مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، بدأت شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية الأميركية في إعادة تقييم اعتمادها على الشركاء الصينيين في مجالات التصنيع والبحث وتوريد المكونات الأساسية.
وتوقع تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» أن يؤدي هذا التحول إلى ارتفاع أسعار الأدوية وتباطؤ في طرحها في السوق، إذ تسعى الشركات إلى تنويع سلاسل التوريد، وهي عملية معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً.
وتسعى شركات الأدوية الكبرى، مثل «أسترازينيكا»، جنباً إلى جنب مع شركات التكنولوجيا الحيوية الصغيرة مثل «أميكوس ثيرابيوتيكس» في ولاية نيوجيرسي الأميركية، إلى إيجاد موردين غير صينيين لتوريد المواد الخام المستخدمة في علاجات الأمراض النادرة، بهدف تقليل التعرض للمخاطر الجيوسياسية المحتملة.
ويؤكد خبراء في القطاع أن هذه التحولات مكلفة وتستغرق وقتاً، ما قد يؤثر سلباً على توافر الأدوية وأسعارها في الولايات المتحدة.
بحسب التقرير، تعتمد الشركات الأميركية والأوروبية بشكل كبير على الصين في توفير المكونات الأساسية والخدمات الكيميائية اللازمة لإنتاج الأدوية، وذلك بسبب انخفاض تكاليف العمالة فيها مقارنة بالدول الغربية. إلا أن التوترات الاقتصادية والجيوسياسية المتصاعدة قد زادت من المخاوف بشأن هذا الاعتماد المفرط.
وقد صرح نيلو ماينولفي، الرئيس التنفيذي لشركة «كيميرا ثيرابيوتيكس» في ماساتشوستس، المتخصصة في تطوير علاجات للسرطان وجهاز المناعة، بأن «الشركات تتجه حالياً نحو تقليل اعتمادها على دولة واحدة أو مجموعة محدودة من الدول». وأضاف أن شركته قامت بالفعل بنقل بعض عملياتها إلى أوروبا والهند والولايات المتحدة.
أوضح التقرير أن أحد أبرز الأسباب التي دفعت الشركات لاتخاذ هذه الخطوة هو «قانون الأمن الحيوي» الذي أقرّه الكونغرس الأميركي مؤخراً، والذي يقضي بفرض قيود على الشركات الأميركية المتلقية لتمويل حكومي، مما يمنعها من التعامل مع بعض الشركات الصينية.
ومن أبرز الشركات الصينية المتضررة «ووكسي أبتيك» و«ووكسي بيولوجيكس»، اللتين تعتمد عليهما العديد من الشركات العالمية في مجال البحث والتصنيع. وقد وصفت «ووكسي أبتيك» هذه القيود بأنها "غير مبررة"، مؤكدة أنها لا تشكل أي تهديد أمني للولايات المتحدة.
ورغم أن القانون لم يحظَ بالموافقة النهائية في مجلس الشيوخ، حيث يتضمن في صيغته الحالية مهلة حتى عام 2032 لإنهاء العلاقات مع الشركات الصينية المدرجة، إلا أن آثاره بدأت تتجلى بالفعل.
وقال ستيف أبرامز، الرئيس المشارك لقسم العلوم الحياتية في شركة المحاماة «هوغان لوفيلز»، إن هذا القانون أحدث «أثراً سلبياً على الشركات التي كانت تفكر في التعاون مع الشركات الصينية».
ومع ذلك، فإن الشركات الغربية لن تقطع صلاتها بالصين كلياً، وفقاً للتقرير، حيث إن السوق الصينية، باعتبارها ثاني أكبر سوق للأدوية عالمياً، لا تزال تمثل فرصة استثمارية واعدة بالنسبة لشركات الأدوية الأميركية والأوروبية. كما أن الشركات الصينية للتكنولوجيا الحيوية تسعى جاهدة لتوسيع نطاق أعمالها عالمياً، وتوقع صفقات ترخيص كبيرة لنقل أدويتها إلى الأسواق العالمية.
