بعد الاحتفال الصاخب ليلة فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانتخابات، سادت حالة من خيبة الأمل بين المصرفيين والمستثمرين في «وول ستريت»، إذ كان يُنظر إلى ترامب، الداعم لسياسات التحرير المالي وأسعار الفائدة المنخفضة، على أنه ضمانة لازدهار القطاع.
لكن حتى الآن، يبدو أن مكاتب الاستشارات المالية بعيدة عن تحقيق انتعاش حقيقي.
لطالما كانت أنشطة الاندماج والاستحواذ («M&A») مقياساً رئيساً لنبض الأسواق، فهي تعكس ثقة المستثمرين والوضع الاقتصادي العام. وشهدت هذه العمليات عصراً ذهبياً في العقد الماضي، مدعومة بأسعار الفائدة المنخفضة وتدفق السيولة، وبلغت ذروتها في عامي 2020 و2021، حين كانت البنوك المركزية في ذروة سياساتها التحفيزية.
لكن مع بدء رفع أسعار الفائدة في 2022، تباطأت عمليات الاندماج والاستحواذ بشكل كبير، فارتفاع تكلفة رأس المال جعل تمويل الصفقات أكثر كلفة؛ ما قلل من جدواها الاقتصادية، وبالتالي أدى إلى تراجع عدد وحجم العمليات المنجزة بحسب موقع «زون بورس» (zone bourse).
تعد صناديق «الملكية الخاصة» (Private Equity) لاعباً رئيساً في سوق الاستحواذات، لكنها واجهت أيضاً صعوبات بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، فجوهر عمل هذه الصناديق يعتمد على تدوير رأس المال، إلا أن ارتفاع الفوائد أدى إلى تجميد هذه الديناميكية؛ ما جعل عمليات التخارج (Exit) أكثر تعقيداً، وبالتالي قلّل العوائد الموزعة على المستثمرين الرئيسيين.
وانعكس ذلك بوضوح في تراجع حجم الأموال الجديدة التي تم جمعها خلال 2024 بنسبة 23% مقارنة بالعام السابق؛ نظراً لأن المستثمرين باتوا أكثر ترددًا في إعادة استثمار أموالهم.
مع فوز ترامب في الانتخابات، كانت التوقعات تشير إلى انتعاش مرتقب في أنشطة الاندماج والاستحواذ، خصوصاً مع توقع انخفاض الرقابة التنظيمية مقارنة بإدارة بايدن، التي عرقلت العديد من الصفقات. كما عززت توقعات خفض الفائدة من قبل «الاحتياطي الفيدرالي» هذه التطلعات.
لكن الانتعاش المنتظر لم يتحقق بعد. فقد كان يناير 2025 أضعف شهر منذ 2015، مع تسجيل 873 صفقة فقط، بانخفاض 30% مقارنة بيناير 2024، وفقًا لبيانات «LSEG».
ويُعزى ذلك إلى حالة عدم اليقين التي تسود الأسواق في الأسابيع الأولى من إدارة ترامب الجديدة، حيث أربكت قراراته المتضاربة بشأن السياسة التجارية، والعلاقات الدولية، وخفض ميزانيات الوكالات الفيدرالية، استراتيجيات الشركات، مما دفعها إلى تأجيل مشاريع الاستحواذ.
رغم التوقعات الأولية بأن إدارة ترامب ستكون داعمة لأسواق المال، فإن مواقفه العلنية منذ تنصيبه في أواخر يناير لم تكن بالضرورة مواتية للقطاع المالي. فبدلًا من التركيز على تحرير الأسواق وخفض الضرائب، يضع ترامب الحرب التجارية في صدارة أولوياته، بينما لا تزال الإصلاحات الاقتصادية التي تعزز الاستثمارات في انتظار التنفيذ.
ويبدو أن نهجه هذه المرة مختلف عن فترته الرئاسية الأولى، حيث يسعى لتمرير القرارات الصعبة مبكراً. ففي خطابه أمام الكونغرس الأسبوع الماضي، حذّر من «اضطرابات» قد تنجم عن فرض تعريفات جمركية جديدة؛ ما يشير إلى استمرار حالة الترقب في الأسواق.