«المخاطر الجيوسياسية تهدد بانهيار أسواق الأسهم»
«أسعار الأصول وتكاليف الديون تحت ضغط عالمي»
في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية العالمية عند مستويات مرتفعة، دقّ صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر بشأن تداعياتها المحتملة على الاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي.
ويشير تقرير الصندوق الصادر بعنوان «الاستقرار المالي العالمي» إلى أن هذه التوترات المتزايدة لا تقتصر على عناوين الأخبار، بل تترجم إلى تأثيرات ملموسة تضر بأسواق الأسهم، وترفع تكاليف الاقتراض الحكومي، وتشكل مخاطر حقيقية على الاستقرار المالي.
وكشفت بيانات صندوق النقد أن التوترات الجيوسياسية تؤدي في المتوسط إلى انخفاض شهري بنحو 1% في أسواق الأسهم العالمية. لكن الضربة الأقسى تتلقاها اقتصادات الأسواق الناشئة، حيث يصل متوسط الانخفاض الشهري إلى 2.5%، ما يؤكد هشاشة هذه الأسواق أمام التقلبات السياسية العالمية.
يكمن التحدي الجوهري للمخاطر الجيوسياسية في طبيعتها المرتبطة بالصدمات، كالحروب أو التوترات الدبلوماسية الحادة، التي غالباً ما تكون نادرة الحدوث، وغير متوقعة في توقيتها، وغير مؤكدة في مدتها ونطاق تأثيرها، هذه الطبيعة غير القابلة للتنبؤ يقول عنها خبير الأسواق المالية عمرو زكريا، «إنها تصعب على المستثمرين تسعير المخاطر بشكل منهجي ومستمر ضمن نماذجهم التقليدية».
ونتيجة لذلك، يضيف الخبير المالي «أنه عندما تقع الصدمات الجيوسياسية، فإن ردود فعل السوق تميل إلى أن تكون حادة ومفاجئة. وتنتقل هذه الصدمات عبر قنوات متعددة، فهي قادرة على تعطيل التجارة والاستثمار عبر الحدود مباشرة، ما يضر بتدفقات السلع والخدمات ورؤوس الأموال».
بالإضافة إلى ذلك، حتى في غياب التعطيل المادي المباشر، تؤدي التوترات المتصاعدة إلى زيادة حالة عدم اليقين في الاقتصاد الكلي، وهو ما يصفه صندوق النقد الدولي بأنه السبب الرئيس لتفاعلات أسعار الأصول. هذا الغموض المتزايد، الذي قد يستمر لعدة أشهر، يدفع المستثمرين إلى المطالبة بعلاوة مخاطر أعلى مقابل حيازة الأصول التي قد يتأثر أداؤها سلباً، ما يضغط على الأسعار.
تُظهر تحليلات صندوق النقد الدولي أن أسعار الأصول تتفاعل بشكل ملموس وقابل للقياس مع التوترات الجيوسياسية، التي يتم رصدها من خلال تزايد التغطيات الإخبارية للتطورات السلبية والمخاطر المرتبطة بها.
أسواق الأسهم تحت الضغط: ينخفض متوسط العائد الشهري للأسهم العالمية بنحو 1% خلال التوترات الجيوسياسية، وتتفاقم الخسائر كثيراً في اقتصادات الأسواق الناشئة لتصل إلى 2.5%.
وبحسب زكريا، فإن البيانات التي تظهر خسارة الأسواق عند كل صدمة شهرياً، تعكس بدورها حاجتها الملحة إلى تعزيز الاحتياطيات وإصلاح البنى التحتية المالية لامتصاص الصدمات.
الحكومات تدفع ثمناً أعلى للاقتراض: لا تقتصر التأثيرات على القطاع الخاص، بل تمتد إلى القطاع العام. فمع تباطؤ النمو الاقتصادي المحتمل وزيادة الإنفاق الحكومي، ترتفع تكاليف الاقتراض الحكومي، إذ يقيس صندوق النقد ذلك من خلال أقساط المخاطر السيادية المستمدة من أسعار عقود مبادلة مخاطر الائتمان التي تحمي من التخلف عن السداد.
وتشير النتائج إلى أن هذه الأقساط ترتفع بعد الأحداث الجيوسياسية بنحو 30 نقطة أساس في المتوسط للاقتصادات المتقدمة، وبشكل أكبر يبلغ 45 نقطة أساس لاقتصادات الأسواق الناشئة.
ومرة أخرى، تكون الضغوط المالية حادة بشكل خاص في اقتصادات الأسواق الناشئة، حيث يمكن أن ترتفع الأقساط بما يصل إلى أربعة أضعاف المتوسط في ظل ظروف معينة، ما يعكس قلق المستثمرين المتزايد بشأن قدرة هذه الدول على تحمل الصدمات.
في عالم اليوم المترابط نادراً ما تبقى التوترات الجيوسياسية محصورة داخل حدود الدولة التي تشهد الحدث، إذ يؤكد تقرير صندوق النقد الدولي أن هذه الأحداث يمكن أن تمتد تداعياتها إلى اقتصادات أخرى من خلال الروابط التجارية والمالية القائمة، ما يزيد ما وصفه بـ«خطر العدوى المالية».
عدوى عبر الشركاء: يقدم الصندوق في تقريره مثالاً واضحاً على ذلك، عندما تنخفض تقييمات الأسهم في دولة ما بنسبة 2.5% في المتوسط بسبب انخراط دولة شريك تجاري رئيس لها بالأزمة، ترتفع بالإجماع أقساط المخاطر السيادية في الدول التي يتورط شركاؤها التجاريون في أحداث مخاطر جيوسياسية.
عوامل الضعف تضاعف التأثير: يحدد تحليل الصندوق عوامل ضعف هيكلية تجعل اقتصادات الأسواق الناشئة خصوصاً أكثر عرضة للخطر. وتشمل هذه العوامل ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض كفاية الاحتياطيات الدولية، وضعف المؤسسات. ويكون التأثير السلبي على أقساط المخاطر السيادية أكبر بمرتين على الأقل في اقتصادات الأسواق الناشئة التي تعاني هذه السمات.
ضغوط على النظام المالي: إذ يمكن للانخفاضات الحادة والمفاجئة في أسعار الأصول أن تلقي بثقلها على المؤسسات المالية في نهاية المطاف، سواء كانت بنوكاً أو مؤسسات غير مصرفية. وهذا بدوره يحمل خطر امتداد الآثار السلبية إلى النظام المالي الأوسع، ومن ثم إلى الاقتصاد الحقيقي.
في عالم مترابط بشكل متزايد، من المحتم أن تنتقل الهزات الناجمة عن التوترات الجيوسياسية عبر خطوط الصدع العالمية لتصل إلى الأسواق المالية، مؤثرة في كل شيء من محافظ الأسهم الاستثمارية إلى تكاليف ديون الدول.
ويبرز تحليل صندوق النقد الدولي بوضوح التأثير غير المتناسب على الاقتصادات الناشئة، ما يشير إلى أن تحقيق الاستقرار العالمي يتطلب معالجة مواطن الضعف المحددة في هذه الاقتصادات.
وبينما يظل التنبؤ بنقطة التوترات الجيوسياسية أمراً مستحيلاً، يؤكد تحليل صندوق النقد الدولي أن المرونة المالية ليست مسألة صدفة، بل هي نتيجة استعداد مدروس وجهود متواصلة، من قبل المؤسسات المالية وصانعي السياسات على حد سواء، لبناء دفاعات قوية في مواجهة عالم لا يمكن التنبؤ به.