من التخلص من الأسهم الأميركية لصالح نظرائها الصينيين إلى شراء الين واليورو، يبحث المتداولون عن ملاذ آمن يحميهم من تداعيات انهيار الأسواق الأميركية.
بالنسبة للمستثمرين الذين اعتادوا سنوات من المكاسب التي حققتها التكنولوجيا الأميركية وصعود الدولار، كان تحولاً صعباً في الأحداث.
تحولت عمليات البيع المستمرة في الأسهم الأميركية إلى اندفاع شديد يوم الاثنين مع انتشار مخاوف الركود في وول ستريت، وامتدت حالة النفور من المخاطرة إلى آسيا، وحفزت القناعة المتزايدة بأن استثنائية الولايات المتحدة قد انتهت إلى حد كبير، ما أدى إلى الاندفاع نحو الأمان النسبي للين والسندات الحكومية الأسترالية واليوان في الخارج، وفق تقرير لوكالة «بلومبرغ».
وتسلط عمليات البيع التي بلغت 1.1 تريليون دولار في مؤشر «ناسداك 100» يوم الاثنين الضوء على أن سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب «أميركا أولاً» قد حفزت، للمفارقة، التحول عن الأصول الأميركية. فقد قفز اليورو بنحو 7% من أدنى مستوى له في فبراير الماضي، بينما ارتفع مقياس الأسهم الصينية في هونغ كونغ بنسبة 20% هذا العام.
وقال كالفن ييوه، مدير المحفظة في صندوق التحوط (Blue Edge Advisors Pte) في سنغافورة: «الأسواق الآن تشبه لعبة التنس على المستوى الأولمبي باستثناء أننا كمتداولين، نمثل الكرة»، في إشارة إلى تردد المتداولين بين الأسهم لمحاولة تعويض الخسارة، حسب ما نقلت «بلومبرغ».
انخفض مقياس «بلومبرغ» للدولار يوم الثلاثاء، وتباين أداء سندات الخزانة، وقال بيير تشارتر، من شركة «إم آند جي» للاستثمارات إن السندات الحكومية في الدول المتقدمة هي «تحوط جيد ضد المخاطر».
في أوروبا، أدى التحول الزلزالي في موقف المنطقة بشأن الإنفاق الدفاعي - حيث تقود ألمانيا حملة لاستثمار مليارات اليورو - إلى إعادة إشعال الرهانات على منحنيات العائد الأكثر حدة. أما في سوق العملات الأجنبية، فقد أدى ذلك إلى تحفيز التحسينات على مسار اليورو ودفع العملة إلى حوالي 1.09 دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ نوفمبر الماضي.
قالت كيلي وود، مديرة الأموال في شركة (Schroders Plc) التي تشرف على أكثر من تريليون دولار على مستوى العالم، إن الصندوق انقلب الشهر الماضي من شراء الدولار إلى تفضيل الين واليورو، معربة عن تفاؤلها بشأن سندات الخزانة قصيرة الأجل وديون الحكومة الأسترالية، وفق «بلومبرغ».
كما استفادت الكرونة السويدية أيضاً من خطط ألمانيا لزيادة الإنفاق الدفاعي، حيث يُنظر إلى الصناعة العسكرية في البلاد على أنها المستفيد الرئيس من أي زيادة في التمويل، وقد ارتفعت بنسبة 7.5% مقابل الدولار حتى الآن هذا الشهر، وهي أفضل عملات مجموعة العشرة أداءً.
وبحسب تقرير «بلومبرغ»، أدت المخاوف المتزايدة من التباطؤ، إلى انخفاض مؤشر «ناسداك 100» بنسبة 3.8% يوم الاثنين، وهو أكبر انخفاض ليوم واحد منذ عام 2022، بينما ارتفعت العقود الآجلة لمؤشر ناسداك اليوم الثلاثاء.
البيانات الاقتصادية تعطي مصداقية للمخاوف، فقد ارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 4.1% في شهر فبراير الماضي، في حين انخفض إنفاق المستهلكين بأكبر قدر في حوالي 4 سنوات في يناير الماضي.
كما أن تعليقات ترامب بأن الولايات المتحدة قد تواجه «فترة انتقالية» وتصريحات وزير الخزانة سكوت بيسنت، بأنه قد تكون هناك «فترة للتخلص من السموم» تشجع المتداولين على تقليل الاتجاه لأسواق الولايات المتحدة.
جورج إفستاثوبولوس، مدير المحفظة لدى (Fidelity International)، أعرب عن تفاؤله بأسهم الشركات المتوسطة الألمانية في وقت متأخر من يوم الاثنين، مراهناً على التحفيز المالي في البلاد لمساعدة القطاع الصناعي.
وخفضت شركة «سيتي جروب» الأسهم الأميركية إلى أسهم محايدة، بينما قامت في الوقت ذاته بترقية الصين إلى مرتفعة الوزن. فيما تفضل شركة «مورغان ستانلي» لإدارة استثمار الشركات والبلدان في جنوب شرق آسيا.
تضيف هذه التطورات إلى قناعة، لي مينغ هونغ، المخضرم في السوق الذي يعمل منذ عقدين، بأن الكثير من الزيادة في تقييم الأسهم الأميركية كانت ليست ذات قيمة فعلية، وأن الأسهم الصينية الخارجية تقدم قيمة أفضل.
وارتفع مؤشر أسهم الشركات السبع ذات الثقل التكنولوجي في الصين، بما في ذلك مجموعة «علي بابا» القابضة المحدودة وشركة «تينسنت» القابضة، بأكثر من 30% هذا العام، بينما خسر مقياس يتتبع أسهم الشركات السبع الكبرى 15%.
بدوره، يرى مانيشي رايتشاودوري، الرئيس التنفيذي لشركة «إيمر كابيتال» (Emmer Capital) في هونغ كونغ أن أهم عامل مثبط هو عدم اهتمام ترامب الواضح بأداء الاقتصاد أو سوق الأسهم على المدى القريب، وفق «بلومبرغ».
وأضاف رايتشاودوري: «يبدو أن صناديق أسواق المال وبعض السندات الاستثمارية في آسيا هي الأماكن الوحيدة التي يمكن أن يحتمي بها المستثمرون على المدى القريب».