logo
مقالات الرأي

كيف أعادت السندات التوازن وسط تقلبات الأسواق وتوقعات الركود

كيف أعادت السندات التوازن وسط تقلبات الأسواق وتوقعات الركود
مبنى وزارة الخزانة الأميركية في العاصمة واشنطن، يوم 9 يوليو 2024المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:16 أغسطس 2024, 01:24 م

المشهد المالي العالمي الحالي، تواصل السندات الحكومية الأميركية لعب دور محوري في التأثير في الأسواق في أنحاء العالم كلها، تعدُّ هذه السندات ملاذاً آمناً خلال مدة عدم اليقين الاقتصادي، وكانت في مركز الاهتمام أخيراً، في ضوء البيانات الاقتصادية الأخيرة والتقلبات السوقية، شهدت سوق السندات تحركات كبيرة في الصيف الأخير، وهو ما كانت له تأثيرات واسعة في الأسهم العالمية، والسلع والأدوات المالية الأخرى.

شهد صيف 2024 ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار السندات، ما أدى إلى انخفاض كبير في العوائد، يُعزى هذا الارتفاع إلى سلسلة من المؤشرات الاقتصادية التي تشير إلى أن الاقتصاد الأميركي قد لا يكون بالقوة ذاتها كما كان يُعتقد سابقاً. على وجه الخصوص، أدت البيانات الضعيفة غير المتوقعة من سوق العمل الأميركية إلى زيادة المخاوف بشأن حدوث ركود محتمل، ما دفع المستثمرين نحو الأمان الذي توفره السندات الحكومية الأميركية.

استثمارات تضمن استرداد رأس المال

الفكرة الأساسية هنا هي أن السندات تلعب دوراً وقائياً في مواجهة الانكماشات الاقتصادية، تُعدُّ السندات، وخاصة تلك الصادرة عن الحكومة الأميركية، استثمارات موثوقة تضمن استرداد رأس المال.

أخبار ذات صلة

وارن بافت يمتلك سندات خزانة أكثر من الفيدرالي

وارن بافت يمتلك سندات خزانة أكثر من الفيدرالي

تعزز هذا الشعور مع التقلبات التي شهدتها أسواق الأسهم في الأسابيع الأخيرة، ومع تراجع الأسهم تراجعًا حادًّا، أصبحت السندات أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يبحثون عن الاستقرار، مع الإشارة إلى وجود علاقة عكسية بين السندات والأسهم، إذ يؤدي ضعف سوق الأسهم إلى زيادة الطلب على السندات، كانت هذه العلاقة واضحة في التحركات الأخيرة للسوق، إذ توقعت سوق السندات أن يضطر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد، ما يزيد جاذبية السندات.

الفائدة وأسعار السندات

لنشرح هذا الأمر للقارئ غير المتخصص: عندما نتحدث عن خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي أو أي بنك مركزي، فإن ذلك يعني تقليل تكلفة الاقتراض، وهذا يؤثر تأثيراً مباشراً في السندات، ولكن التأثير ليس دائماً بديهياً.

عندما تنخفض أسعار الفائدة، تصدر الحكومة أو الشركات سندات جديدة بفائدة أقل، ولكن السندات القديمة (التي أُصدرت قبل خفض الفائدة) لا تزال تحمل معدلات فائدة أعلى، هذا يجعل السندات القديمة أكثر جاذبية في السوق؛ لأنها تدفع فوائد أعلى مقارنة بالسندات الجديدة، على سبيل المثال، إذا كنت تمتلك سنداً قديماً يدفع فائدة 5%، وأصدرت الحكومة سندات جديدة بفائدة 3% فقط بعد خفض الفائدة، فإن السند القديم يصبح أكثر قيمة في السوق، وترتفع أسعار السندات، وبسبب جاذبية السندات القديمة، يرتفع الطلب عليها في السوق الثانوية (إذ تُتَدَاوَل السندات القديمة)، هذا يؤدي إلى ارتفاع سعر هذه السندات، لذلك حتى إذا كانت السندات مسعرة بالفائدة، فإن قيمتها السوقية قد ترتفع نتيجة زيادة الطلب عليها. 

البحث عن ملاذ آمن

أما لماذا تزيد جاذبية السندات عند خفض أسعار الفائدة؟ فذلك لوجود مخاطر أقل، في المدة التي تكون فيها أسعار الفائدة منخفضة، تصبح السندات استثماراً أكثر أماناً بالمقارنة مع الأسهم، تكون الأسهم أكثر تقلباً وقد تنخفض قيمتها، على حين توفر السندات عائداً ثابتاً، والمستثمرون يبحثون عن استثمارات آمنة تضمن لهم عائداً ثابتاً، خاصة في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي، هذا التوازن يساعد المستثمرين على تقليل الخسائر في محفظتهم الإجمالية، فإذا كانت محفظة المستثمر تحتوي على مزيج من الأسهم والسندات، يعني ذلك أن ارتفاع أسعار السندات يمكن أن يوازن انخفاض قيمة الأسهم، ما يقلل من التأثير السلبي في المحفظة عامة.

أخبار ذات صلة

هل أخطأ "الفيدرالي" بإرجاء رفع الفائدة؟

هل أخطأ "الفيدرالي" بإرجاء رفع الفائدة؟

مع ذلك، يوجد جدل بين المشاركين في السوق حول ما إذا كان رد فعل سوق السندات مبالغاً فيه، في الوقت الذي أظهرت فيه أسواق الأسهم بوادر تعافٍ بعد المدة المضطربة في الصيف، لا تزال أسواق السندات متحفظة، ما يعكس القلق بشأن صحة الاقتصاد الأميركي، يشكك بعض المستثمرين فيما إذا كان تشاؤم سوق السندات مبرراً، خاصة في ضوء الإشارات المتباينة من المؤشرات الاقتصادية المختلفة.

السندات والأسهم.. العلاقة مستمرة

إحدى النقاط الرئيسة التي أبرزها المراقبون، تتمثل في صمود العلاقة التقليدية بين السندات والأسهم، خلال الاضطرابات الأخيرة في السوق، ثبتت هذه العلاقة جيداً، ما وفر للمستثمرين شبكة أمان، استفادت المحافظ التي تحتوي على كل من الأسهم والسندات من هذا التوازن، إذ ساعد ارتفاع أسعار السندات في تخفيف تأثير انخفاض أسعار الأسهم، يُعد هذا تطوراً مطمئناً للمستثمرين الذين يعتمدون على هذه الإستراتيجية التنويعية لإدارة المخاطر.

تشير التوقعات إلى أن مستقبل السندات يظل غير مؤكد إلى حد ما، في الوقت الذي كانت فيه البيئة الحالية مواتية لمستثمري السندات، فإن المسار المستقبلي سيعتمد إلى حد كبير على كيفية تطور الاقتصاد الأميركي، إذا تفاقمت الظروف الاقتصادية واضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة بقوة، فقد تستمر السندات في الأداء الجيد. على العكس من ذلك، إذا أظهر الاقتصاد علامات على الصمود، فقد تتعرض أسعار السندات لضغوط مع ارتفاع العوائد.

تظل السندات الحكومية الأميركية حجر الزاوية في الأسواق المالية العالمية، وتؤثر في الاتجاهات عبر مختلف فئات الأصول، أكدت البيانات الاقتصادية الأخيرة والتقلبات السوقية على أهميتها بوصفها ملاذاً آمناً خلال أوقات عدم اليقين، ومن غير المرجح أن نرى تراجعاً لدور سوق السندات بوصفه معياراً للاقتصاد العالمي، على الأقل ليس في المستقبل القريب.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC