قبل نحو عقدين، أطلقت الدول الإفريقية مشروعاً تحت مسمى «السور الأخضر العظيم» بطول 7700 كيلومتر، لكبح زحف الصحراء الكبرى جنوباً. وبعد سنوات، تعثر التقدم بعد أن عانى المشروع من نقص التمويل، وعدم الاستقرار السياسي، وغياب حلول قابلة للتطوير.
طالما كانت منطقة الساحل - وهي حزام شبه قاحل يمتد من السنغال إلى جيبوتي بعرض 15 كيلومتراً - بؤرةً للكوارث الإنسانية الناجمة عن تغير المناخ. فقد حوّلت عقود من الجفاف وإزالة الغابات والرعي الجائر مساحات شاسعة إلى أراضٍ قاحلة؛ ما أدى إلى نزوح ملايين الأشخاص وتأجيج دوامات الفقر والصراع.
مبادرة الجدار الأخضر العظيم للاتحاد الإفريقي انطلقت في عام 2007 بهدف استعادة 100 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030، واحتجاز 250 مليون طن من الكربون، وخلق 10 ملايين فرصة عمل.
وبحسب خبراء في الاقتصاد، فإن المبادرة لم تحقق سوى 4% من الهدف المطلوب؛ ما دفع الصين أخيراً-التي خاضت معركتها الخاصة ضد الصحاري، وأنشأت جدارها الأخضر- لدعم المشروع البيئي في الدول الإفريقية؛ ما يطرح تساؤلات عدة حول قدرة بكين في إعادة تشكيل المشاريع البيئية الأكثر طموحاً في العالم.
على مدى عقود، خاضت الصين حربها الخاصة ضد الصحارى، وأنشأت جدارها الأخضر الخاص، كما نجحت في برنامج «الغابات المحمية في الحزام الشمالي الثلاثي»، وهو شبكة تمتد على مسافة 4480 كيلومتراً (2800 ميل) من الغابات المزروعة منذ سبعينيات القرن العشرين، لتحقيق الاستقرار في مناطق شاسعة من صحراء جوبي، وتقليص العواصف الرملية، ورُوِّج له باعتباره وسيلة لانتشال ملايين البشر من الفقر من خلال السياحة البيئية والزراعة.
وفي العام الماضي وحده، أكملت الصين 6.67 مليون هكتار (16.5 مليون فدان) من مشاريع التشجير، وفقاً للبيانات التي أصدرتها الإدارة الوطنية للغابات والأراضي العشبية، والذي صادف أيضاً يوم الشجرة في الصين.
وفقاً لمصادر حكومية رسمية، تجاوز معدل الغطاء الغابوي في الصين ربع مساحة اليابسة، حيث تجاوز مخزون الغابات 20 مليار متر مكعب. ولا يزال الغطاء النباتي العشبي أعلى من النصف.
«لي جيا تشيانغ»، خبير التصحر بمعهد شينجيانغ لعلم البيئة والجغرافيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، كشف في حوار سابق عن الدور الذي تلعبه الصين خلف الكواليس في مكافحة إفريقيا للتصحر.
حول تبنيها دعم المشروع رأى خبير التصحر أن تجربة الصين تظهر أن المعركة يمكن حسمها بالإيجابية.
بدوره قال مدير إدارة الحماية والاستعادة البيئية بالإدارة، تشانج ليمينج، وخلال ندوة عقدت في بكين قبل أيام، إن الصين أصبحت نموذجاً لأسرع وأكبر مساهم في جهود التشجير العالمية.
كما استشهد وزير الموارد الطبيعية الصيني جوان تشيو، باستراتيجية الصين في حربها على التصحر، فعلى سبيل المثال، تُعاد أراضي هوركين الرملية تدريجياً إلى حالتها الأصلية، كما تتقدم مشاريع كبرى بثبات، مثل مشروع «سور الصين العظيم الكهروضوئي» بطول 400 كيلومتر في صحراء كوبوتشي بمنغوليا الداخلية، والإدارة الشاملة لـ «أنظمة الكونغدوي العشرة الرئيسة» (أنظمة مكافحة التعرية الحيوية)، وفقاً لجوان.
إلى ذلك أرست بكين الأساس للحوكمة البيئية، حين وضعت وشاحا أخضر حول صحراء تاكلامكان، وفقاً للوزير الصيني الذي أضاف أن «التباين بين الألواح الكهروضوئية الزرقاء والصحراء الذهبية أمر غير مسبوق».
في موريتانيا، تدفن الكثبان الرملية الطرق السريعة، وتستنزف 15% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً.
علماء صينيون قدموا ابتكاراً صغيراً لِما يعرف بـ«شبكات القشّ المُربّعة» وهي تقنية اُسْتُخْدِمَت في صحراء تكلامكان. هذه الشبكات، إلى جانب شجيرات مقاومة للجفاف مثل الساكسول والسنط، أسهمت في تثبيت الرمال المتحركة قرب العاصمة الموريتانية نواكشوط.
أما في إثيوبيا، فقامت فرق صينية بإزالة الشجيرات الشائكة الغازية التي كانت تخنق المراعي؛ ما أدى إلى إحياء المراعي وزيادة إنتاج الأعلاف ثلاث مرات من خلال الرعي التناوبي.
والآن تصدر بكين هذا النموذج، الذي يجمع بين الاستعادة البيئية والحوافز الاقتصادية، إلى إفريقيا، وفقاً لـربيع رستم أستاذ الهندسة البيئية في جامعة هيروت وات، الذي يرى أن الصينيين لا يزرعون الأشجار في إفريقيا فحسب، بل يعملون على خلق صناعات بيئية خضراء.
حول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، يقول رستم إن تكنولوجيا السيطرة على الصحراء التي تقدمها الصين مطلوبة بشدة من جانب الدول الإفريقية وأن عليها تبني استراتيجيات رقمية جديدة والاستفادة من التجربة الصينية.
كما يُعدّ مشروع الصحراء الكبرى انتصاراً استراتيجياً لبكين في مجال القوة الناعمة. فمن خلال معالجة أزمة تُغذّي الهجرة غير الشرعية والجفاف الصحراوي والتمدد الإقليمي وغيرها من الأزمات، تُرسّخ الصين مكانتها كلاعب عالمي مسؤول، وتكتسب موطئ قدم في منطقة غنية بالموارد الطبيعية والمعادن.