تستعد صناعة الدفاع الأميركية لمواجهة العديد من التحديات المتعلقة بمنتجاتها العسكرية الباهظة الثمن، بالتزامن مع قرب تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. وقد أوكل ترامب إلى إيلون ماسك مهمة إدارة كفاءة الحكومة، والتي تتضمن خفض النفقات الكبيرة للحكومة الفيدرالية.
وخلال الأسابيع الماضية، انتقد ماسك بشدة أسطول مقاتلات (F-35) التابعة للبنتاغون، والتي تصنعها شركة «لوكهيد مارتن» (Lockheed Martin).
وباعتباره داعماً للتكنولوجيا الذاتية المتطورة، يرى ماسك أن الجيش لم يعد بحاجة إلى مقاتلات مأهولة باهظة التكاليف، في وقت تعاني فيه الميزانيات، بينما يُظهر الاستخدام المتزايد لطائرات الدرون فعالية عالية في أوكرانيا ومناطق أخرى، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «فاينانشال تايمز» (Financial Times).
قال لورينز ماير، الرئيس التنفيذي لشركة «أوتيريون» (Auterion) الأميركية، التي تطور برمجيات تسمح لأسراب الطائرات دون طيار المستقلة بالتواصل بعضها مع بعض: «على غرار كيفية استبدال الحواسيب المركزية بالحواسيب الشخصية والهواتف الذكية، هل ستظل هذه الطائرات المأهولة الضخمة مستخدمة بالطريقة نفسها، بعد أن أصبح هناك أنظمة أخرى غير مأهولة وقابلة للاستغناء؟».
وأضاف ماير أن شركته لا تدعو إلى إنهاء استخدام الأنظمة العسكرية المأهولة بالكامل، لكن التطور السريع للأنظمة غير المأهولة المدعومة بالذكاء الاصطناعي يثير تساؤلات حول دورها المستقبلي.
وفي الولايات المتحدة، أعلنت القوات الجوية في وقت سابق من الشهر الجاري عن تأجيل قرارها، الذي كان متوقعاً في نهاية عام 2024، بشأن الشركة التي ستتولى بناء مقاتلة جديدة ضمن برنامج «السيطرة الجوية للجيل القادم» (NGAD - Next Generation Air Dominance).
ويعني هذا القرار أن المهمة ستُترك للإدارة المقبلة للرئيس ترامب لتحديد كيفية المضي قدماً في المشروع. وأعلنت شركة «لوكهيد مارتن» (Lockheed Martin) أنها ستتعاون مع الإدارة المقبلة كما فعلت خلال الفترة الأولى لرئاسة ترامب.
منذ فترة طويلة، يُناقش مصير مقاتلة «إف-35» (F-35)، التي باتت تُعتبر من قِبل كثيرين آخر مقاتلة مأهولة سيتم بناؤها. إلا أن لهذا التحول تداعيات كبيرة على مقاولي الدفاع التقليديين مثل «لوكهيد مارتن» (Lockheed Martin)، إلى جانب الشركات الناشئة ومطوري الطائرات دون طيار، الذين يسعون للتوسع في السوق العسكرية. يأتي هذا في وقت تدرس فيه الحكومات الغربية خططاً مكلفة للجيل القادم من المقاتلات لتحل محل النماذج الحالية.
وتم وضع برنامج «المقاتلة الجوية العالمية المشتركة» (GCAP - Global Combat Air Programme) بين المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، وبرنامج «النظام المستقبلي للمقاتلات الجوية» (FCAS - Future Combat Air System) بين فرنسا وألمانيا وإسبانيا، قبل أن تُسرّع الحرب في أوكرانيا تطوير الطائرات دون طيار. وفي كلا البرنامجين، من المفترض تطوير مقاتلة مركزية مأهولة، تحيط بها طائرات دون طيار.
صرّح جاستن برونك، الزميل الباحث في «معهد الخدمات الملكية المتحدة» (RUSI - Royal United Services Institute)، بأن النقاش ما زال قائماً، بدرجات متفاوتة، داخل برامج الجيل القادم الثلاثة حول ما إذا كانت المقاتلة المركزية ستكون مأهولة أم غير مأهولة. وأوضح أن تأخر إطلاق البرنامج سيتيح فرصاً أكبر لتطور التكنولوجيا الذاتية.
أقر مايكل شولهورن، الرئيس التنفيذي لشركة «إيرباص للدفاع والفضاء» (Airbus Defence & Space)، مؤخراً، بأن الفترات الطويلة اللازمة للتطوير والتوترات الجيوسياسية الحالية تجعل تسريع تطوير الأنظمة الذاتية أمراً منطقياً على المدى القصير.
وأضاف أن أي قرار بالتخلي نهائياً عن المقاتلات المأهولة ستكون له تداعيات كبيرة، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضاً على القطاع الصناعي. وأشار الخبراء إلى أن التخلي عن المقاتلات المأهولة سيؤدي إلى خسارة الشركات المصنعة لعائدات ضخمة ناتجة عن خدمات الصيانة والدعم.
يتمتع برنامج «جي كاب» (GCAP)، الذي تقوده صناعياً شركات «بي إيه إي سيستمز» (BAE Systems) البريطانية، و «ليوناردو» (Leonardo) الإيطالية، و «ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة» (Mitsubishi Heavy Industries) اليابانية، بجدول زمني طموح، حيث يستهدف دخول المقاتلة الخدمة بحلول عام 2035، ويتوقع معظم الخبراء أن تكون المقاتلة مأهولة.
في المقابل، يستهدف البرنامج الفرنسي-الألماني-الإسباني «إف كاس» (FCAS) عام 2040 تقريباً؛ ما يمنح شركتي «إيرباص» (Airbus) و «داسو للطيران» (Dassault Aviation) وقتاً أطول لاستيعاب التطورات في مجال التكنولوجيا الذاتية قبل اتخاذ القرار النهائي، وفقاً للمحللين.
صرّح جاستن برونك أن السبب الرئيس لتمسك معظم الدول بهذه البرامج هو دعم صناعاتها الدفاعية، التي تمثل جزءاً مهماً من القاعدة الصناعية المتقدمة.
من الناحية التشغيلية، لا تزال المقاتلات المأهولة تتفوق على الأنظمة غير المأهولة المتوفرة حالياً. وأوضح برونك أن هناك «مجموعة واسعة من المهام» التي يصعب تنفيذها باستخدام الأنظمة غير المأهولة بالتكنولوجيا الحالية. وأضاف: «العديد من المهام تعتمد على وجود طيار يتخذ القرارات ويوفر الطمأنينة».
في الوقت نفسه، تبقى الطائرات دون طيار عرضة للحرب الإلكترونية والتهديدات الدفاعية الجوية، ما يحد من فعاليتها. علاوة على ذلك، فإن الأنظمة غير المأهولة الأكثر تطوراً ليست بالضرورة أقل تكلفة.
وفي مذكرة حديثة، أشار بيرون كالان، المدير الإداري لمجموعة أبحاث «كابيتال ألفا بارتنرز» (Capital Alpha Partners)، إلى أن الطائرات دون طيار ليست الحل الوحيد. وقال: «لو كانت كذلك، لما رأينا أوكرانيا تسعى للحصول على مقاتلات مأهولة ومركبات مدرعة، ولما استمرت الصين في تطوير مقاتلات مثل «جي-20» (J-20)، وبناء سفن بحرية مأهولة، والاحتفاظ بأكبر قوة دبابات في العالم».
يرى محللون أن الطائرات المأهولة ستبقى عنصراً محورياً في برامج الجيل القادم. وصرّح مارك غونزينغر، مدير مفاهيم المستقبل وتقييم القدرات في معهد «ميتشل لدراسات الفضاء الجوي» (Mitchell Institute for Aerospace Studies)، أن العنصر المأهول في برنامج «إن جي إيه دي» (NGAD) سيكون متعدد المهام. وقال: «سيشمل مهام المقاتلة التقليدية، والهجمات الجوية، وإدارة ساحة المعركة، والاستشعار المتقدم، والهجمات الإلكترونية».
وأضاف غونزينغر أن سيناريوهات المحاكاة العسكرية الأميركية أكدت أهمية الحفاظ على قوة جوية مأهولة متوازنة، مشدداً على أن الذكاء الاصطناعي سيظل مساعداً، لكنه لن يكون بديلاً عن القدرات البشرية في ساحة المعركة. واختتم قائلاً: «إن الجمع بين الأنظمة المأهولة وغير المأهولة سيحقق قفزة نوعية في القدرات والكفاءة القتالية».