهلاكاً للطاقة في نحو 3% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية عالمياً، ومع الزيادة السنوية في أعداد المسافرين جواً، يصبح النقل الجوي من أكثر القطاعات صعوبة في خفض الانبعاثات.
ومع سعي صناعة الطيران العالمية لتحقيق هدف منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) المتمثل في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، يطالب دعاة حماية البيئة بضرورة التوسع في الطيران الأخضر.
والطيران الأخضر هو مصطلح يُستخدم لوصف الابتكار والتكنولوجيا اللذين يساهمان في جعل الرحلات الجوية أكثر كفاءة واستدامة من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية واستهلاك الوقود وتقليل الضوضاء.
ولتحقيق هذه المستهدفات، تتسارع الجهود العالمية للابتكار في تقنيات تشغيل الطائرات، ولكنها تقابل بتحديات كثيرة، منها الحاجة إلى استثمارات ضخمة وتقنيات متطورة، فضلاً عن ارتفاع تكاليف إنتاج الوقود المستدام.
ويرى رئيس الشركة المصرية العالمية للطيران أحمد إسماعيل، أن التخلص من الكربون في الطائرات التجارية، يُعدّ تحدياً عالمياً كبيراً، إذ يعتمد ذلك بشكل كبير على تطوير وقود الطيران المستدام، الذي يمكن أن يقلل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 80%.
ويؤكد إسماعيل في حديثه مع «إرم بزنس» أن الاعتماد على وقود الطيران المستدام لا يزال محدوداً؛ بسبب تكاليف إنتاجه المرتفعة وندرة إمداداته، ما يجعله لا يمثل سوى 0.1% من إجمالي استهلاك وقود الطائرات حالياً.
وفي يونيو الماضي، توقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) أن يزيد إنتاج الوقود المستدام بنحو ثلاثة أضعاف في العام 2024، مقارنة بالعام السابق.
وخلال العام 2024، تم إنتاج 1.9 مليار لتر من الوقود المستدام، ما يشكل 0.53% من حاجات وقود الطيران خلال العام ذاته. بينما سيحتاج القطاع لاستهلاك 450 مليار لتر بحلول منتصف القرن الحالي، وفق (IATA).
ويعتقد رئيس المصرية العالمية للطيران أن التحديات الخاصة بالتقنية والتكاليف المرتفعة ستظل عائقاً أمام الشركات المصنعة للطائرات للوفاء بالتزاماتها نحو تحقيق مستهدفات منظمة الإيكاو.
هذه التكاليف المرتفعة أجبرت شركة «إيرباص»، عملاق صناعة الطائرات في أوروبا، على إرجاء خططها لتطوير طائرة تجارية تعمل بوقود الهيدروجين، بسبب تباطؤ تطور هذه التقنية، بعدما كانت تستهدف إنجاز المشروع بحلول منتصف العقد المقبل.
وبحسب «إيرباص»، يمتلك الهيدروجين إمكانات هائلة ليصبح مصدر طاقة قادراً على إحداث تحول جذري في قطاع وقود الطائرات، ولكن تطوير نظام متكامل لإنتاجه، بما في ذلك البنية التحتية اللازمة وسلاسل التوزيع، يمثل تحدياً يتطلب تعاوناً دولياً واستثمارات ضخمة.
ورغم عدم إعلان إيرباص عن جدول زمني جديد للمشروع، ذكر اتحاد العمال «فورس أوفريير» أن موظفي الشركة أشاروا إلى تأجيل الخطة لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات مقارنة بالموعد المستهدف سابقاً في عام 2035.
بدوره، يقول رئيس جهاز شؤون البيئة المصري علي أبوسنة، في حديثه مع «إرم بزنس» إن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تضاعفت من قطاع الطيران منذ منتصف الثمانينيات، مع تزايد الطلب على حركة النقل الجوي.
وقبل شهرين، توقع اتحاد النقل الجوي، أن يسجل عام 2024 عدداً قياسياً من المسافرين يبلغ 4.89 مليار مسافر مقارنة بـ4.44 مليار مسافر في 2023.
ويرى رئيس جهاز شؤون البيئة، أن التوقعات تشير إلى احتمال تضاعف الطلب على الطيران ثلاث مرات بحلول عام 2050، ما يؤكد الحاجة إلى إيجاد حلول خضراء لتحقيق التوازن بين الفوائد الاقتصادية والتأثيرات البيئية لقطاع الطيران.
ويؤكد أبوسنة، أن هناك تحديات أخرى بخلاف التكاليف المرتفعة لإنتاج الوقود المستدام، ومنها القدرات المحدودة للتكنولوجيات البديلة، مثل الطائرات التي تعمل بالهيدروجين والكهرباء، والحاجة إلى بنية أساسية واسعة النطاق، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي.
ويوضح أن الوقود المستدام (SAF) يستخدم مباشرة في الطائرات التقليدية بعد مزجه مع الكيروسين، ما يقلل انبعاثات الكربون بنسبة تصل إلى 80% دون الحاجة إلى تعديل المحركات.
بينما يعتمد وقود الهيدروجين، خاصة الأخضر منه، على التحليل الكهربائي للماء باستخدام الطاقة المتجددة، وهو وقود خالٍ من الانبعاثات تماماً، إذ ينتج بخار الماء فقط عند الاحتراق، لكنه يتطلب تطوير محركات الطائرات وبنية تحتية جديدة كلياً.
وبحسب الخبير البيئي، يُعتبر الوقود المستدام حلاً جاهزاً على المدى القريب لخفض الانبعاثات الكربونية، بينما يمثل الهيدروجين مستقبل الطيران النظيف في العقود القادمة.
ويواجه الوقود المستدام تحديات تتمثل في محدودية الإنتاج مقارنة بحجم الطلب عليه، إذ بلغ إنتاجه نحو مليون طن (1.3 مليار لتر) بدلاً من 1.5 مليون طن (1.9 مليار لتر) كان يتوقع إنتاجهم، في العام الماضي، طبقاً لـ(IATA).
كما يحتاج الاستثمار في إنتاجه إلى نحو 128 مليار دولار سنوياً لإنشاء 3000 - 6500 مصنع في غضون 30 عاماً، وفقاً لتقديرات الاتحاد الدولي للنقل الجوي التي صدرت في ديسمبر الماضي.
هذا فضلاً عن ارتفاع أسعاره بنحو خمسة أضعاف الوقود التقليدي، مسبّباً صعوبة في مواكبة الزيادة المتوقعة بعدد المسافرين بنحو الضعف بحلول عام 2050، بحسب ما أعلنته مجموعة النقل والبيئة الأوروبية في 13 يناير الماضي.
وفي ظل الصعوبات التقنية والتمويلية، يرجح تحول شركات الطيران لتقنيات كفاءة الطاقة المنخفضة التكلفة، والوفاء بأهدافها المناخية باللجوء إلى أسواق الكربون، وفقاً لدراسة صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.