انخفضت أسعار النحاس بنحو 20% بعد أن حققت رقماً قياسياً تاريخياً. وفي ظل التطورات الاقتصادية، بات الطلب الناتج عن التحول نحو الطاقة النظيفة في الخلفية، حيث طغت المخاوف الاقتصادية الكلية على قرارات المستثمرين، لا سيما مع تباطؤ الاقتصاد الصيني واحتمال حدوث ركود اقتصادي في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.
كان من المتوقع أن تؤدي الظروف المثالية إلى ارتفاع أسعار النحاس إلى مستويات قياسية، بفعل التحول نحو الطاقة النظيفة، وانخفاض معدلات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي). في هذا السياق، كانت توقعات «غولدمان ساكس» قد رجحت أن يصل سعر النحاس إلى 15 ألف دولار للطن بحلول عام 2024.
إلا أن النحاس، المعروف بكونه مقياساً للنشاط الاقتصادي العالمي، تأثر بالعوامل الاقتصادية قصيرة الأجل. فبعد تسجيله رقماً قياسياً في مايو عند نحو 11 ألف دولار للطن، بدأت الأسعار في الانخفاض، لتعود إلى مستوياتها في نهاية عام 2023. ويجري تداول النحاس حاليا في بورصة لندن للمعادن بسعر يبلغ نحو 9 آلاف دولار للطن، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 18% منذ ذروة مايو.
تعود الأسباب الرئيسية لهذا الانخفاض إلى التباطؤ الاقتصادي في الصين، أكبر مستهلك للنحاس في العالم. فالطلب على النحاس في هذه الدولة لا يزال ضعيفاً، متأثراً بأزمة قطاع العقارات، وهو من أهم القطاعات المستهلكة للنحاس. بالإضافة إلى ذلك، تقلصت المؤشرات الصناعية الصينية، وارتفعت صادرات النحاس، ما يشير إلى تباطؤ الطلب وتراكم المخزونات. في هذا السياق، وصلت مخزونات النحاس في الصين إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2020، حين شهد الاقتصاد العالمي توقفاً شبه كامل.
في ضوء هذا التراجع، اضطر المحللون الذين كانوا متفائلين في بداية العام إلى إعادة تقييم توقعاتهم، آخذين في الاعتبار التباطؤ في الصين واحتمالات الركود في الولايات المتحدة وأوروبا. وكان التغيير الأكبر في التوقعات من جانب «غولدمان ساكس»، التي خفضت توقعاتها لسعر النحاس في عام 2025 من 15 ألف دولار إلى متوسط 10,100 دولار للطن.
وأشار خبراء «غولدمان ساكس» في مذكرة: «تم تأجيل الارتفاع المتوقع في أسعار النحاس»، وأضافوا: «بسبب الضعف المستمر في قطاع العقارات الصيني، نعتقد أن انخفاض المخزونات وارتفاع الأسعار المصاحب له سيحدث في وقت متأخر عما كنا نتوقعه». ومع ذلك، لم يحدد المحللون توقيتاً دقيقاً لهذا الارتفاع.
توقعات ارتفاع أسعار النحاس أدت إلى اندلاع سباق محموم نحو «الذهب الأحمر». ومن أبرز المحاولات في هذا السياق كانت محاولة شركة «بي إتش بي» الفاشلة للاستحواذ على شركة «أنغلو أمريكان»، في خطوة كانت ستجعلها أكبر منتج للنحاس في العالم. من خلال هذه الصفقة، كانت «بي إتش بي» تأمل في تعزيز إنتاجها من النحاس وجني أرباح كبيرة. غير أن هذه الشركة اعترفت مؤخراً بأن سوق النحاس سيكون في حالة فائض خلال العام الحالي وحتى عام 2025، ما يضع ضغوطاً على الأسعار ويجعلها عرضة لمزيد من التراجع.