وعلى الرغم من أن المساعدات المالية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي، أقل وضوحاً من الأسلحة والذخيرة، فإنها لا تقل أهمية عن بقاء أوكرانيا. وزود الاتحاد الأوروبي كييف بمليارات اليورو في شكل تمويل سمح لها بمواصلة تشغيل المستشفيات والمدارس ومحطات الطاقة، ودفع إعانات المحاربين القدامى وإعادة بناء المنازل.
وتمثل حزمة الميزانية التي مدتها أربع سنوات والتي تبلغ قيمتها أكثر من 54 مليار دولار محور الخلافات بين زعماء الاتحاد الأوروبي، الذين اجتمعوا في قمة بشأن نهج الكتلة تجاه أوكرانيا.
ومنذ وقت ليس ببعيد، كان يُنظر إلى هذا الاجتماع باعتباره فرصة للاتحاد الأوروبي، لتعزيز التزامه طويل الأمد تجاه أوكرانيا في صراعها ضد روسيا، ليس من خلال الاتفاق على حزمة مساعدات مالية متعددة السنوات فحسب، بل وأيضاً من خلال دعوة كييف رسمياً لبدء المفاوضات، نحو التحول إلى دولة أوروبية وعضو في الكتلة المكونة من 27 دولة. والآن أصبح كلا الهدفين موضع شك، وكذلك احتمالات اتخاذ خطوات أخرى لمساعدة أوكرانيا، مثل فرض جولة جديدة من العقوبات على روسيا.
وأصبح كلا الهدفين موضع شك الآن، على الرغم من وجود تلميحات إلى تسوية محتملة صباح الخميس، مع وصول زعماء الاتحاد الأوروبي إلى بروكسل.
وقال مسؤولون إن زيلينسكي من المقرر أن يتحدث إلى القادة عبر الفيديو صباح الخميس، بعد أن اقترح حضور القمة شخصيا لعرض قضيته. وقرر المنظمون في وقت متأخر من يوم الأربعاء، أنه لن يأتي بعد أن قال العديد من القادة، بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، إن ذلك قد لا يكون مفيداً لأوكرانيا، وفقاً لدبلوماسيين أوكرانيين والاتحاد الأوروبي.
وفي أوسلو، قال زيلينسكي يوم الأربعاء، إن رفض الاتحاد الأوروبي للتواصل الجديد مع أوكرانيا، وخاصة إطلاق محادثات العضوية، من شأنه أن يعزز أهداف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال زيلينسكي: "إذا لم يكن هناك قرار إيجابي، فهذا يعني أن بوتين استخدم حق النقض ضد القرار".
وتثير الخلافات الأوروبية، التي تعكس اقتتالاً داخلياً مماثلاً في واشنطن، تساؤلات حول مدى استمرارية الالتزامات الغربية تجاه أوكرانيا. وقال زعماء الدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل العام الماضي، إنهم سيدعمون كييف طالما كان ذلك ضروريا لتحقيق النصر، وسيفعلون ذلك بشروط أوكرانية.
لكن القوات الأوكرانية تستنزف الآن كميات متضائلة من الذخيرة والمعدات، وغيرها من الإمدادات الحيوية، في حين أن التوقعات المالية للحكومة أصبحت غير مؤكدة، كما تقوض الشكوك حول المساعدات الأوروبية والأميركية، الرسالة التي أصرت العواصم الغربية منذ فترة طويلة على أنها بحاجة إلى إرسالها إلى الكرملين: وهي أنها ستواصل دعم أوكرانيا إلى أجل غير مسمى، لذا يجب على بوتين أن يسعى إلى السلام الآن.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الأربعاء: "مع استمرار الحرب، يجب علينا أن نثبت ما يعنيه دعم أوكرانيا لأطول فترة ممكنة".
وقالت إن أوكرانيا تحتاج إلى تمويل مستقر على مدى السنوات المقبلة "حتى تصبح أقوى غداً على الطاولة، عندما تتفاوض على سلام طويل الأمد وعادل لأوكرانيا".
وفي قلب المعركة يقف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي عارض مراراً وتكراراً مقترحات الاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا. فهو يحافظ على علاقة ودية مع بوتين، ويعارض العقوبات الغربية على موسكو، ويمنع الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، وينتقد أوكرانيا، وكلها أمور أدت مراراً وتكراراً إلى دفع وحدة الاتحاد الأوروبي إلى نقطة الانهيار.
ويبلغ العجز المتوقع في ميزانية أوكرانيا لعام 2024 حوالي 43 مليار دولار، وتعد المساعدة الأجنبية ضرورية لتغطية هذه الفجوة، حيث دمرت الحرب اقتصادها. ويغطي الاتحاد الأوروبي حتى الآن أكثر من نصف فجوة الميزانية السنوية لأوكرانيا خلال الحرب، بما في ذلك أكثر من 19 مليار دولار، أو 18 مليار يورو، في هيئة مساعدات مالية هذا العام. وتهدف الحزمة التي تمتد لأربع سنوات إلى منح أوكرانيا والمستثمرين المحتملين، الثقة في أن البلاد قادرة على تجنب الإفلاس في السنوات المقبلة.
