باول يتمسك بمنصبه وترامب يُصر على رحيله
وزير الخزانة الأميركية يحذر من هزة للأسواق
كانت النار تحت الرماد بين الرجلين منذ سنوات، ولم تنجح سنوات ابتعاد دونالد ترامب عن البيت الأبيض في درء الخلاف العميق مع رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي الأميركي» جيروم باول، هذا الخلاف الذي عاد وأشعل حرباً من التصريحات والهجمات المتبادلة بين الرجلين.
يقف ترامب على رأس الإدارة الأميركية ذات السلطة الأعلى والأكثر تأثيراً في العالم السياسي والاقتصادي اليوم، وفي المقابل يقف جيروم باول رئيس الفيدرالي الذي اختاره ترامب مطلع ولايته الأولى قبل أن يحدث الشقاق بينهما، على رأس أعلى سلطة للسياسة النقدية في العالم.
ومنذ ساعات، أكد الرئيس الأميركي أنه يمتلك السلطة لطرد رئيس الفيدرالي جيروم باول من منصبه بسرعة، وأنه يتطلع إلى اليوم الذي يرحل فيه باول، بعد أن توسع في هجومه بما يظهر مدى تأثير قرارات الاحتياطي الفيدرالي على سياسة ترامب الجمركية.
لكن وفقاً للقانون الأميركي، لا يمتلك الرئيس حق إقالة رئيس الفيدرالي، وإذا حاول ترامب إقالة باول بسبب عدم موافقته على قراراته المتعلقة بالسياسة النقدية، فقد يمثل هذا اقتحاماً لقضية قد تهز الأسواق العالمية.
في المقابل قال باول، إنه مستثمر سابق في الأسهم الخاصة، ولديه ما يكفي من الثروة المستقلة لتمويل الطعن القانوني الخاص به، مشيراً إلى أنه لا يعتزم ترك منصبه قبل انتهاء فترة ولايته في مايو من العام المقبل.
فتح الرئيس الأميركي نيران انتقادته، في سلسلة هجمات على باول متهماً إياه بالسعي لمصالح سياسية؛ بسبب عدم خفضه أسعار الفائدة.
وقال ترامب، في منشور على منصة «تروث سوشيال»، إنه يترقب ترك باول لمنصبه كرئيس للفيدرالي بفارغ الصبر.
ووصف خطاب باول مؤخراً حول الاقتصاد بـ«الفوضى العارمة»، معتبراً أن الفيدرالي مدين للشعب الأميركي بخفض أسعار الفائدة.
لكن وزير الخزانة سكوت بيسنت حذّر مسؤولي البيت الأبيض من تبعات إقالة باول التي «تخاطر بزعزعة استقرار الأسواق المالية.
جاءت تصريحات ترامب بعد يوم واحد من كلمة رئيس الفيدرالي في فعالية ضمن النادي الاقتصادي في شيكاغو، قال فيه إن استقلالية الفيدرالي مفهومة ومدعومة على نطاق واسع جداً في واشنطن، والكونغرس.
وحذّر باول أول أمس، من إثارة سياسات ترامب في الرسوم الجمركية مخاطر إخراج التضخم والتوظيف عن نطاق أهداف البنك المركزي التي يديرها بشكل مشترك بتفويض من الكونغرس.
وقال إن الفيدرالي مستعد جيداً لانتظار مزيد من الوضوح، وأنه ليس مستعداً لتحريك السياسة في أي اتجاه أو بأي وتيرة، حتى ينتهي ترامب من خططه في الرسوم الجمركية، ويتضح تأثيرها على الاقتصاد بشكل أكبر.
يعتقد ترامب أن خفض الفائدة ضرورة لإنعاش الاقتصاد، وهو الخلاف الذي بدأ بينه وبين باول في نهاية فترة رئاسة ترامب الأولى، بعدما ارتفعت أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية.
