تخشى الحكومات في المنطقة العربية من تفاقم فجوة الأمن الغذائي مع اتساعها إلى 47 مليار دولار وفق تقارير اقتصادية، ما يستدعي تحركاً إقليمياً عاجلاً لتوحيد الجهود والاستثمار في حلول زراعية مستدامة.
وفي هذا الصدد، قال رئيس مجلس إدارة الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، خلال مشاركته في جلسة «فوود 500» على هامش معرض ومؤتمر «غلفود 2025»، إن الحل يكمن في تعزيز التعاون الإقليمي وتوظيف التكنولوجيا الغذائية لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
وتشير بيانات برنامج الأغذية العالمي لعام 2024 إلى أن ملايين السكان في المنطقة يعانون انعدام الأمن الغذائي، إذ وصلت الأرقام إلى 1.48 مليون شخص في فلسطين، و12.1 مليون في سوريا، و19 مليوناً في السودان، بينما بلغت نسبة السكان الذين يعانون الأزمة الغذائية في لبنان 46%.
وفي اليمن، يحتاج 21.6 مليون شخص إلى مساعدات غذائية عاجلة، فيما سجل العراق أكبر عدد من المتضررين، حيث يعاني 39 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي.
هذه الأرقام المتزايدة تعكس حالة التحدي الكبرى التي تواجه المنطقة، وسط صدمات اقتصادية واضطرابات جيوسياسية وتغيرات مناخية تهدد الأراضي الزراعية والإنتاج الغذائي.
وفقاً لتقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن استراتيجية الخليج للأمن الغذائي أثبتت فاعليتها في تعزيز الاكتفاء الذاتي، إذ أضافت 30.5 مليار دولار إلى اقتصادات دول الخليج، كما شهدت استثمارات بقيمة 3.8 مليار دولار في تكنولوجيا الأغذية.
وأسهم قطاع الزراعة والثروة السمكية بنسبة 1.8% في الناتج المحلي الإجمالي الخليجي، فيما نمت الشركات الزراعية والثروة الحيوانية في المنطقة بنسبة 20%، ما يعكس أهمية الاستثمارات المستدامة في تحقيق الأمن الغذائي.
مع تزايد الضغوط على الإنتاج الزراعي، باتت التقنيات الحديثة والابتكار في قطاع الأغذية ضرورة ملحة لضمان توفير الغذاء لسكان العالم، المتوقع أن يصل عددهم إلى 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050.
كشف مختبر الغذاء الرقمي في فرنسا عن 4 اتجاهات ناشئة في التكنولوجيا الغذائية، تشمل: المزرعة المرنة، والبروتينات المستدامة، وسلسلة التوريد الذكية، وأتمتة عمليات الإنتاج الغذائي.
هذه التقنيات أصبحت محط اهتمام كبرى شركات الأغذية العالمية، ومنها شركة «إفكو» للصناعات الغذائية، التي أطلقت أول مصنع في الشرق الأوسط لإنتاج الأغذية النباتية المستدامة.
يقول محمد عيتاني، الرئيس التنفيذي لقسم إنتاج الزيوت والدهون في مجموعة«إفكو»، إن الشركة تتبنى ممارسات مبتكرة لدعم الاستدامة وتحقيق الأمن الغذائي.
ويضيف، في حديث مع «إرم بزنس»، أن الشركة أطلقت زيت الزيتون المحايد للكربون «رحمة»، الذي يسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى تطوير زيوت مدعمة بالفيتامينات والزنك لدعم المناعة وتعزيز الصحة.
كما أشار إلى أن «إفكو» تستثمر في حلول تغليف مستدامة تقلل من البصمة الكربونية، ما يعكس التحول العالمي نحو إنتاج غذاء أكثر استدامة ومسؤولية.
ويرى فتحي الخياري، الرئيس التنفيذي لمجموعة «الأغذية المتحدة»، أن الأمن الغذائي مسؤولية مشتركة بين الحكومات والقطاع الخاص.
وفي معرض حديثه لـ«إرم بزنس» أكد أن منتجات المجموعة تستحوذ على أكثر من 80% من السوق الإماراتي في قطاع الأغذية، مشيرًا إلى أن أغلب تلك المنتجات يدخل في تصنيعها مكونات نباتية، مستشهداً بالسمن النباتي «أصيل» الذي يحتوي على 82% من العناصر النباتية، وأصبحت الخيار المفضل للمستهلكين الباحثين عن الغذاء الصحي والمستدام.
كما كشف الخياري أن مصانع الأغذية المتحدة باتت تعتمد كثيراً على الطاقة الشمسية، إذ أصبح أكثر من نصف الكهرباء المستخدمة في التصنيع يأتي من مصادر متجددة، ما أدى إلى تقليل استهلاك الطاقة 5 مرات أقل.
لم يقتصر التحول نحو الأمن الغذائي على الشركات، بل شمل مبادرات حكومية رائدة، مثل «مدينة أبو ظبي للأغذية»، التي تعد نقطة تحول مهمة في القطاع الغذائي في الإمارات، إذ ستسهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد وخفض تكاليف الإنتاج، ما يدعم استقرار السوق وزيادة تنافسية المنتجات الإماراتية عالمياً.
وفي السياق ذاته، يأتي مشروع «وادي فود تيك» في دبي، الذي يُعَد مركزاً للتكنولوجيا الزراعية الحديثة، ويهدف إلى تعزيز إنتاج الغذاء القائم على الابتكار، وتطوير تقنيات الزراعة الذكية لزيادة الإنتاجية.
استكشاف الاتجاهات الحديثة في الأغذية والمشروبات لا يدفع الشركات وحدها لتبني استراتيجيات مستدامة، بل يدفع الحكومات أيضاً إلى إعادة التفكير في سياسات الأمن الغذائي، خاصة في ظل التغيرات المناخية، واضطرابات سلاسل التوريد العالمية، والاعتماد المفرط على الاستيراد.
ويعزز هذا التوجه دور العولمة في إعادة تشكيل قطاع الأغذية العالمي، فقد باتت التكنولوجيا الزراعية والابتكار الغذائي المحرك الأساسي لمستقبل الغذاء، وهو ما يجعل الاستثمار في التكنولوجيا الغذائية ركيزة أساسية لسد الفجوة الغذائية وتحقيق الاستدامة في العالم العربي.