وحاول المسؤولون الأوروبيون إبقاء الاقتتال الداخلي وراء أبواب مغلقة، واستضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أوربان في باريس الأسبوع الماضي، سعياً إلى التوصل إلى حل وسط. لكن التوترات اندلعت بعد ما وصفه زيلينسكي بمناقشة "صريحة" مع أوربان في حفل تنصيب الرئيس الأرجنتيني الجديد، في بوينس آيرس يوم الأحد، والتي تم التقاطها بالفيديو ولكن بدون صوت مسموع.
وقال أوربان في بث صوتي يوم الأربعاء: "لا أستطيع أن أسمي ما جرى وضعاً تفاوضياً، لكن كان لديه ما يقوله لي، ولذلك انتهزنا الفرصة لتبادل الكلمات".
وقال غابريليوس لاندسبيرجيس، وزير خارجية ليتوانيا، أحد أقوى الداعمين لأوكرانيا: "الطريقة الوحيدة التي يمكنني من خلالها قراءة الموقف المجري... هي أنهم ضد أوروبا وكل ما تمثله".
ومن أجل تخفيف الحظر الذي تفرضه المجر على محادثات الانضمام، دفعت الحكومة الأوكرانية عبر البرلمان، بالعديد من التشريعات التي سعت إليها بروكسل، بما في ذلك قانون مصمم لحماية حقوق التعليم واللغة للأقليات، فأوكرانيا لديها أقلية مجرية كبيرة. وقال أوربان إن القانون كان من بين الموضوعات التي ناقشها زيلينسكي مع أوربان في الأرجنتين.
وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا هذا الأسبوع، إن القانون الجديد "يجب أن يزيل المخاوف التي أعربت عنها المجر باستمرار" بشأن بدء محادثات العضوية.
وعلى الرغم من دعم أوربان لقرار الاتحاد الأوروبي العام الماضي، بجعل أوكرانيا دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، إلا أنه قال في الأسابيع الأخيرة إن الخطة تتعارض مع المصالح الوطنية للمجر.
وهو ليس الزعيم الوحيد الذي يشعر بالقلق من التوسع، حيث يقول دبلوماسيون أوروبيون إن الدول الأعضاء الأخرى، بما في ذلك سلوفاكيا والنمسا، أعربت عن مخاوفها. ويقولون إن أوربان هو الزعيم الوحيد المستعد لاستخدام حق النقض (الفيتو) ضد بدء محادثات الانضمام.
وفيما يتعلق بالحزمة المالية، يرى أوربان أن الاستراتيجية الغربية لدعم أوكرانيا، لم تنجح في ساحة المعركة، وأن الحلفاء يجب أن يخصصوا الموارد لدعم جهود السلام، على الرغم من الزيادة المخطط لها بنسبة 40% في الإنفاق العسكري الروسي على الحرب في العام المقبل، لقد قال مراراً وتكراراً إنه يعتبر أوكرانيا "فاسدة".
ولدى وصوله إلى القمة قبل اجتماع جانبي في وقت مبكر من يوم الخميس مع شولتز وماكرون، عرض أوربان إشارات على التسوية. وقال إن المجر لا تعارض حزمة مالية طويلة الأجل لأوكرانيا، لكنه أشار إلى أنه ليس هناك حاجة لاتخاذ قرار على الفور. كما ابتعد أيضاً عن حجته بأن انضمام أوكرانيا لم يكن في مصلحة بودابست، وركز بدلاً من ذلك على عدم اكتمال تنفيذ أوكرانيا سبعة إصلاحات طلبت بروكسل من كييف إكمالها.
وقال أوربان للصحفيين في إشارة إلى أوكرانيا: "إذا لم تستوفوا الشروط المسبقة، فلن تكون هناك فرصة لبدء المفاوضات".
إن ما يحوم حول المناقشات الأوكرانية هو قضية ركز عليها أوربان منذ فترة طويلة: ما يقرب من 30 مليار يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي، وتمويل التعافي من الوباء الذي حجبته بروكسل عن حكومته، بسبب ما يقول الاتحاد الأوروبي إنها انتهاكات لقواعده، المتعلقة باستقلال القضاء والفساد وإدارة الميزانية.
وأفرج مسؤولو الاتحاد الأوروبي، عن حوالي 10 مليارات يورو من هذه الأموال يوم الأربعاء، ويمكن أن يتبع ذلك المزيد في العام الجديد. وألمح المسؤولون المجريون هذا الأسبوع، إلى أنه إذا تم الإفراج عن جميع أموال الاتحاد الأوروبي، فقد يفكرون في تقديم حزمة مالية من نوع ما لأوكرانيا.
ومع ذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يمنح بعض المال لأوكرانيا، متجاوزاً المجر إذا وافقت الدول الأعضاء الـ 26 الأخرى، ومن المرجح أن يمنح ذلك كييف "شريان حياة مالي" على الأقل حتى عام 2024.