logo
أسواق

هل تتحول هيمنة الأسهم الأميركية إلى فقاعة خطرة؟

هل تتحول هيمنة الأسهم الأميركية إلى فقاعة خطرة؟
جانب من صالة التداول في "وول ستريت" في مدينة نيويورك الأميركية المصدر: رويترز
تاريخ النشر:3 مارس 2025, 04:07 م

دفعت المكاسب القياسية للأسهم الأميركية خلال العقدين الماضيين حصتها في السوق العالمية القابلة للاستثمار إلى ما يقارب الثلثين، مما أثار مخاوف بشأن المخاطر المحتملة على محافظ المستثمرين.

ووفقاً لتقرير نشره موقع «فاينانشال تايمز»، تفوقت "وول ستريت على الأسواق العالمية مدفوعة بشكل أساسي بقطاع التكنولوجيا، ولا سيما الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والتي تقترب قيمتها الآن من إجمالي القيمة السوقية لجميع الأسهم الأوروبية مجتمعة.

وسلط التراجع الأخير في أسهم التكنولوجيا الضوء على القلق المتزايد بشأن التقييمات المرتفعة في سوق استحوذت بشكل متزايد على جزء كبير من رؤوس أموال المستثمرين العالميين.

وأشار بول مارش، أستاذ المالية في «كلية لندن للأعمال»، إلى أنه «إذا كنت تمتلك صندوقاً استثمارياً مؤشراً، فسيكون ثلثاه في الولايات المتحدة، والكثير منه في وادي السيليكون تحديداً»، محذراً من أن هذا التركيز يجعل المستثمرين معرضين بشدة لتحولات السوق المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.

توسّع هيمنة سوق الأسهم الأميركية

منذ عام 2010، عزّزت العوائد القوية توسع سوق الأسهم الأميركية، لترتفع حصتها من القيمة السوقية العالمية القابلة للتداول من حوالي 40% بعد الأزمة المالية إلى أكثر من 64% بحلول عام 2025.

وتصدرت الولايات المتحدة أسواق الأسهم العالمية لأغلب القرن الماضي، متجاوزة المملكة المتحدة في أوائل القرن العشرين. وبحلول أواخر الستينيات، شكلت أكثر من 70% من السوق القابلة للاستثمار عالمياً، مدعومة بازدهار الاقتصاد الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية وغياب المنافسة من الأسواق الناشئة الحالية.

إلا أن الانهيار العالمي في 1973-1974 أثر بشدة على الأسهم الأميركية، ولم تستعد وول ستريت ذروتها المسجلة أواخر الستينيات إلا بعد أكثر من عقدين، وفقاً للبروفيسور فيليب ديفيس من جامعة «برونيل».

وأتاح هذا التراجع الفرصة لليابان لتصبح، ولو لفترة وجيزة، أكبر سوق للأسهم في العالم خلال فقاعة الأصول أواخر الثمانينيات، والتي انهارت لاحقاً، مما أدى إلى عقود من الركود في الاقتصاد والسوق الياباني. ولم يتجاوز مؤشر «نيكاي 225» ذروته في حقبة الفقاعة حتى العام الماضي.

دروس من الأزمات المالية السابقة

أشار ريتشارد سيلا، الأستاذ الفخري في كلية «ستيرن» للأعمال بجامعة نيويورك، إلى أن الأزمات المالية السابقة تقدم دروساً مهمة، قائلاً: «من حين لآخر، تخرج الأسواق المالية عن السيطرة، كما حدث في اليابان، حيث يشعر الجميع بالثراء المفرط قبل أن يكتشفوا أنها مجرد بيت من ورق».

وأثارت أوجه التشابه مع الفقاعات السابقة قلق بعض المستثمرين. وقال دانكن لامونت، رئيس الأبحاث الاستراتيجية في شركة «شرويدرز» (Schroders) لإدارة الأصول، إن «السؤال الأول الذي يُطرح عليّ الآن هو: ماذا نفعل حيال سوق الأسهم الأميركية؟» لكنه أشار إلى أن الأداء «اللافت» للأسهم الأميركية منذ 2008 يجعل من الصعب المجازفة ضد هذا الاتجاه، مضيفاً أن «المتشائمين كانوا مخطئين مراراً وتكراراً».

أداء قوي للأسهم الأميركية

وحقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، الذي يقيس أداء أكبر الشركات في الولايات المتحدة، متوسط عائد سنوي يقارب 14% منذ عام 2010، متفوقاً بذلك على جميع المؤشرات الوطنية الكبرى. ويرجع هذا الأداء القوي جزئياً إلى المكاسب القياسية التي حققتها أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية مثل «إنفيديا»، مدفوعة بالتفاؤل المتزايد حول الذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، شهد عام 2025 فترة نادرة من الأداء الضعيف لسوق "وول ستريت"، إذ بدأت الأسواق الأوروبية في تقليص الفجوة بينها وبين السوق الأميركية بعد سنوات من التفوق الأميركي.

وتستمر هيمنة الأسهم الأميركية مدعومة باختيار الشركات الأجنبية، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا، للإدراج في بورصة نيويورك بحثاً عن تقييمات أعلى. ويعتقد بعض المستثمرين أن هذا الاتجاه قد عزز قدرة السوق الأميركية على التكيف مع التباطؤ الاقتصادي. في هذا السياق، قال جاك أبلين، كبير مسؤولي الاستثمار في «كريسيت كابيتال» (Cresset Capital): «يمكنني بناء محفظة استثمارية عالمية تعتمد بشكل كامل على السوق الأميركية».

لكن المخاوف لا تقتصر على الحجم الكبير للسوق الأميركية فحسب، بل تشمل أيضاً تركيز النمو في عدد قليل من الشركات. وحذر تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في مجموعة «أبولو»، من أن تقييمات شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السيليكون قد أصبحت «مبالغاً فيها بشكل كبير». حيث تستحوذ مجموعة «السبعة العظماء» على نحو ثلث القيمة السوقية لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» البالغة 51.8 تريليون دولار، بينما تقترب معدلات التقييم من مستويات لم تُشاهد منذ أوائل الألفية.

ثقة المستثمرين في اختبار

تعرضت ثقة المستثمرين لاختبار في يناير بعد إعلان شركة «ديب سيك» الصينية عن تقدم في مجال الذكاء الاصطناعي باستخدام موارد حوسبة أقل بكثير مما تنفقه الشركات الأميركية الكبرى، مما أثار شكوكاً حول جدوى الاستثمارات الضخمة في «السبعة العظماء». وفي الشهر ذاته، أدى تجدد القلق إلى تراجع قطاع التكنولوجيا، مما عطل مؤقتاً مسيرة السوق الأميركية نحو تحقيق مستويات قياسية جديدة.

ويعتقد بعض الخبراء أن تراجع هيمنة قطاع التكنولوجيا قد لا يكون كارثياً للمستثمرين، لكن التركيز الكبير على الأسهم الأميركية يثير تساؤلات حول التنويع. وأكد سلوك إلى أن الدرس الأساسي في التمويل هو ضرورة تنويع المحفظة الاستثمارية، وهو ما يدفع المستثمرين حالياً إلى مراجعة تنوع استثماراتهم.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC