يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً في جهود مراقبة وحماية البنية التحتية الحيوية تحت البحر، إذ تعتمد الجيوش والشركات الخاصة على أنظمة ذاتية التشغيل مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتأمين الأنابيب وكابلات الاتصالات الممتدة على قاع المحيط.
وتُعد هذه المنشآت، التي تنقل الوقود والطاقة والبيانات، غير محمية إلى حد كبير في المياه العميقة، ما يجعلها عرضة للتخريب، ما دفع الدول نحو تبني تقنيات المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي لتعزيز الأمن وردع التهديدات المحتملة.
وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، تُمثل مراقبة البنية التحتية تحت البحر تحدياً؛ بسبب تعدد مصادر البيانات، التي تشمل قراءات السونار وصور الأقمار الصناعية، وكان تحليل هذه البيانات يستغرق أسابيع، إلا أن الذكاء الاصطناعي أصبح يسرّع هذه العملية من خلال دمج كميات هائلة من البيانات وتمكين الاكتشاف الفوري للتهديدات.
ويتمثل الهدف حالياً في إنشاء خريطة رقمية شاملة للمحيطات، شبيهة بـ«خرائط غوغل»، لتنبيه السلطات إلى المخاطر المحتملة.
تنشر الحكومات والجيوش حول العالم بشكل متزايد الطائرات المسيرة تحت الماء والروبوتات المضادة للألغام إلى جانب السفن السطحية وأجهزة الاستشعار تحت الماء والأنظمة الفضائية، وتساعد هذه التقنيات في الملاحة ورسم الخرائط وتأمين البيئات البحرية عبر اكتشاف أي أجسام غير مألوفة قد تشكل تهديداً أمنياً.
ومن بين الشركات الرائدة في هذا المجال، تعمل الشركة الألمانية الناشئة «نورث آي أو» (North.io) على تطوير أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لحماية المنشآت تحت البحر.
وأكد الرئيس التنفيذي للشركة، يان فِندت، أهمية التمييز بين الأجسام الخطرة وتلك غير الضارة، مثل التفريق بين صخرة ولغم بحري بالقرب من كابل تحت الماء، أو تحديد ما إذا كان النشاط قرب توربينات الرياح البحرية يمثل تهديداً.
عقب حادثة «نورد ستريم»، أنشأت منظمة «حلف شمال الأطلسي - الناتو» وحدة تنسيق لحماية البنية التحتية تحت البحر في دول الحلف، وفي يناير، أطلقت عملية «بالتيك سنتري» (Baltic Sentry)، التي تضمنت نشر أسطول صغير من الطائرات المسيرة تحت الماء رداً على هجمات مشبوهة استهدفت الكابلات البحرية، نُسبت إلى سفن مرتبطة بروسيا، وهي اتهامات نفتها موسكو.
وأشار رينيه هايز، المسؤول في وحدة التنسيق التي تم إنشاؤها، إلى أن الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً محورياً في هذه الجهود، حيث ستعتمد أنظمة المراقبة غير المأهولة في المستقبل بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لاكتشاف النشاط المشبوه والتعامل معه تحت الماء.
وتتعاون «نورث آي أو»، التي تتخذ من مدينة كيل الألمانية مقراً لها، مع شركات تكنولوجية أميركية مثل «إنفيديا» و«آي بي إم» لتعزيز قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
كما خصصت الحكومة الألمانية 3.5 مليون يورو، أي نحو 3.7 مليون دولار، لدعم مشروع «أرغوس» (Argus)، الخاص بالشركة، والذي يهدف إلى استخدام التحليل المتقدم للبيانات لرصد التهديدات.
ويعمل لدى الشركة نحو 70 متخصصاً في جمع وتوحيد البيانات من مصادر مختلفة، مثل أنظمة السونار وأجهزة الاستشعار الزلزالية والأقمار الصناعية، لتعزيز الوعي بالأوضاع البحرية. كما تستخدم مؤسسات عسكرية ومعاهد بحثية وشركات طاقة الرياح البحرية منصة «ترو أوشن» (TrueOcean)، التابعة للشركة، لإدارة البيئات تحت البحر ومراقبتها.
يتزايد دور الذكاء الاصطناعي في الأمن البحري، ما يدفع نحو تطوير أنظمة دفاعية ذاتية التشغيل، وكانت المركبات البحرية ذاتية القيادة (AUVs) قد طُورت في الأصل لأغراض البحث والصناعة، لكنها أصبحت جزءاً أساسياً من استراتيجيات الدفاع البحري.
وتعمل شركات دفاعية كبرى، مثل «بي أيه إي سيستمز» (BAE Systems) و«نورثروب جرومان» (Northrop Grumman) و«بوينغ» (Boeing) و«أندريل» (Anduril)، على تطوير طائرات مسيرة تحت الماء لتعزيز قدرات المراقبة والأمن.
كما عززت البحرية الأميركية ووحدة الابتكار الدفاعي (DIU)، التابعة للبنتاغون، جهودها في هذا المجال، حيث قامت في يناير بشراء مركبة ذاتية القيادة من طراز «هوغين» (Hugin) من الشركة النرويجية «كونغسبيرغ ديسكوفري» (Kongsberg Discovery)، لاختبارها ضمن وحدة الحرب البحرية المتقدمة. ويمكن لهذه المركبة، التي تعمل على عمق يصل إلى 6,000 متر، استخدام أجهزة السونار والكاميرات والليزر لرسم خرائط التضاريس تحت الماء ورصد التهديدات المحتملة.
رغم التقدم السريع، لا تزال هناك تحديات أمام تحقيق مراقبة شاملة تحت البحر. كما أن توسيع المراقبة البحرية سيتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، مثل محطات الشحن تحت الماء ومراكز نقل البيانات.
ويُقدر الخبراء أن نحو 10% فقط من المحيطات تم رسم خرائطها بالتفصيل، ما يعكس حجم التحدي المستقبلي.
ومع استمرار تطور الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تلعب دوراً متزايد الأهمية في حماية البنية التحتية تحت البحر من التهديدات التقليدية والمستجدة، ما يسهم في تأمين شبكات الطاقة والاتصالات العالمية.