وظهر التأثير الأكبر لهذا القانون في سلاسل التوريد، حيث أنهت شركة «فير بيوتيكنولوجي» في سان فرانسيسكو، المتخصصة في تطوير العلاجات المضادة للفيروسات والسرطان، شراكتها التصنيعية مع «ووكسي بيولوجيكس» وانتقلت للعمل مع شركاء أميركيين.
كما تعمل شركات كبرى مثل «أسترازينيكا» على إنشاء سلاسل توريد مستقلة للأسواق الأميركية والصينية.
فيما تبحث شركة «أميكوس ثيرابيوتيكس»، التي تعتمد حالياً على «ووكسي بيولوجيكس» لإنتاج علاج لمرض وراثي يصيب الأطفال، عن موردين بديلين لتجنب المخاطر المرتبطة بالتوترات الجيوسياسية.
ويؤكد برادلي كامبل، الرئيس التنفيذي لشركة «أميكوس ثيرابيوتيكس»، على أهمية تنويع الموردين، مشيراً إلى أن «قانون الأمن الحيوي» قد سلط الضوء على هشاشة الاعتماد على مورد واحد. وفي ذات السياق، تسعى «ووكسي بيولوجيكس» لتخفيف حدة هذه التغيرات من خلال بناء منشأة في أيرلندا لتوفير الأدوية التجارية في أواخر العام المقبل.
وبحسب «منظمة الابتكار في التكنولوجيا الحيوية»، يعتمد ما يقرب من 80% من الشركات الأميركية في هذا المجال على مورد صيني واحد على الأقل. وقد قضت الشركات الصينية سنوات في تطوير البنية التحتية بمساعدة حكومية، مما أكسبها احتراماً عالمياً في صناعة الأدوية.
وتقوم شركات «ووكسي» الصينية بتصنيع المواد الخام اللازمة لأدوية السرطان مثل «إمبروفيكا»، إلى جانب أدوية أخرى، وفقاً لتقارير شركة تحليلات سلسلة التوريد «كيوبو». ومن بين الشركات الأميركية المدرجة في قطاع التكنولوجيا الحيوية والأدوية، أفادت 60 شركة بأنها تتعاون مع شركة واحدة على الأقل من الشركات الصينية وفقاً لمنصة البيانات «ألفا ساينس».
وأكد التقرير أنه ليس من السهل على شركات التكنولوجيا الحيوية استبدال الموردين الصينيين بين عشية وضحاها، حيث تواجه منافسة شديدة للحصول على موارد بديلة.
وحذر جون ماراغانور، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «ألنيلام فارماسوتيكالز» المتخصصة في مجال تطوير الأدوية، من أن التحول إلى شركاء غير صينيين قد يبطئ عملية تطوير الأدوية ويرفع التكاليف، داعياً إلى تشجيع الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة بدلاً من فرض إجراءات تقييدية.
ورغم التحديات، نجحت شركة «ووكسي أبتيك» الصينية في الحفاظ على نموها، حيث ارتفعت طلباتها المتأخرة بنسبة 25% بنهاية سبتمبر. أما شركة «إنفيفيد» في ماساتشوستس، التي تعتمد على «ووكسي بيولوجيكس» لإنتاج علاج لكوفيد-19، فتعمل على إنهاء شراكتها مع «ووكسي» وتحديد مواقع بديلة خارج الصين.
وأضاف رئيس مجلس الإدارة، مارك إليا، أن «هذا سيكون قابلاً للتحقيق، رغم التحديات»، مشيراً إلى أن عملية التصنيع التدريجية التي تعتمدها شركة «إنفيفيد» توفر مرونة أكبر.
وأوضح التقرير أن تعقيدات الأوضاع الجيوسياسية قد تكون أكثر تأثيراً على الشركات الناشئة، إذ إن خسارة مقاول صيني بسبب قضية جيوسياسية يمكن أن تهدد العمل بأكمله. لذا، ينصح المستثمرون المغامرون الشركات الناشئة التي يستثمرون فيها بتجنب هذه المخاطر.
وتشير تيس كاميرون من «آر آند إيه كابيتال مانجمنت»، التي تستثمر في قطاع الصحة، إلى أن استقرار سلاسل التوريد بات عاملاً رئيسًا في قرارات الاستثمار، إلى جانب جودة الأصول وشروط الصفقات.