اتفق غالبية أعضاء الفيدرالي على القلق من سياسات ترامب في اجتماع ديسمبر الماضي، وأكدوا زيادة عدم اليقين بشأن تأثيرات السياسات الاقتصادية المتغيرة، خصوصاً فيما يتعلق بالتجارة والهجرة، ما يستدعي تبني نهج تدريجي في التحرك نحو موقف السياسة النقدية المحايدة.
بدأ تجدد الحرب بين الرجلين عندما قال ترامب، في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس - سويسرا، خلال مطلع ولايته الثانية، إنه سيطلب خفض سعر الفائدة على الفور، وإن على الدول الأخرى أن تحذو حذوه، في أول انتقاد علني للسياسات النقدية لمجلس الاحتياطي «الفيدرالي».
وفي اجتماع الفيدرالي الأخير العام الماضي، أكدت لجنة السياسة النقدية على أن قرارات السياسة النقدية مستقلة، وليست محكومة بمسار مسبق، بل هي مرهونة بتطورات الاقتصاد المستقبلي وتوازن المخاطر الاقتصادية.
أكد ترامب عقب فوزه إنه لا يخطط لإقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لكنه قال: «إذا طلبت منه الرحيل أو الاستقالة، فمن المحتمل ألا يفعل ذلك، لكن إن تُرِك الأمر له، فقد يرحل من تلقاء نفسه».
في الوقت ذاته، وبعد أقل من 84 ساعة من فوز ترامب، قال رئيس الفيدرالي: «لن أستقيل أو أتنحى من منصبي لو طلب ترامب ذلك».
وكان ترامب اتهم باول بأنه سياسي، وليس اقتصادياً، وقال إن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد فكر في خفض أسعار الفائدة ربما من أجل دعم بايدن «الرئيس والمنافس السابق لدونالد ترامب في انتخابات الرئاسة».
هدد ترامب بإقالة باول من منصبه بعدة مناسبات بعدما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة في عام 2018، بل ووصف باول بأنه العدو الأول للاقتصاد الأميركي عام 2019.
في مارس 2020، قال ترامب في مؤتمر علني: «لدي الحق في إقالة جيروم باول من منصبه كرئيس للفيدرالي، لقد اتخذ حتى الآن الكثير من القرارات السيئة، في رأيي، ما أدى إلى هبوط الأسواق وسط الوباء».
كان ترامب رشّح باول لشغل منصب رئيس البنك المركزي الأميركي في نوفمبر 2017، وأشاد به حينذاك حينما خفض رئيس الفيدرالي أسعار الفائدة إلى الصفر لمنع الانهيار الاقتصادي.
مع فوز الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في انتخابات 2020، وعقب هزيمة ترامب، أعاد بايدن تعيين جيروم باول في وقت لاحق لولاية أخرى.
استقلالية الفيدرالي
في مؤتمر صحفي عقد في أغسطس الماضي، قبل فوز ترامب، حول قرارات أسعار الفائدة التي اتخذها بنك الاحتياطي «الفيدرالي»، قال ترامب: «أشعر أن الرئيس ينبغي أن يكون له رأي على الأقل في هذا الشأن».
كما أضاف يومها: «أشعر بذلك بقوة، لقد ربحت الكثير من المال، وحققت نجاحاً كبيراً، وأعتقد أنني أتمتع بغريزة اقتصادية أفضل في كثير من الحالات، من الأشخاص الذين قد يكونون في بنك الاحتياطي الفيدرالي، أو حتى رئيسه».
بحسب بيان، اجتماع الفيدرالي خلال نوفمبر الماضي، كرر رئيس الفيدرالي باول عبارة غير مسموح بإقالتي بموجب القانون مرتين، مبينا أنه من المفترض أن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي هيئة حاكمة مستقلة خالية من التأثير السياسي.
أوضح باول، أن هناك حواجز قانونية تمنع ترامب، وأي رئيس آخر، من إقالة أو عزل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، ويتطلب الأمر ما يشير إليه البنك المركزي الأميركي بــ«السبب».